القائمة الرئيسة
الرئيسية / شرح كتاب الجمعة من صحيح مسلم / الجزء (11) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: الحكمة من مشروعية غسل صلاة الجمعة

2024-07-11

صورة 1
الجزء (11) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: الحكمة من مشروعية غسل صلاة الجمعة

المتن:

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (كتاب الجمعة

حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، ومحمد بن رمح بن المهاجر قالا أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة حدثنا ليث عن نافع عن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل».

حدثنا قتيبة ابن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا ابن رمح أخبرنا الليث عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو قائم على المنبر: «من جاء منكم الجمعة فليغتسل».

وحدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرنا ابن شهاب عن سالم وعبد الله ابني عبد الله بن عمر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله.

وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بمثله.

وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه «أن عمر بن الخطاب بينما هو يخطب الناس يوم الجمعة دخل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه عمر أي ساعة هذه؟ فقال: إني شغلت اليوم فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت النداء، فلم أزد على أن توضأت قال عمر: والوضوء أيضا، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل».

حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني أبو هريرة قال: بينما عمر بن الخطاب يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل عثمان بن عثان فعرض به عمر فقال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء؟ فقال عثمان: يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم انقلبت، فقال عمر: والوضوء أيضا، ألم تسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل»).

الشرح:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وتكلمنا في الدروس التي سلفت عن أحكام من أحكام يوم الجمعة، وبينا ذلك جملة وتفصيلا، وفي هذا الدرس كما سمعتم دخلنا في شرح الأحاديث، وهذه الأحاديث كما ترون من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، ومن حديث أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكذلك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن عمر رضي الله عنه.

وهذه الأحاديث كما سمعتم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل»، وهذه الأحاديث تدل على مشروعية الغسل لصلاة الجمعة، وأما عن قول النبي صلى الله عليه وسلم «فليغتسل» وهو أمر، وهذا الأمر هل هو للوجوب أو للاستحباب؟ يعني الغسل هل هو واجب أو مستحب؟ هذا سيأتي إن شاء الله في الدرس القادم في الباب الذي بعده مباشرة، وندمج هذه الأحاديث مع الباب الذي سوف يأتي بعد هذه الأحاديث في الدرس القادم نتكلم هل غسل الجمعة واجب أو مستحب؟ سنتكلم عنه إن شاء الله في الدرس القادم.

لكن هذه الأحاديث تبين الآن مشروعية الغسل لصلاة الجمعة، والمشروعية هذه أجمع عليها العلماء قديما وحديثا أن غسل الجمعة مشروع في الإسلام، فمن أراد أن يأتي صلاة الجمعة فيشرع له الغسل، وهذا يعني يدل على أهمية صلاة الجمعة أن النبي صلى الله عليه وسلم حث الناس وشرع لهم الغسل لصلاة الجمعة، فلا ينبغي للعبد أن يترك الغسل لصلاة الجمعة إذا احتاج لذلك، وبيأتي تفصيل هذه الأمور بعد ذلك.

إذا عندنا هذه الأحاديث تدل على مشروعية الغسل لصلاة الجمعة، وهذا يعني الحكم أجمع عليه العلماء، هذا الحكم الأول.

الحكم الثاني في الأحاديث: وقت الغسل، ووقت الغسل: عليه السلف وأكثر العلماء من المتأخرين أن الغسل الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم يكون لصلاة الجمعة، يعني النبي صلى الله عليه وسلم شرع للناس الغسل للصلاة، وليس ليوم الجمعة الذي يكون ليلا ونهارا يوم وليلة، فليس مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يغتسلوا ليوم الجمعة المعروف، بل النبي صلى الله عليه وسلم وقت الغسل هذا لصلاة الجمعة وليس ليوم الجمعة، وهذا عليه السلف وأكثر العلماء من المتأخرين منهم الشافعية أن الغسل شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الجمعة دون يوم الجمعة؛ لأن بعض أهل العلم كالظاهرية ابن حزم وغيره يقولون أنه مشروع ليوم الجمعة، وهذا الأمر بلا شك ضعيف والقول ضعيف.

* والأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع الغسل لصلاة الجمعة، من أراد أن يصلي صلاة الجمعة عليه أن يغتسل، ويشرع له الاغتسال؛ لأن الغسل شرع للنظافة، وإزالة الروائح من الجسم التي تكون سببا في إيذاء الحاضرين للصلاة، ولأن صلاة الجمعة اختصت بأحكام ليست في غيرها، فالغسل هذا شرع للنظافة وإزالة الروائح؛ لأن الناس يجتمعون في المسجد في الصلاة، ويكونون كثر، فإذا الناس فيهم روائح وفيهم كذا ولم يغتسلوا، الناس يتأذون، الحاضرين يتأذون؛ فشرع الغسل لهذا الأمر لكي لا يتأذى الناس يوم الجمعة، والناس يجلسون ينتظرون الصلاة وقت طويل، فلو كان الناس لما فيهم من الروائح لم يغتسلوا يتأذى الناس؛ لأن جلوسهم طويل وهم كثر، فيحتاجون إلى هذا الغسل.

