الرئيسية / شرح كتاب الجمعة من صحيح مسلم / الجزء (2) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: تعريف الجمعة لغة واصطلاحا- للعلامة المحدّث فوزي الأثري حفظه الله
2024-06-29
الجزء (2) كتاب الجمعة من صحيح مسلم: تعريف الجمعة لغة واصطلاحا- للعلامة المحدّث فوزي الأثري حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وما زلنا في «شرح صحيح الإمام مسلم»، ووصلنا إلى «كتاب الجمعة»، وبينا في الدرس الذي سلف عن القراءات في كلمة الجمعة، ولعل في هذا الدرس نتكلم عن الجمعة في اللغة وكذلك في الاصطلاح، وهناك بعض المصطلحات لا بد نتكلم عنها قبل شرح الأحاديث، وبعد ذلك إن شاء الله ندخل في شرح الأحاديث لكي نتكلم عن أحكام الجمعة.
* فالجمعة في اللغة: مشتقة من الجمع بمعنى الاجتماع، وكذلك بمعنى التأليف الذي هو ضد التفرق، فعندنا معنى الجمعة مشتقة من الجمع بمعنى الاجتماع، وكذلك التأليف، والاجتماع ضد التفرق، هذه لغة.
ولذلك لو ترى الآن في صلاة الجمعة هناك جوامع يجتمع فيها الناس لتأدية صلاة الجمعة، فيجتمعون في هذه المساجد لتأدية صلاة الجمعة، فالجمعة من الجمع بمعنى الاجتماع الذي هو ضد التفرق، وبينت لكم في القراءات أن الجمعة بضمتين، وبإسكان الميم، فعندك مضمومة الجيم والميم الجمعة، وكذلك يصح على القراءة الأخرى الجمعة كذلك بسكون الميم الجمعة كما هو عادة الآن العوام، وبينا هذا من أراد فليرجع إلى الدرس الذي سلف في هذا الأمر، وهي في الأصل كما في القرآن، وهناك سورة الجمعة بالضم على الأصل وهي بضمتين وبإسكان الميم مصدر بمعنى الاجتماع الجمعة بضمتين وبإسكان الميم مصدر بمعنى الاجتماع.
يقول الزبيدي في «تاج العروس» (ج5 ص306)؛ عن الجمعة: (وهي مأخوذة من الجمع بمعنى تأليف، فالجمعة أي المجموعة)، وأصل الجمعة هو الجمع لأن صلاة الجمعة تجمع الناس، كذلك يوم الجمعة عيد، والعيد هو الاجتماع فيجتمعون الناس كذلك في يوم الجمعة في أمور كثيرة وبيأتي أو بيأتي الكلام عليها، فأصل الجمعة هو الجامع يدل على انضمام الشيء، ويقال جمعت الشيء أي ضممته، جمعت الشي ضميته وضميت بعضه بعضا.
وكذلك ورد بالنسبة لمعنى الجمعة بمعنى الألفة؛ لأن الأصل أن الاجتماع يأتي بماذا؟ يأتي بالألفة، وهذا هو مراد الشارع في فرض صلاة الجمعة، في فرض الصلوات الخمس المعروفة في المساجد لأن الناس يجتمعون ويتألفون، فيعني حكمة من ذلك، وهو المراد الاجتماع، الاجتماع على الكتاب والسنة، وألا تتفرق هذه الأمة، وهذا يعني بيناه كثيرا في شرح مسائل الجاهلية، وأن أهل البدع يفرقون الأمة، والمسلمون يجمعون الأمة.
كذلك يرد هذا المعنى بمعنى الألفة يقال: أدام الله ما بينكما جمع بالضم أي: ألفه أو ألف فيما بينكما، فإذا عندنا الآن الأصل في الجمعة بمعنى الاجتماع وهو ضد التفرق، وكذلك يعني تجمع على جمع بضم الجيم وفتح الميم، ولذلك يقال أيام الجمع بضم الجيم وفتح الميم، كذلك يجمع على جمعات بضم الجيم، فإذا عندنا الآن الجمعة في اللغة: الاجتماع هذا هو المعنى، الجمعة يأتي بمعنى الاجتماع، وكذلك يأتي بمعنى الألفة لأن الاجتماع يأتي بالألفة، هذا في اللغة.
وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ج1ص118)، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (ج1 ص296)، و«لسان العرب» لابن منظور (ج1 ص500)، و«مقاييس اللغة» لابن فارس (ج1ص479)، و«القاموس المحيط» للفيروز آبادي (ص45)، فمن أرادة الزيادة في كلمة الجمعة في اللغة فليرجع إلى هذه الكتب.
* بعد ذلك عندنا معنى الجمعة في الاصطلاح، فاعلم أن كلمة الجمعة لم تستعمل في الشرع مفردة من غير الإضافة، يعني كلمة الجمعة في الاصطلاح اصطلاح الفقهاء لم تأت مفردة، بل لا بد أن تأتي مضافة يصير مضاف إليه، فلذلك استعملها الفقهاء في كتب الحديث والفقه مركبة بإضافة كلمة صلاة أي: صلاة الجمعة، فدائما يذكرون ذلك ما يقولون الجمعة هكذا لا، صلاة الجمعة، حتى لو أتت مفردة مثلا كتاب الجمعة أحيانا في بعض الكتب يراد بها صلاة الجمعة، وأحيانا يذكرون يقولون صلاة الجمعة وهذا أكثر، وهذا هو المعنى عندنا في هذا الكتاب، فمراد الإمام المسلم كتاب الجمعة يعني ذكر أحكام صلاة الجمعة، فالصلاة هي المضاف صلاة الجمعة، والجمعة هي المضاف إليه يعني الجمعة مضافة إلى الصلاة يعني صلاة الجمعة، وهذا من قبيل إضافة المسمى إلى الاسم.
فالمراد الاسم الجمعة أن صلاة الجمعة؛ لكي يتبين أن المراد صلاة الجمعة لا مجرد يوم الجمعة لأن الآن يعني أحيانا يطلق الناس الجمعة مرادهم يوم الجمعة، وأحيانا يقولون يوم الجمعة، لكن هنا المراد صلاة الجمعة أحكام صلاة الجمعة، ونحن لا نتكلم عن يوم الجمعة إلا بأحكام هذه الصلاة، ثم نتطرق لبعض الأشياء التي تكون يوم الجمعة كعبادة، وهذا اليوم كما قلنا في المقدمة في الدرس الذي سلف أنه يوم عظيم، ويوم عبادة، ويوم أجور، يعني بينا أن كثيرا من الناس أغفلوا هذا اليوم، وجعلوه للسياحة واللعب واللهو والأكل والشرب، وغفلوا عن هذا اليوم، وفيه من الأجور والدعاء وغير ذلك مما تكلمنا عنه، وسوف نتكلم عنه.
وظن هؤلاء العامة أن مجرد أن يصلوا صلاة الجمعة انتهى الأمر انتهت العبادة عندهم، ما يدري هؤلاء أن قبل صلاة الجمعة هناك عبادات وأجور، وبعد صلاة الجمعة كذلك، وممكن كما قلنا في أحكام اللعب والرياضة أن يجعل العبد لنفسه شيئا من السياحة واللعب المباح وغير ذلك، لكن ما ينسى هذه العبادة العظيمة التي جعلها الله سبحانه وتعالى في هذا اليوم من الأجور، فيجعل يوم هذا الجمعة ليلا ونهار يعني بليلة الجمعة مع نهارها في غفلة ولهو ولعب، هؤلاء في الحقيقة خسروا يعني أجور عظيمة، وغفلوا عن هذا اليوم وما فيه من أجور.
فعلى المسلم أن لا يكون غافلا مثل هؤلاء العوام، فإن هذا اليوم يوم عظيم، ولذلك سوف ترى في شرح هذه الأحاديث وما فيها من الأجور العظيمة التي لا ينبغي لكل مسلم أن يفوت عليه هذه الأجور؛ لأن هذا اليوم إذا جاء وانتهى ما يعود لك، ما يعود لك هذا اليوم، فالجمعة التي سوف تأتي هذه يوم جمعة جديدة ويوم جمعة جديد، فهناك صحف كما لا يخفى الملائكة يكتبون الحسنات والسيئات، فاملأ أيها المسلم يوم الجمعة وغيره كذلك من الأيام والأسابيع والشهور والسنوات، املأ هذه الصحيفة بالأجور والحسنات لأن إذا رجحت هذه الحسنات في الميزان السيئات نجا العبد ودخل الجنة وزحزح من النار، وإلا إذا خفت والعياذ بالله ورجحت سيئاته فخسر الدنيا والآخرة.
فلذلك أنت أيها المسلم لا تغفل في هذا اليوم وتجعل يومك كيوم هؤلاء العوام خاصة في المواسم يلهون ويلعبون حتى يذهب الليل في يوم الجمعة، ويذهب النهار، وذهبت عليهم هذه الأجور العظيمة، فلذلك على طالب العلم أن ينتبه لهذا الأمر ولا يغفل أكثر من ذلك، ولا يسوف ولا يقول بعد ذلك: والجمعة التي سوف تأتي، واليوم الذي سوف يأتي، والأسبوع الذي سوف يأتي، والشهر الذي سوف يأتي، والسنة التي سوف تأتي، وتمضي هذه الجمعة والأيام ويمضي الأسبوع والشهر وتمضي السنوات وهو غافل، وكل يوم بعد ذلك.
لا، لا بد على المسلم أن ينشط ويجاهد نفسه في هذه العبادات، ومعرفة العلم، ومعرفة الأحكام الصحيحة، ومعرفة الأحاديث الصحيحة، ومعرفة الأحاديث الضعيفة لكي يجتنبها، ويجاهد نفسه في العبادة في قراءة القرآن، وحفظ القرآن، وحفظ السنة، ومعرفة الأحكام، وتأدية هذه العبادات، ومعرفة أحكام الصيام في رمضان، وإذا أراد أن يحج تعلم الحج، وإذا أراد أن يزكي لا بد أن يتعلم الزكاة ويزكي، فيه أناس يرون أن الأغنياء فقط عليهم الزكاة وهذا غلط، الأصل في الزكاة بشرطين: بلوغ النصاب، وبولغ سنة، هذا هو الأصل، فإذا ثبت هذان الشرطان في هذا المبلغ الذي عندك وجب عليك الزكاة، وإلا إذا ما تعرف هذه الأشياء ممكن أن تكون عليك الزكاة لكنك ما تزكي، وعليك الإثم وفاتك أجور كثيرة.
كذلك في العبادات الأخرى النوافل والمفروضات عليك لا بد من تأديتها على حسب الاستطاعة، أما الغفلة وترك هذه الأمور، فلذلك على الناس أن ينتبهوا لهذا اليوم يوم الجمعة، فلا يجعل للهو واللعب كما هو أكثر الناس والعياذ بالله أصحاب الحدائق العامة فوتوا على أنفسهم أجور كل جمعة هكذا، كل جمعة يراكضون، وكل جمعة يلهون، وكل جمعة يلعبون، وكل جمعة عشاء.
فلا بد من الانتباه لهذه الأمور مو دائما، فممكن أن تذهب إلى البيت وتجتهد على نفسك قراءة صحيح البخاري مسلم، مسائل في الفقه في الحديث، تنفع نفسك تنفع أهلك تنفع عيالك تنفع الأمة، وهكذا تستمع إلى أشرطة شيخنا الشيخ ابن عثيمين، تدون على بعض الأشياء، الشيخ ابن باز في الفقه في الحديث فيه أشياء كثيرة تريد وقت، فأنت في يوم الجمعة مثلا صحيح إجازة ما تطلق هذه النفس وتجعلها تفعل ما تشاء، ممكن شيئا وقتا يسيرا، ممكن جمعة دون جمعة، وهكذا يعني على حسب تنظم وقتك في طول الأسبوع.
* يعني انظر الآن يعني أنتم الآن جالسين تطلبون العلم، هذا اليوم الذي أنتم فيه وهذه الحلقة عظيمة عند الله كم أجوركم! وفيه ناس الآن في اللهو واللعب وإلى آخره ما فيه شيء، ولعل أكثرهم في آثام، هذه نعمة عليك لا بد من المحافظة على مثل هذه الحلقات، وإلا النفس تريد أن تتفلت من هذه الحلقات من هذا العلم، تريد اللهو، تريد اللعب، وهكذا فلذلك لا لا تطلقوها، روض نفسك على العلم، على قراءة القرآن، على معرفة السنة، على تطبيق العبادة، وهكذا وعلى حسب ذلك ممكن أن يعني كما بينا في أحكام اللعب واللهو أن تلهو وتلعب شيئا ترفه عن نفسك وهكذا، فلذلك على الناس أن ينتبهوا لهذا اليوم، لا يجعلون هذا اليوم يوم لهو ولعب لأنه يوم إجازة، وبعده السبت إجازة فيلهون ويلعبون، فطالب العلم ما يكون هكذا.
فحديث حنظلة في «صحيح مسلم» هذا يعني لا بد أن يتعرف عليه طالب العلم الذي هو ساعة فساعة، ويعرف هذه الساعة وهذه الساعة، أما أكثر العامة ما يعرفون يظنون أنهم يصلون، وإذا انتهت الصلاة خلاص بعد ذلك قهوة وشاي وتمر وإلى آخره، لهو ولعب هؤلاء خسروا الدنيا والآخرة، فلذلك يعني العبد ما يكون هكذا.
فهذا عندنا الآن المراد من كتاب الجمعة صلاة الجمعة، وما فيها من أحكام وعبادات لا بد على العبد أن يعرف هذه الأحكام ويطبقها، وإلا العامة هؤلاء يطبقون أحاديث ضعيف في يوم الجمعة، يطبقون عبادات باطلة ليس لها أصل أصلا، كله من تقليد يقلدون هذا ويقلدون هذا، ومن مذاهب لا، تطبق العبادات في يوم الجمعة من الكتاب والسنة وآثار الصحابة هذا، يعني هذا هو الأصل.
ولذلك الآن عندنا يعني معنى الجمعة في الأصل هذا من الجمع بمعنى الاجتماع أي: المجموعة، وفي الحقيقة هناك علاقة مع المعنى اللغوي مع المعنى الاصطلاحي، والمراد الاجتماع، والناس كما لا يخفى عليكم يجتمعون يوم الجمعة، والمراد هنا كذلك يعني صلاة الجمعة.
وممكن ينظر: «الفواكه الدواني» للنفراوي (ج1 ص302)، و«رد المحتار» لابن عابدين (ج1 ص351)، و«كشاف القناع» للبهوتي (ج١ ص200).
وكذلك يعني ينظر أحكام القرآن يعني سمي يوم الجمعة بذلك لاجتماع الناس فيه للصلاة، وهذا يعني استئناسا بمعناه اللغوي، وممكن أن ينظر كذلك: «أحكام القرآن» للجصاص (ج5 ص336)، و«بلغة السالك» للدردير (ج1 ص165)، و«زاد المعاد» لابن القيم (ج1 ص266)، و«مغني المحتاج» للشربيني (ج1 ص120)، و«نيل الأوطار» للشوكاني (ج3 ص232).
فهذا يعني بعض المراجع وإلا فيه مراجع كثيرة تكلمت عن هذه الأحكام التي تكلمنا عنها اللغوية والاصطلاحية، فمن أراد الزيادة فليرجع إلى هذا فيه كلام طويل، وفيه بعض المصطلحات لعل نتكلم عنها في الدرس القادم إن شاء الله، حتى بعد ذلك ندخل في شرح الأحاديث.