الرئيسية / أحكام اللعب والرياضة في الإسلام / الجزء (4) أحكام اللُّعب والرياضة: حكم اللعب والرياضة الذي ليس فيه محرم... ولا يعين على الحق
2024-06-03
الجزء (4) أحكام اللُّعب والرياضة: حكم اللعب والرياضة الذي ليس فيه محرم... ولا يعين على الحق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وما زلنا في تبيين حكم اللعب واللهو والرياضة، وبيّنا القسم الأول: وهو المحرم إذا تداخله من الباطل، واللهو عن طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ وغير ذلك مما تكلمنا عنه، والقسم الثاني: هو الذي يعين على الحق، وعلى طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، فهذا مشروع على حسبه، وبيّنا هذا في الدرس الذي سلف.
القسم الثالث: في هذا الدرس ما كان من اللعب خاليًا من الإعانة على الحق، وليس فيه مفسدة، فهذا قد اختلف فيه، فمن أهل العلم من حرمه؛ لأنه لهو ولعب، وذهب بعض أهل العلم على إباحته ما دام لا يعين على محرم، ولا يلهي عن طاعة، وفيه شيءٌ من النفع، فهؤلاء العلماء أباحوه وهو الراجح والصحيح، ما دام أن هذا اللهو واللعب لا يعين على باطل، وكذلك لا يلهي عن دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ من الصلاة وغيرها، فالأصل في هذا مباح، كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك الصحابة وعليه كذلك الناس.
وهو ظاهر ترجمة الإمام البخاري في ((صحيحه))، في ((كتاب الاستئذان))، إذ قال: باب كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله، يعني: إذا ما يلهو في باطل، ولا يعين على باطل، ولا ينشغل عن الطاعة فالإمام البخاري يبيح هذا اللهو واللعب، ونأخذ في هذا الأمر من الترجمة هذه التي ذكرها الإمام البخاري، وسوف يأتي أحاديث وأحكام في هذا الأمر في السنة النبوية.
يقول العيني في ((العمدة)) في تعليقه على كلام الإمام البخاري أي: هذا باب ترجمة كل لهو باطل، ولما لم يكن هذا الحديث على شرطه جعله منه ترجمةً وهو حديث عقبة بن عامر: «كلُّ ما يلهو بهِ المرء المسلمُ باطِلٌ»، ولم يخرجه في الجامع، ثم يقول العيني في قوله: يعني قول الإمام البخاري إذا شغله الضمير المرفوع فيه يرجع إلى اللعب، والمنصوب إلى اللاهي، يدل عليه لفظ اللهو، وقيد بقوله: إذا شغله؛ لأنه إذا لم يشغله عن طاعة الله يكون مباحًا، وهذا يدل على أن العيني يبيح هذا اللهو واللعب إذا لم يشغل العبد عن طاعة، وهذا قول الإمام البخاري كذلك.
ويقول ابن قدامة في ((المغني)): (وسائر اللعب إذا لم يتضمن ضررًا ولا شغلًا عن فرض فالأصل إباحته، فإذا لم يتضمن ضررًا ولا يشغل عن طاعة ولا عن الدين ولا عن الدعوة، فالأصل هذا فيه إباحة من الشارع). اهـ
ويقول الشاطبي في ((الموافقات)): (وكذللك اللهو واللعب والفراغ من كل شغلٍ إذا لم يكن فيه محظور، ولا يلزم عنه محظور فهو مباحٌ). اهـ
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الاستقامة)): (والباطل من الأعمال هو ما ليس فيه منفعة)، يعني: اللعب كما لعب كثيرٌ من الناس من اللاعبين وغيرهم ولهوهم ولعبهم، وما ينفقون فيه من الأموال وضياع طاعات، فهذا يعتبر باطلًا، فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: (والباطل من الأعمال ما هو ليس فيه منفعةٌ، إذ مجرد كونه باطلًا عندما يقتضي عدم منفعته، لا يقتضي تحريمه إلا أن يتضمن مفسدة)، فاللعب واللهو الذي يكون محرمًا فلا بد أن تكون فيه مفسدة للعباد والبلاد، أما إذا لم يكن فهو مباح.
وكذلك بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الفتاوى)) هذا الأمر، إذا كان فيه من الباطل، وليس فيه منفعة، ومضرة فيحرمه، فهذا في الاستقامة، وكذلك في الفتاوى يقول: وأما ما لم يعن على ذلك يعني: على طاعة، من الجهاد والنكاح وغير ذلك؛ لأنه يقول: فما أعان على اللذة المقصودة من الجهاد والنكاح فهو حق، يعني: اللهو واللعب وما شابه ذلك الذي يعين على الجهاد والنكاح وما شابه ذلك، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: فهو حق.
ثم يقول: وأما ما لم يعن على ذلك فهو باطل، لا فائدة فيه، ولكن إذا لم يكن فيه مضرة راجحة، لم يحرم ولم ينهى عنه، يعني: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما دام ما في مضرة راجحة فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحرمه، ولم ينهو عنه، فهو مباح، فهذا يعني كلام أهل العلم في القسم الثالث، وهو إذا لم يكن هناك منفعة ولا يعين على حق وما شابه ذللك، فهو مباح وهو القول الراجح.
ومع القول بأن اللعب الذي لا نفع فيه ولا ضرر مباحٌ ممارسته إلا أنه ينبغي التنبيه لأمور:
الأول: أنه ينبغي للاعب أن يحسن نيته أثناء اللعب، فينوي به التقوي على الطاعة، فإنه بذلك يكون مأجورًا إن شاء الله كما بيّن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» كما ثبت في ((صحيح البخاري)) ومسلم حديث عمر رضيَ اللهُ عنهُ.
ولذلك سأل معاذ ابن جبل أبا موسى الأشعري كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائمًا وقاعدًا وعلى راحتي وتوافقه توفقًا، قال المعاذ: أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، وهذا الأثر أخرجه البخاري في ((صحيحه))، ومسلمٌ في ((صحيحه))، وأبو داود في ((سننه))، فهذا لا بد على اللاعب أن ينتبه له، فيحسن النية في هذا الأمر، ويجعل هذا على تقوية على طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ؛ لكي يكون هذا اللهو واللعب فيه أجرٌ، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: من استعان بالمباح الجميل على الحق، فهذا من الأعمال الصالحة، فهذا يكون من الأعمال الصالحة إذا كان مباحًا ويعين على الحق، فجعله هذا العبد جعل هذا اللهو واللعب معين له على الحق والطاعة والقوة لكي يتقوى على ذلك في طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ وفي دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، فهو من الأعمال الصالحة كما بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية.
وبيأتي الكلام على مشروعية المسابقة والرياضة وما يحصل للناس من المقاصد الطيبة، والانتفاع بذلك للحاجة كما تكلمنا في الدرس الذي سلف.
ثانيًا: ينبغي عدم الإكثار من ممارسة اللعب ولو كان مباحًا، إنما يأخذ منه بقدر حاجته وحاجة نفسه وحاجة جسمه، فلا يكثر لكل يوم مثلًا، ومنهم في كل ساعة، ومنهم صباحًا ومساءً، فهذا في الحقيقة لا يجوز له؛ لأنه لا بد أن يخل بطاعة، يخل بالصلاة، يخل بالأذكار، يخل بالدعوة، يخل بطلب العلم، لا بد ما دام يلهو هكذا، فالمباح هذا على العبد أن يقلل منه، ويفعل هذا اللعب المباح على قدر حاجته، في الأسبوع مرة أو مرتين مثلًا وهكذا يعني، والعبد يقدر ويقيس كيف لهوه ولعبه، وكيف يفعل هذه الرياضة ويتقوى ويخفف وزنه، فالكل بحسبه لكن أن يطلق هذا الأمر وممكن يترك الصلاة، والأذكار وطلب العلم وما شابه ذلك، فهذا لا بد أن يقع في المحرم، لا بد.
فلذلك لا بد النظر في هذه الأمور، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستقامة: لكن قد يكون فعله يعني اللهو الذي لا فائدة منه مكروهًا؛ لأنه يصد عن اللذة المطلوبة، إذ لو اشتغل اللاهي حين لهوه بما ينفعه ويطلب له اللذة المقصودة؛ لكان خيرًا له، فيفعل اللهو الذي يستنفع منه، فإذا أكثر منه فلعل هذا العبد يترك مباحات ومستحبات، وهذا يكون مكروهًا، وممكن البعض يترك فروضًا وهذا يكون محرم، فعليه بالأمور الوسط في كل شيء، في الدين وفي الدنيا، وفي المباحات لكي يؤجر في دينه، ويؤجر في دنياه، وفي فعله المباحات سواءً اللهو أو اللعب، أو غير ذلك.
ويبيّن ابن القيم في كتابه ((الفروسية)) هذا الأمر، ومختصر كلامه أن هذا اللهو يحصل فيه راحة النفس، فأنت تفعل هذا اللهو واللعب على حسب راحة النفس، فإذا ارتاحت فقلع عن هذا ولا تكثر؛ لأن الجسم هذا إذا أدخلت عليه أشياء يكتفي، فاترك الزيادة والزيادات على الحاجات؛ لأن بالإكثار من المباحات لا بد أن يقع الشخص في الشهوات والرغبات، وهذه الشهوات تجره إلى المحرمات، والمبتدعات، ولا بد، فلذلك إذا اكتفى الجسم في هذا اللهو واللعب وارتاح، فاقلع عن هذا، فلا تزيد؛ لأنه إذا عودت النفس على اللهو واللعب وأكثرت عليها، تعودت، بعد ذلك ما تستطيع.
وانظر أصحاب اللهو واللعب من اللاعبين بجميع أنواع اللعب، وانظر إلى جماهير هؤلاء وأتباع هؤلاء اللاعبين، كل يوم في لهو ولعب، ما يستطيعون، وهؤلاء لا بد أن ينظرون حتى لو في التلفاز، حتى لو في الهاتف إلى كرة القدم، إلى كرة كذا، إلى كرة، أشياء كثيرة لا تخفى عليكم، فلا يرتاحون، شهوات صارت عندهم، فتركوا الدعوة إلى الله، الصلوات، هم كل صلاة كله متأخر، وكله قضاء، ولا يذكر الله إلا قليلًا، ولا يطلب العلم، لا يقرأ القرآن، لا يقرأ السنة، لا يقرأ كتب السنة، أشياء كثيرة، هؤلاء أصحاب اللهو واللعب تركوها وهي من الفرائض وهي من الدين، وهي منفعة في الدنيا وفي الآخرة، اللهو كذلك إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عاقب بعض البلدان بسبب هذا اللهو واللعب من دول الكفر أو دول الإسلام، كما لا يخفى عليكم.
* لأن هؤلاء أصحاب لهو ولعب، وقدموا هذا اللهو واللعب على دين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، الذي خلقوا له، خلقوا للعبادة، خلقوا للتوحيد، لعبادة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56]، ماذا يريدون هؤلاء من هذا؟ النص ما خلقكم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ للهو واللعب، للعبادة، وكل شيء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ جعل له وقت وموعد، فاجعلوا كل شيء في موعده وفي وقته، فهذا هو المسلم الحقيقي يفعل هذا الأمر، يفعل هذا الأمر.
ولذلك يبيّن ابن القيم رحمه الله تعالى: فأما إذا كان لعبًا محضًا ولا مكسب فيه، فإن النفس لا تؤثره على مصالح دنياها ودينها، ثم يقول: النفوس التي خلقت للبطالة، فالنفس خلقت لعبادة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، لا للبطالة واللهو واللعب، وأربعة وعشرين ساعة في لهو ولعب، وهؤلاء اغتروا بأهل الكفر في الخارج، وأهل الشهوانية من أهل اللعب واللهو في الداخل، واغتروا بهم وفتنوا فيهم، ويرفعون صور هؤلاء، وصور هؤلاء وهكذا، وتكون فيما بينهم مشاجرات بسبب هذا الفريق وهذا الفريق، وهكذا أشياء كثيرة.
فلا بد على المسلم الحق أن ينتبه لهذا، يتشاجرون، ويتسابون وبعد ذلك يذهبون يصلون، هذا الجمهور، الجمهور الجهلة، فمصيبة كبيرة، فهؤلاء في الحقيقة ليس لهم إلا الوعد والوعيد يوم القيامة، فلينتبه الناس؛ لأن هذا اللهو واللعب فتنة كبيرة على النفس، إن انشغلت بهذا اللهو واللعب صعب للنفس هذه أن تترك، فتكون هذه النفس مدمنة على اللعب واللهو، كإدمان على التدخين، والإدمان على المخدرات، وعلىالخمر وعلى كذا وعلى كذا وإلى آخره، فالنفس هذه تدمن على شيء، فيصعب.
تدمن على البدع، فإذا أدمنت النفس هذه على البدع صعب أن تترك هذه البدع؛ لأنها تراها أنها عبادة، فكيف يقول المبتدع أنا أترك العبادة، نقول له: تب إلى الله، يقول: كيف أتوب من عبادة؟ هذه مصيبة المبتدع، مدمن على البدع، وهكذا، فكن وسطًا في لهوك ولعبك مع أهلك، مع أولادك، مع جيرانك، مع أصدقائك، وهكذا.
فلذلك الأمور هذه خطيرة جدًا على الناس، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ كما ذكر ابن الزبير، كما أخرج ذلك الفريابي في ((القدر)) بإسنادً صحيح: الله الفاتن، الله يفتن الناس ويترك الناس بفتنهم، والموعد هو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ يوم القيامة ، والله بيحاسب الناس، فلينتبه الناس، وفي أشياء خاصة في هذا الزمان مغرية للناس، خاصة من السيارات، والدراجات، وجميع أنواع اللهو واللعب، وفي أماكن فاخرة، ومكيفة، وزد على هذا يحصلون من الأموال الكثيرة والمساكن والاحترام من الجمهور لهم، وتعظيمهم في التلفاز والإعلام وغير ذلك، فكيف هؤلاء يتركون هذه الأمور.
فتنة كبيرة، الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ ما فتنهم إلا بسبب جهلهم وإضاعتهم للوقت، وإضاعتهم لهذا الدين بسبب فتنة هذا اللعب واللهو وإلى آخره، والذين يلهون عند المغنيين والمغنيات والمطربين، وفي هذه المسارح الكبيرة، وفي الفنادق، اللهو واللعب والموسيقى وغير ذلك، خلق من الناس أضاعوا أوقاتهم، فلا تنجر إلى هؤلاء؛ لأن جمهور الناس سقطوا في جميع هذه الفتن أو في بعضها، واليوم ترى الشخص ملتزمًا، غدًا مع أصحاب اللهو والعياذ بالله، انتكس، أصابتها الفتنة.
فلذلك أنت لا تنظر على نفسك أنه ملتزم، لا تأتيك عواصف وأمور، ومحن، وامتحانات من الله تعرض عليك عودًا عودا، فلا ترى نفسك إلا مع هؤلاء، أسفل السافلين، في ديننا هؤلاء ليسوا بشيء، ولا يساوون فلسًا في ديننا، تكون مع هؤلاء السفلة أصحاب اللهو واللعب والطرب والشهوانية كالبهائم، فلذلك انتبه للهو وللعب، لأمور كثيرة، فانصف فيها وكن وسط فيها، وعليك بالرفقة الصالحة، فلا تفرط فيها ولا تعتزل، فعليك بها إلى أن تموت؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ جعل له سنن لا بد أن يتعرف عليها العبد، والشيطان يجر الناس إلى العزلة، حتى لو شيئًا ثم يجعل هذا العبد يتسع فيها؛ حتى يكون وحيدًا، ثم لا يستطيع أن يلحق بالقافلة الصالحة؛ لأنها مرت ويصعب عليه يرجع إليها، خلاص، فيصبر في هذه العزلة لعل ولعل يقول.
فإذا هو بعد ذلك ينزوي ولا بد إما مع أهل البدع أو مع أهل المعاصي، لا بد، ﴿وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [البقرة:168]؛ لأن الشيطان يأخذ العبد خطوة خطوة، وإلى شيء شيئًا، ما يقع الناس هكذا في الشرك والكفر والبدع والمعاصي، لا، شيئًا فشيئًا، يجرهم، وتعجب لشخص شاب ممكن غير ملتزم لكنه في الجملة صالح، في بيته ومع أهله، وممكن يصلي في هذا المسجد وفي بيته، وليس برفقاء السوء ولا شيء، ما تراه إلا من أخبث الأخبثين بعد فترة؛ لأنه يصعب على الشخص بدون فرقة صالحة تعينه على الطاعة وتثبته بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ على هذا الطريق المستقيم، يصعب.
ورأينا أناس حكروهم آبائهم في البيوت، لكي لا يفسدوهم الناس، كبر هؤلاء فيصعب للأب أن يقيمهم في البيت بالقوة أو بالتخويف، خلاص كبار لا يخافون فترى هؤلاء ينفلتون، سمعنا من أُناس يشربون الخمر، وين هذا الابن هذا، ها الطيب هذا، هؤلاء الأبناء في بيت آبائهم، لكن لأن هؤلاء الآباء ما علموهم أشياء أخرى تعينهم على لو خرجوا من البيت ما يقعوا في هذه الأمور، في المعاصي، في المحرمات، ومع رفقة السوء، فلذلك لا بد ننتبه لهذا الأمر، فكل شيء بإنصاف في هذا الدين.
ولذلك يقول الشاطبي في ((الموافقات)): وكذلك اللهو واللعب والفراغ من كل شغل إذا لم يكن فيه محظور، ولا يلزم عنه محظور فهو مباح، لكن إذا تطرق إليه باطل، وكما بيّنا فساد للعبد، فهذا بلا شك مذموم، وذكر الشاطبي أنه لا بأس بالتنزه في البساتين، وسماع تغريد الحمام، والأناشيد كأناشيد الصحابة، وأشياء كذلك أخرى سوف نتكلم عنها، ليس الأناشيد هذه البدعية التي يفعلها الداعشيين والإخوانيين وغيرهم، الأبيات في الجهاد وما شابه ذلك بيأتي الكلام عليها.
فالتنزه في البساتين، وتربية الحمام والأسماك وغير ذلك خاصة للصغار، بيأتي الكلام عليها، فلا بأس بذلك؛ ولذلك يقول شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ممارسة الرياضة جائزة إذا لم تله عن شيء واجب، فإن ألهت عن شيء واجب فإنها تكون حرامًا وإن كانت ديدن للإنسان، بحيث تكون غالب وقته فإنها مضيعة للوقت، وأقل أحوالها في هذا الحال الكراهة.
فممارسة الرياضة جائزة فلا بأس بذلك، على حسب ما بيّنا، ما دامت هذه الرياضة ما تلهي عن الفروض، وعن الدين، عن الأهم؛ لأن عندنا نحن المسلمون الأهم الآخرة، الأولى، هذه الدنيا، فلا شيء بالنسبة للآخرة، فنحن عندنا الأصل الآخرة فالمسلمون هم الذين سوف يدخلون الجنة، وهذه الجنة «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»، فيها اللعب واللهو، وفيها النكاح، وفيها الحور العين، وفيها الولدان منثورة كأنهم لؤلؤ، وفيها المساكن والقصور والجمال واللعب واللهو والتغاريد وغير ذلك مما يشتهيه هذا الإنسان.
فليصبر فلا يزيد على دنياه كاملة إلا على قدر الحاجة، ينام على قدر الحاجة، يأكل على قدر الحاجة، يلهو، يلعب على قدر الحاجة، يعمل لكسب الرزق على قدر الحاجة، فمثلًا إذا عنده عمل معروف في الصباح يذهب على ما جُعل له في بلده من السابعة مثلًا إلى الثانية ظهرًا، خلاص يكتفي، ما راح يبيع لنا عود بخمسمائة فلس وطيب عند المساجد، خلاص شنو بتسوي لك هذه، بروحه كأنه فليت، في ناس هكذا ما يكتفي بهذا، بطيخ خايس يبيعونه وأشياء أخرى منتهية عند المساجد هؤلاء يبيعونها لأصحاب المركبات، أشياء كثيرة.
وفي واحد كان يوزع بعد الأشياء المنتهية يأخذها من الشركات ويوزعها بالمجان، فمصيبة أشياء كثيرة تحدث كلها بسبب هؤلاء الجهلة، فخلاص أن تكتفي بوقت واحد للتجارة لكذا لكذا. الآن هؤلاء التجار يعملون لأجل الدنيا ليلًا ونهارًا ولا يصلون ولا يدرون ما هو الدين، هؤلاء آثمون، ولا تكن مثل هؤلاء، هؤلاء وقعوا في اللهو واللعب، هذا الزائد يُعتبر لهوًا ولعبًا، هذه الأعمال، وهذه التجارة على هذه الطريقة، لهو ولعب، أي شيء يزيد عن الحاجة فهو لعب ولهو ﴿اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ [الأنعام:70]، فلذلك الأمر خطير جدًا.
فلا يغتر العبد بهذه الدنيا ثم يموت وليس عنده شيء فلينتبه الناس لذلك، ويبين ابن تيمية بالنسبة للنفوس الضعيفة كصغار السن، لابد تُلعِّب هؤلاء؛ لأنه فُطروا على هذا الأمر، يلهون يلعبون لابد، أما هذا الأب وهذه الأم يحكر أولاده في البيت فإذا كبروا انطلقوا في المعاصي والمحرمات؛ لأنه ما عودهم على هذا، وتراهم ليلًا ونهارًا غير موجودين في البيت، وهذا كله أتتنا أسئلة من هذه العوائل، من الآباء أو الأمهات، فلننتبه لهذا ونعطي هؤلاء الصغار حقهم.
ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: والنفوس الضعيفة كنفوس الصبيان والنساء قد لا تشتغل إذا تركته، أي اللهو الذي لا فائدة منه، بما هو خيرٌ منه لها، فيقول: فيكون تمكينها من ذلك من باب الإحسان إليها والصدقة عليها، هكذا عندك صغار السن والنساء، يعني يحبون هذا اللهو وما شابه ذلك، فلا بأس بأخذهم إلى اللهو واللعب في وقت الحاجة إلى ذلك، في الأسبوع مثلًا وهكذا؛ لأنهم يحتاجون إلى هذا الأمر، وهذا الذي بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الاستقامة)).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: والصبيان يُرخَّص لهم في اللعب ما لا يرخّص فيه للبالغ، وهذه فائدة كبيرة جدًا، فلا تضغط على الولد الصغير سواء كان ابنًا أو بنتًا فلا تضغط عليه، فالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ- رخَّص للصبيان لهم أشياء كثيرة حتى يقعون في محرمات ما يأثمون لكنه بين لهم أن هذا محرم، لو وقع بين له، لا تضغط عليه؛ لأنه أصلًا الصغير لا يفهم، تقول له: هذا حرام. ما يفهم، خلي يفهم الحين الكبير، يفهم هذا، خلي يفهمون، اللي في الخارج هؤلاء يفهمون الصغار وهو ينسى ويقع سوف يقع في محرم وثالث ورابع وإلى آخره.
لكن الآباء يتتبعون هذا وينصحون، ويدعون الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ- أن يصلحهم، فلذلك يبين شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لم يرخص لهم في اللعب ما لا يُرخص فيه للبالغ، مو البالغ مثل اليهال أربعة وعشرين ساعة في اللهو واللعب، لكن نحن نرى الآن لعب اليهال وصغار السن قليل ولعب الكبار كثير، بالعكس، هذا بسبب ماذا؟ ابتعاد هؤلاء عن الدين وعن طلب العلم، فلا يفهمون ماذا يفعلون في دنياهم، وكيف يوجهون ويلعبون ويلهون، ما يعرفون كيف، بس، طالقين هذه النفس والهوى في كل شيء بدون ضوابط فهلكوا.
فيبيّن شيخ الإسلام ابن تيمية أن لا نشدد على الصبيان كما نشدد على البالغين، في اللعب وفي غيره، حتى لو وقع في محرم، فأنت لا بد تفهمه على الطريقة الشريعة؛ لأن هذه ما يفهم ولا تشدد عليه في ذلك كما تشدد على الابن البالغ من أولادك، فلا بد أن تميز بين هذا وذاك، وتعرف كيف تعطي هذا حقه، وهذا حقه من الكلام والنصح، والشدة واللين، فلا بد ينتبه الآباء لهذا الأمر، حتى لا يقع في محرمات؛ لأن ممكن هذا الأب يشتد فيه الأمر فيضربه فيؤذيه، أما يموت أو تصيبه أضرار أو إلى غيره.
لأنه لا يعرف كيف يبيّن لهذا الصغير ويراه يقع في محرمات مرة ومرتين نعم، وثلاث وأربع عشر وعشرين وثلاثين، ويستمر؛ لأنه ما يفهم أصلًا هذا، لكن أنت تتابعه، وممكن أحيانًا أن يضرب ضربًا غير مبرح، وفي مواقع ليس على الوجه، ليس في كذا، ليس في كذا، وهكذا، الأمور التي تؤذيه في جسمه، يعني: والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيّن هذا الأمر، إذا مُيز الأولاد اضربوهم على الصلاة لكن بيّن أهل العلم كشيخ الإسلام محمد بن عثيمين، وغيرهم من العلماء ليس ضرب مبرح ومؤذي، فأنت الآن تتكلم مع طفل ما يفهم في مسألة المحرمات، فلا تشدد عليه كما تشدد على البالغين من الرجال أو النساء أو غير ذلك، حتى المرأة كذلك ما تشد عليها كشدتك على الرجل؛ لأن المرأة مهما تكون عاقلة فهي أدنى بكثير من الرجل، فلا بد أن تتعامل معها كيف تتعامل معها.
ولذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ذكر الصبيان، وذكر النساء؛ لأنه يحبون اللهو واللعب على حسب عقولهم، ولم يذكر الرجال، لذلك الآن في ناس أعمارهم مثلًا خمسين أربعين، تعال بتلعب، تعال لا لا ولا بلعب ولا شيء، أنا كله في البيت خلاص ما يشتهي شيء، فلذلك لا بد أن ينظر في هذا الأمر، فلا تشدد على صغار السن كما تشدد على البالغين، وبيّن شيخ الإسلام ابن تيمية: والصبيان يرخص لهم في اللعب ما لا يرخص فيه للبالغ، وهذا كلام عام في كل شيء، لكنه مع المتابعة والتبيين والتعليم والوعظ كما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوعظ، يوعظ الرجال، يوعظ النساء، يأتي إلى النساء يوعظهن، ويأتي إلى الصبيان يوعظهم وهكذا، هذا هو الدين الإسلامي الصحيح، من أراده فهو في القرآن والسنة والآثار، وإلا العوائل سوف تضيع كما ضاعت عوائل والعياذ بالله، فخذ هذا الدين على هذا الكتاب والسنة والآثار، لا تنظر نظرة اجتهاد أو آراء أو غير ذلك، أو على عقلك، تنظر على هذا القرآن والسنة والآثار، هي الأصل.
ورابعًا: يرخص لممارسة اللعب في بعض الأوقات ما لا يرخص في غيرها، وهذا يبيّن لنا، فيرخص أن تمارس اللعب واللهو في أوقات معينة، ليس في أي أوقات، فإذا كان في جميع الأوقات أو في أكثرها لا بد أن يقع العبد في محرمات، لا بد، ما في، فلذلك ضع لك أوقات لهذا الأمر، ولذلك بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية: رخص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، ومن هذا الباب حديث عائشة لما دخل عليها أبوهارضيَ اللهُ عنهُ في أيام العيد، وعندها جاريتان من الأنصار تغنيان، وإلى آخره.
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيّن لأبي بكر أن هذا لهو ولعب من ديننا، فهذه الأمور الوسط في اللعب واللهو وفي غير ذلك من ديننا، وكله عبادة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، بس ما على الشخص إلا أن ينوي لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، كل شيء لهوك ولعبك عبادة، نومك، أكلك، شربك، ذهابك مع أهلك مع أولادك، في سفرك، صلاتك، صومك، حجك، مشيك إلى المسجد، مشيك لأجل أولادك لكسب المال، وما شابه ذلك لتأكل أولادك، أهلك، وظيفتك هذه عبادة اجعلها لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ كي تتقوى على طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، زواجك وهكذا، نكاحك كل شيء اجعله عبادة، فرصة لكن كثيرٌ من الناس ما يعرف هذه الأشياء، يظن أن هذه أمور عادات، فجعلها عادة فذهب عليه الأجر، ويموت وليس له شيء من ذلك.
فأنت لا، طالب العلم لاـ، يجعل هذا عبادة، صلاته وصيامه وحجه وما شابه ذلك وأكله وشربه ونومه يجعله مثل العبادة، فله أجر في هذه العبادات، وله أجر في هذه الأمور الدنيوية، فيحصل على الأجرين، أما كثيرٌ من الناس ما يفهم هذا، فلا يحصل أجر إلا على عبادته كصلاته وصيامه، أما الباقي لا، ما يعرف يأتي وينام، ولا يعرف الأذكار، يعمل لأجل أن عادة هذا، لكي يأكل ويشرب هكذا، يلهو ويلعب، ما عنده النية، ما يعرف، فأنت اجعل هذه عبادة، فتكون دنياك كلها عبادة، وكم لك من الأجور كالجبال، تأتي يوم القيامة ولك أجور كالجبال، فافهم هذا الأمر.
وبيّن شيخ الإسلام ابن تيمية أن اجتماع الصحابة في الأعياد ولهوهم ولعبهم من أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واجتماع الصحابة على هذا الأمر، ويقول ابن حجر عن حديث عائشة عندما ذكر فوائد لحديث عائشة يقول: فيه مشروعية توسعة على العيال في أيام الأعياد؛ لأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة وأن الإعراض عن ذلك أولى، وفيه إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين، هذا من ديننا، أنت تجهل ذلك كيفك، هذا شيء راجع لك أنت، لماذا هذا اللهو، لماذا كذا، لماذا كذا، فلنصلي نعم نصلي لكن هذا الوقت سوف نلهو؛ لأن هذا اللهو من ديننا، والتوسيعات على الناس من ديننا.
فهذا التزمت من الخوارج وغير ذلك ما عندهم هذه الأمور، عندهم اللهو واللعب قطع رقاب الناس، فهذا من دينهم، قتل الناس، لكنه ليس من ديننا الإسلامي، الدين الإسلامي فيه ضبط وربط، فالتمسك بالكتاب والسنة هو الأصل، فإظهار السرور والمرح وما شابه ذلك فهذا بلا شك أنه من ديننا، ولذلك بيّن أمر ابن حجر يقول: وترويح البدن من كلف العبادة، فيصعب على الناس يعبدون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ ليس لهم هذا الأمر، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ جعل لهم أن يروحوا عن أنفسهم في حدود الشرع.
ولعل إن شاء الله نكمل الدرس القادم، فهذا الآن القسم الأول، والقسم الثاني، والثالث انتهينا منهم، وعلى ضوابط الأمور التي ذكرناها كيف هذا العبد يلهو ويلعب، ويأتي كيف لعب الصحابة رضيَ اللهُ عنهُم، ورياضات الصحابة كيف هي، فهم كانوا يتضاربون بقطع البطيخ، ما نقول لكم ضربوهم بالبطيخ كامل؛ لأنها مشكلة الحين، فقطع البطيخ مو ببطيخ، هذه مشكلتنا نحن في هذا الزمان، تقول لهم: تضاربوا بقطع البطيخ، يتضاربون بغواطي بيبسي، فلذلك لا بد أن نضبط هذه الأمور، والعصاة يلعبون بأشياء الرمي هذا، أشياء خطرة من الأشياء هذا، ما يعرفون كيف يلهون ويلعبون.
فلذلك لا بد من ضبط هذه الأمور، في واحد ربطوه بأسيام هذا لهو ولعب، هذه مشكلة، هذا لعب، فلا بد من الضوابط في هذه الأشياء، يعني ألعب وألهو على ما سنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيّن هذا الأمر، واجتماع الصحابة رضيَ اللهُ عنهُم هذا الأمر أن هذا من ديننا.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.