وبيأتي لو الشخص ليس فيه أي رائحة وهو متنظف ومغتسل مثلا  يوم الخميس ورائحته طيبة، فلو أتى إلى يوم الجمعة فلا بأس بذلك، لكن الغسل له أفضل، والخلاصة أن الغسل شرع للنظافة وإزالة الروائح، وما شابه ذلك، فهذا يدل على أن الغسل شرع لصلاة الجمعة وليس شرع ليوم الجمعة؛ لأن الناس لا يحتاجون إلى هذا، يكونون في بيوتهم، وفي وظائفهم، وطرقهم، فمنتشرون، فلا يحتاجون، والناس لا يتأذون منهم لأنهم فرادى، أما الاجتماع في مكان واحد في الجامع في المسجد والناس كثر، فلو كان الناس لا يغتسلون وفيهم ما فيهم من الرواحة خاصة الذي يعملون في الطرقات أو في أي مكان، ثم يأتون لصلاة الجمعة خاصة الصيف، فالناس لا يتحملونهم، ولا يتحملون هذه الروائح، فشرع لهم أن يغتسلوا، يعني الحكمة من مشروعية الغسل لهذا الأمر إزالة الروائح والنظافة، ولكي الناس لا يتأذون، فشرع لهم هذا الغسل.

الحكم الثالث في هذه الأحاديث: وشرع الغسل في حق كل مريد لصلاة الجمعة؛ لأنه فيه أناس من أهل الأعذار ما يأتون الجمعة، أو أناس في العمل، أو ما شابه ذلك، فهؤلاء لا يشرع لهم الغسل لصلاة الجمعة؛ لأنهم لم يأتوا أصلا هم، فشرع الغسل في حق من يريد أن يصلي الجمعة، فإذا أتى العبد إلى صلاة الجمعة فعليه ويشرع له أن يغتسل سواء كانوا رجالا أو نساء أو بناتا أو أبناء أو صبيان مميزين، فما دام هؤلاء سوف يأتون فيشرع لهم الغسل، يأتون صلاة الجمعة يحضرون صلاة الجمعة والنساء لهم مكان يحضرون في الجوامع، والرجال لهم مكان، فلو المرأة أتت فيشرع لها أن تغتسل؛ لأن كذلك يحصل رائحة من النساء، ويأتون كثر كذلك، فإذا لم يغتسلن وفيهن وما فيهن من الرائحة فيتأذى النسوة من ذلك؛ فيشرع كذلك للمرأة أن تغتسل إذا أرادت أن تأتي صلاة الجمعة وتشهد صلاة الجمعة.

كذلك البنات، كذلك الأبناء الشباب مثلا الناشئة يأتون يشرع لهم؛ لأن تصيبهم الروائح في الجسم، والرجال أمرهم معروف يشرع لهم إذا أتوا إلى صلاة الجمعة أن يغتسلوا لها، والحكمة كما بينت لكم، فيشرع الغسل في حق كل مريد لصلاة الجمعة حتى الصبي المميز يشرع له، وكذلك المسافر إذا سافر وأقام في أي بلد يحضر الجمعة كذلك يشرع له، والحر والعبد والجميع، لأن بعض أهل العلم لم يشرع لما ذكرنا للبعض، وهذا يعني عندهم اجتهادات.

وحضور هؤلاء الذين ذكرناهم هذا قول جمهور العلماء، جمهور العلماء يعني بينوا أن الغسل هذا في حق كل مريد لصلاة الجمعة سواء كان بالغا أو غير بالغ، صبي مميز فيشرع له، والرجال والنساء، وهذا قول جمهور العلماء من أهل العلم من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وغيرهم، فهذا كذلك يعني يؤخذ من هذه الأحاديث أن شرع الغسل في حق كل مريد، أي واحد بيحضر صلاة الجمعة فيشرع له أن يغتسل صغارا كبارا، رجالا ونساء، أبناء وبناتا فيغتسلون.

وانظر: «المجموع» للنووي (ج4 ص614)، و«المنهاج» له (ج6 ص130)، و«المغني» لابن قدامة (ج2 ص256)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج2 ص46)، و«عمدة القاري» للعيني (ج5 ص244)، و«زاد المعاد» لابن القيم (ج1 ص207)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (ج1 ص273)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج2 ص361)، و«شرح معاني الآثار» للطحاوي (ج1 ص118)، و«سبل السلام» للصنعاني (ج1 ص86)، و«بدائع الصنائع» للكاساني (ج2 ص 685).

من أراد الزيادة في هذه الأحكام ينظر إلى الخلافيات وما شابه ذلك للفائدة فليرجع إلى هذه المراجع، وغير ذلك من مراجع الفقه، لكن هذه باختصار، يعني في جميع الدروس دائما نذكر حكم الشرع في هذه الأحاديث، والراجح، ونتطرق حق الخلافيات هذه التي تبلبل الناس ويتشكك الناس فيه في هذا الدين، ونذكرها نحن أحيانا للفائدة لكي يعرف طالب العلم الخلاف، وقول من هذا، وإلا يعني طريقة أهل الحديث ذكر الحكم والدليل وبس انتهى الأمر، لا اختلف الفقهاء، ولا اختلف العلماء، ولا كذا ولا كذا، إلا أحيانا نأتي به يعني بالخلافيات للفائدة.

هذا ما عندنا في هذا الدرس، ولعل الدرس القادم نتكلم عن قول النبي صلى الله عليه وسلم «فليغتسل»، وهذا أمر هل هو للاستحباب أو للوجوب؟ سوف يأتي الكلام على ذلك.

 سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan