الرئيسية / شرح: «غاية المنتهى في معرفة المسائل العشر التي تدور الدنيا عليها عقيدةً وعبادةً وسلوكا» / الجزء (1) شرح غاية المنتهى للعلامة الشنقيطي رحمه الله
2024-04-29
الجزء (1) شرح غاية المنتهى للعلامة الشنقيطي رحمه الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولعل في هذه الدروس نتكلم عن: «غاية المنتهى في معرفة المسائل العشر التي تدور الدنيا عليها عقيدة وعبادة وسلوكًا»، وأصل هذا الكتاب محاضرة ألقاها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في المسجد النبوي بطلب من ملك المغرب وهو محمد الخامس.
وهذه المسائل مسائل عظيمة سوف نتكلم عنها باختصار، وذلك لضيق الوقت، وسوف نهذب هذا الكتاب، ونشرح منه شيئًا يسيرًا ومختصرًا لتوضيح هذه المسائل، فالمسألة الأولى وهي التوحيد يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (فقد عُلم باستقراء القرآن أنه منقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول توحيده جل وعلا في ربوبيته، وهذا النوع من التوحيد جُبلت عليه فطر العقلاء كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ [يونس:31]).
* والآيات كثيرة في ذلك عندكم، ثم يقول بعد ذلك: (ولهذا كان القرآن ينزل بتقرير هذا النوع من التوحيد بصيغة استفهام التقرير كقوله تعالى: ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ﴾ [إبراهيم:10]).
وبنحو هذه الآيات، ثم قال بعد ذلك: (وهذا النوع من التوحيد لم ينفع الكفار لأنهم لم يوحدوه جل وعلا في عبادته).
* فإذًا مختصر هذا التوحيد بأن الله سبحانه وتعالى هو الرب، وهو سبحانه وتعالى بيّن ذلك في القرآن، وهذا التوحيد آمن به جميع الطوائف، وجميع الملل الكفريّة في الخارج والإسلامية في الداخل، وهذا التوحيد لم يكن هناك فيه أي اختلاف، فهذا القسم يسمى عند أهل السنة والجماعة بتوحيد الربوبية، وهذا واضح.
(النوع الثاني: توحيده جل وعلا في عبادته، وهو الذي وقعت فيه جميع المعارك بين الرسل والأمم، وهو الذي أُرسلت الرسل لتحقيقه، وحاصله هو معنى لا إله إلا الله، فهو مبني على أصلين هما النفي والإثبات من لا إله إلا الله، لا إله هذا نفي، إلا الله هذا إثبات، فمعنى النفي منها خلع جميع أنواع المعبودات غير الله سبحانه وتعالى في جميع أنواع العبادة كائنة ما كانت، ومعنى الإثبات منها هو إفراده جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادة، وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36]).
* وإلى آخر الآيات التي ذكرها، فهذا المؤلف رحمه تعالى يوضح في هذا النوع توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية هو الذي وقع فيه الاختلاف بين الناس، فأرسل الله سبحانه وتعالى الرسل ليبينوا حقيقة هذا التوحيد، وهو توحيد العبادة، وتوحيد الألوهية، وذلك لأن الناس أشركوا بالله سبحانه وتعالى فعبدوا الأصنام، وعبدوا الصور، وعبدوا الأشجار، وعبدوا الشمس والقمر والنجوم، وعبدوا بعض الأنبياء كعيسى، وهكذا، فبعث الله سبحانه وتعالى الرسل لتبيين للناس حقيقة التوحيد.
* ومعنى لا إله إلا الله أي: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى، فيجب على الناس أن يوحدوا الله سبحانه وتعالى في عبادته، ويبينوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له حقيقةً ليحصلوا على سعادة الدنيا والآخرة، فيجب عليهم أن يفردوا الله سبحانه وتعالى في العبادة، وهذا أصل عظيم لا بد أن يتفقهه المسلم.
* والآية واضحة في هذا ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36]، يجب عبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، واجتناب الطاغوت وهو الشرك، وعبادة الأوثان، وعبادة الأشخاص والصور والقبور، وإلى آخره.
ثم يقول بعد ذلك رحمه الله تعالى: (النوع الثالث: هو توحيده جل وعلا في أسمائه وصفاته، وهذا النوع من التوحيد يتبنى عليه أصلين كما بيّنه جل وعلا: هو تنزيهه تعالى عن مشابهته صفات الحوادث، والثاني هو الإيمان بكل ما وصف به نفسه أو وصف به رسوله صلى الله عليه وسلم حقيقةً لا مجازًا على الوجه اللائق بكماله وجلاله).
* وذكر بعض الآيات في ذلك كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:11]، والآيات عندكم، لكن هذه الآية أوضح آية لتبيين هذا الأصل، ففي هذا النوع رحمه الله تعالى بين توحيده أي: توحيد الله تعالى في أسمائه وصفاته، وهو إثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه في القرآن، وأثبت له النبي صلى الله عليه وسلم في سنته.
وهنا عندنا أصلان: الأصل الأول: تنزيه الله تعالى عن مشابهة الصفات المخلوقة كصفات المخلوقين الحادثة، والله سبحانه وتعالى تعالى ليس كمثله شيء لا في أفعاله، ولا في صفاته، ولا غير ذلك مما بيّنه أهل السنة والجماعة في الاعتقاد.
ويجب الإيمان بكل ما وصف الله سبحانه وتعالى به نفسه في القرآن، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فنثبت لله سبحانه وتعالى اليد أي صفة اليد، وصفة الوجه، وصفة العينين، والهرولة، وغير ذلك من الصفات التي ثبتت في القرآن وفي السنة، ونجري هذه الصفات على الظاهر، ولا نكيف هذه الصفات، ولا نعلم كيفية هذه الصفات، ولا نمثل، ولا نشبه، فإن هذه الأمور وقع فيها بعض الفرق الضالة كالأشاعرة والمعتزلة والجهمية والقدرية وغيرهم من الفرق التي ضلت في هذا النوع، فلذلك على المسلم أن ينتبه لهذا، فيجب إمرار ظاهر الصفات، وهذا منهج السلف الصالح، فلا يكيفون، ولا يشبهون، ولا يعطلون، فإن وقع عبد في ذلك فلا بد أن يقلع عن هذا الأمر، فإن لم يقلع عن هذا الأمر، فهذا إما أن يكون معتزليًا والعياذ بالله، أو أشعريًا، أو جهميًا أو غير ذلك من الأسماء الحادثة في الإسلام.
فإذًا النوع الثالث توحيد الله سبحانه وتعالى في أسمائه وصفاته، وهذا يسمى بتوحيد الأسماء والصفات.
المسألة الثانية وهي الوعظ فقد أجمع العلماء على أن الله تعالى لم ينزل من السماء إلى الأرض واعظًا أكبر ولا زاجرًا أعظم من موعظة المراقبة والعلم، فهنا المؤلف رحمه الله تعالى تكلم عن مراقبة الله سبحانه وتعالى والعلم به، وإذا العبد راقب الله سبحانه وتعالى في كل شيء اجتنب الشرك، واجتنب البدع، واجتنب المعاصي، وإذا تعلم العلم الشرعي علم الله سبحانه وتعالى فعلم أمور كثيرة تعينه على مراقبة الله سبحانه وتعالى، فيعرف محبة الله سبحانه وتعالى؛ لأن المحبة هذه ليس مجرد قول، فالمحبة هذه أمر عظيم، فإذا أحب الله سبحانه وتعالى فيجب عليه أن يعمل بأوامره، ويجب عليه أن يعمل بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجب عليه اجتناب ما حرم الله سبحانه وتعالى، ويجب عليه اجتناب ما حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم، فبهذا يجمع بين المراقبة وبين العلم.
فإذا جمع بين المراقبة والعلم حصل على أمر عظيم وهو واعظ له في دنياه، فعنده المراقبة وعنده العلم، فبهذا يكمل علم هذا الرجل في الله سبحانه وتعالى بعلم الكتاب وعلم السنة، ويكون له زاجر عن كل شيء، فلا تراه يعصي إلا خطئًا، ولا تراه يشرك ولا يبتدع، فدائمًا في عبادة الله سبحانه وتعالى، فيعرف علم المنهج، ويعرف علم العقيدة، ويعرف علم التوحيد بجميع أنواعه التي بيناها، ويعرف دينه، فالمراقب والعالم تراه مستقيمًا في دينه.
لكن في الحقيقة الغير المراقب الله سبحانه وتعالى، والجاهل ممكن تراه يقع في الشركيات، يقع في البدع، يقع في المعاصي ولا يبالي، وانظر إلى هذه الفرق الضالة كالرافضة، والمعتزلة والأشاعرة، والخوارج، وغيرهم ما عندهم مراقبة، ما عندهم علم، فيعجب الناس بأن هؤلاء يدعون الدعوة، ويدعون المنهج، ويدعون أمور كثيرة في الدين، لكن كيف هؤلاء يقعون في شرك؟ وكيف هؤلاء يقعون في بدع؟ وكيف هؤلاء يقعون في معاصٍ؟ ولا يهتم حتى لو بيّنت له؟ لأن هذا في الحقيقة ليس عنده مراقبة، وليس عنده علم، والمراقبة تأتي بحب الله سبحانه وتعالى، ورجاء الله سبحانه وتعالى، والعلم يأتي بأمور كثيرة إذا تفقه في ذلك.
وذكر الله سبحانه وتعالى بعض الآيات منها: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك:2]، فهذه الحياة وهذا الممات الله سبحانه وتعالى بلى الناس فيهما، وينظر الله سبحانه وتعالى كيف يعمل العباد في هذه الحياة، وأنزل الله سبحانه وتعالى لهم القرآن، وأرسل لهم الله سبحانه وتعالى الرسول يبين لهم كل ما يحتاجونه في المنهج، وفي العقيدة، وفي الشريعة، وفي الآداب، وغير ذلك، وهذا موضح في هذا الأمر، فإن وُفقوا في المراقبة والعلم عرفوا حقيقة هذا الدين، عرفوا الشروط، وعرفوا الأركان، وعرفوا الواجبات، وعرفوا السنن والمستحبات والمحرمات والمكروهات.
فهذه المراقبة أمرها عظيم، فلا بد من الاجتهاد على ذلك، ولا بد العبد أن يراقب الله سبحانه وتعالى في كل شيء؛ لأن بذلك يحصل على الخوف من الله، فعند المحرمات يجتنبها والبدع، ويجتنب الشركيات، ويقبل على الأوامر، يقبل على التوحيد، ويقبل على العقيدة والمنهج والشريعة، ولا بد مع ذلك العلم، فكما قال المؤلف رحمه الله تعالى أن الله تعالى لم ينزل من السماء إلى الأرض واعظًا أكبر ولا زاجرًا أعظم من موعظة المراقبة والعلم.
وبيّن كذلك في هذه الآية ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56] أي: يوحدوا الله سبحانه وتعالى، وهذا مختصر قوله في المسألة الثانية.
الثالثة: هي الفرق بين العمل الصالح وغيره، فإذا هذا العبد وحد الله سبحانه وتعالى، وراقب الله سبحانه وتعالى، وعلم حق العلم في هذا الدين، بعد ذلك لا بد أن يعرف هذا الأمر يعرف المسألة الثالثة، وتمييز بين العمل الصالح والعمل الطالح، بين الصواب والخطأ، وبين السنة والبدعة، وبين الحق والباطل، وبين أهل الحق وأهل الباطل، وبين أهل السنة وأهل البدعة، وبين أهل التوحيد وبين أهل الشرك، وبين أهل الطاعة وبين أهل المعصية، وهكذا.
ويبين المؤلف رحمه الله تعالى في هذه المسألة فيقول: (فقد بيّن القرآن العظيم أن العمل الصالح هو ما استكمل ثلاثة أمور، ومتى اختل واحد منها فلا نفع فيه لصاحبه يوم القيامة: الأول: أن يكون مطابقًا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم).
هذا أصل لابد، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:7]، وإلى آخر الآيات، فهذا الأمر الأول، فلا بد من متابعة النبي صلى الله عليه وسلم قولًا وعملًا، أما القول فلا يكفي، فلابد من القول والعمل فنأخذ ما ائتمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الأوامر، ونجتنب ما حرمه النبي صلى الله عليه وسلم من المحرمات، والشخص في الحقيقة إن فعل ذلك ازداد إيمانه، ازداد إيمانه لأن الإيمان قول وعمل، فإن ائتمر بأوامر النبي صلى الله عليه وسلم من الواجبات والمستحبات ازداد إيمانه، وعلى قدر فعل العبد وتطبيقه لهذه الأوامر الواجبات والمستحبات على قدر ازدياد إيمانه، وكذلك ازدياد علمه بالله سبحانه وتعالى وبهذا الدين، فهذا الأمر لا بد من تطبيقه، فعلى قدر تطبيق العبد لهذا الدين على قدر ازدياد إيمانه.
وإن اختل إيمانه إيمان العبد فيختل بقدر اختلاله بهذا الدين، وكلما عصى، والمعاصي أنواع: الشرك معصية، والبدعة معصية، والمعاصي الأخرى وهي المحرمات، فالعبد هذا إن وقع في الشرك الأكبر انتهى إيمانه بالكلية، وهذا فصلناه في الرد على فرقة المرجئة العصرية في هذا العصر، وكذلك في كتاب ((القناعة في شذوذ زيادة لم يعملوا خيرًا قط في حديث الشفاعة))، وكذلك بالنسبة للبدع هناك بدع ليست بمكفرة مفسقة، لكن لما فعل هذه البدع ينقص إيمانه، وإن وقع في البدع المكفرة خرج هذا من الدين، وكذلك بالنسبة للمعاصي إن فعل المعاصي نقص إيمانه على قدر هذه المعاصي.
فالإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح، يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فلينظر العبد في هذا الأمر، ولذلك بيّن أهل السنة والجماعة بالنسبة لمراتب الإيمان وهي ثلاث مراتب، والعبد لا بد أن يضبط هذه المراتب جيدًا لأن الأمر خطير جدًا.
فالمرتبة الأولى: أصل الإيمان هذا لا بد من تحقيقه، ولا يساوم هذا، هذا الإيمان هنا أصل الإيمان لا يقال ينقص؛ لأن إذا نقص هذا الإيمان يعني انتهى الإيمان بالكلية، وإذا انتهى الإيمان بالكلية خرج العبد من الإسلام، فهذا أصل الإيمان لا بد عند العبد، فإن كان عند العبد أصل الإيمان فهذا يعتبر مسلمًا، وإن مات على ذلك مات مسلمًا يُصلى عليه ويُغسّل، وإن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، وإن عذبه الله سبحانه وتعالى لا بد يوم من الأيام أن يخرج من النار ويدخل الجنة تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى، فهذا أصل الإيمان ليس فيه نقصان، لا يُقال ينقص لأنه إن نقص خلاص انتهى هذا العبد.
وبيّن الإمام أحمد رحمه وتعالى كما في مسائل حرب بن إسماعيل أنه للجنة جواني وبراني، جواني لها باطن، وبراني ظاهر، لذلك العوام يقولون ماذا يقولون؟ برع يعني في الظاهر، فالنار هذه لها جواني وبراني والعياذ بالله، لها باطن وظاهر، وهي أقسام: قسم للمنافقين، وقسم للكفار، وقسم للموحدين الذين يعذبون، أما الذي والعياذ بالله يدخل مكان الكفار أو المنافقين فهذا لا يخرج، والذي يدخل مكان الموحدين المعذبين فهذا لا بد يوم من الأيام على مشيئة الله سبحانه وتعالى أنه يخرج.
فالقسم قسم المسلمين هذا وإن عُذب الشخص لا بد أن يكون عنده أصل الإيمان في الدنيا، فإذا انتهى أصل الإيمان خلاص انتهى، وهذا الذي عنده أصل الإيمان هذا الظالم لنفسه، فعل المعاصي وظلم نفسه فيها، وأسرف، لكن بقي عنده أصل الإيمان إيمانه ينقص وينقص حتى بقي عنده أصل الإيمان، إذا انتهى أصل الإيمان انتهى وإن بقي أصل الإيمان فيبقى مسلمًا، فلذلك الحذر الحذر من فعل المعاصي، والتهاون فيها، فلا بد أن تكون عنده المراقبة والعلم حتى يعرف هذا الأمر فينتهي، وإلا من الذي يقع في المعاصي ومن الذي يقع في الشركيات غير الجهلة، هم الجهلة هؤلاء الذين يقعون، فلذلك هذا الأمر واضح، فبالمراقبة والعلم والتوحيد ازداد إيمانك، كلما زاد الإيمان راقبت الله سبحانه وتعالى وعلمت.
وهذا أصل الإيمان إن فعل الشخص الطاعات ازداد، وأصل الإيمان هذا بسبب المعاصي، وممكن العياذ بالله بعضهم يصل إلى البدع، فإذا استمر ممكن يصل إلى البدع المكفرة والعياذ بالله كما هو حال الصوفية أصحاب وحدة الوجود والخوارج والمعتزلة والجهمية والرافضة، ولا يخفى عليكم الناس تراهم من المسلمين ثم يرتدون بسبب ماذا؟ يفعلون المعاصي ثم تتطور المسألة فيهم، ويبتدعون يصلون إلى الشركيات، تتجارى بهم الأهواء كما تتجارى الكَلَب إلى صاحبه، فالأمر خطير.
فلا تتهاون في أي شيء، ولا تنظر إلى أهل البدع ولا أهل المعاصي، ولا العوام هؤلاء، ولا الجهلة، ولا تقول كلنا مسلمين، ولا تنخرط مع هذا ومع هذا ومع الجمعيات والأحزاب، هذه عندهم أمور وعندهم بيعات وعندهم سمع وطاعة ونظام، ومنهج غير منهج الله سبحانه وتعالى، ولذلك فيه جماعات خرجت من الإسلام كالجهمية والمعتزلة والرافضة، وبنحو هذه الفرق، فالأمر خطير جدًا ليس الأمر سهل.
نعم كلنا مسلمين إذا بقينا على هذا الأصل تبعية النبي صلى الله عليه وسلم، أما أناس يرتدون، وإن كانوا يصلون ويصومون، ولولا الوقت لسردت لكم أمور كثيرة أقوال أهل العلم، ولماذا كفروا الجهمية والمعتزلة والرافضة والخوارج؟ فالأمر خطير جدًا، فلذلك هذا الأمر لا بد منه، فلا بد من تبعية النبي صلى الله عليه وسلم يبين ما اختل واحد منهما، فلا نفع فيه.
المرتبة الثانية: الإيمان الواجب الإيمان، الإيمان الواجب هؤلاء قاموا بالأوامر أصحاب الإيمان الواجب قاموا بالواجبات، وقاموا بالتوحيد، والاعتقاد الصحيح، والطاعات، لكن تركوا المستحبات، أو يفعلون شيئًا من المستحبات، فهذا الإيمان الواجب يزداد وينقص، أما أصل الإيمان هذا يزداد ممكن، لكنه لا ينقص، هذه يزداد وينقص كلما عصى الله سبحانه وتعالى الشخص فبلا شك ينقص إيمانه، ممكن يصل من الواجب إلى الأصل أصل الإيمان، أو يبقى عند الشخص الإيمان الواجب، هذا وعد الله سبحانه وتعالى أصحاب هذا الإيمان أن يدخلهم الجنة، فلذلك لا بد الاجتهاد إلى أن يصل الشخص إلى الإيمان الواجب، وهؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب، وهؤلاء يقعون في المعاصي لأنه لا يوجد عبد لا يخطئ ويقع، لكن مجرد ما يقع الشخص في معصية يعرف أنها معصية فيقلع، فإذا بيّنت له قلع، إذا بيّنت له البدعة قلع، يتوب إلى الله يتراجع، لا يتعصب لأي شخص، ولا لأي جماعة، ولا كذا.
فلذلك الأمر خطير جدًا في هذا الأمر، فهذا صاحب الإيمان الواجب إذا قلت له كذا خلاص يتراجع لا يماطل كالحزبي والمبتدع يماطل، يماطل في البدع، يماطل في الشركيات في الأشخاص في الجماعات، في الجمعيات، فهذا الرجل الله المستعان.
وعندنا المرتبة الثالثة: الإيمان المستحب، أصحاب الإيمان المستحب هذا هم الذين يعبدون الله كأنهم يرون الله سبحانه وتعالى، هؤلاء يفعلون الواجبات والمستحبات، وممكن أن يتركون بعض المستحبات فلا يضر، فهؤلاء لو وقعوا في الصغائر فالله سبحانه وتعالى يكفر عنهم ذلك تلقائيًا، فكلما وقعوا في معصية من الصغائر تكفر، وهؤلاء الذين يعبدون الله سبحانه وتعالى كأنهم يرون الله سبحانه وتعالى، هذا أصحاب الإيمان المستحب، هذا ممكن لو ترى، وكذلك يتركون المكروهات أصحاب الإيمان المستحب.
أصحاب الإيمان الواجب ممكن أن يفعلوا المكروهات، لكنه هذا ما يضرهم لكنه لا يأثم الشخص على ذلك، أصحاب الإيمان المستحب هؤلاء لا يفعلون حتى المكروهات يتركونها يتورع عنها، مكروه تركه، فهؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب، وإن فعل شيئًا من الصغائر الله سبحانه وتعالى يكفر عنهم مباشرة، وبيّن هذا شيخنا الشيخ ابن عثيمين، كذلك ابن القيم، وكذلك ابن تيمية، والشاطبي، وخلق من العلماء.
لعل هذه سوف يكون لي محاضرة في هذه المراتب نُبيّنها في مسألة هؤلاء الناس المتساهلين الآن في الأمور هذه، الذي يسب الله ويسب الرسل، والذي يعبد القبور، والذين يقعون في المعاصي والبلاوي، والذي يجلس مع المتبرجات، والذي يجالس اليهود والنصارى ويتصور معهم ما له هذا، والذي يكفر المسلم بلا ذنب كأتباع بن لادن، ماذا لهم هؤلاء؟ بن لادن ماذا له هذا الذي يكفر الحكام ويكفر المسلمين ويكفر الموظفين بزعمه الذين تحت هذه الحكومات، والقطبية والسرورية الذي يكفرون، فماذا لهم هؤلاء؟ والذي يؤيدون سيد قطب على تكفيره للمجتمع، وقوله عن المساجد كلها جاهلية ماذا له هذا الرجل؟ يكفر معاوية ويقول عن معاوية زنديق وعن عمرو بن العاص زنديق ماذا له هذا؟ هؤلاء صحابة، ماذا له هذا؟ هل هذا بقي إيمانه عنده الإيمان المستحب، أو الإيمان الواجب، أو أصل الإيمان أو لم يبق منه شيء؟ ماذا له؟
ونرى الناس يتلفظون بأشياء عظيمة ولا يهتم، يهوي بها في نار جهنم سبعين خريفًا لا يعطي لها بال ماذا له هذا؟ ولذلك بيّن الحافظ ابن حجر في فتح الباري عندما ذكر أحاديث الخوارج ومروق الخوارج يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية، قال هذه الأحاديث تبين بأن الشخص يكفر ولا يدري، فيدخل والعياذ بالله يتفاجأ يوم القيامة، فإذا يُدخل إما مع المنافقين أو مع الكفار، وهو يصلي ويصوم ويحج، فالأمر تلفظ هذا أمره خطير جدًا، فلذلك هذه الأمور لعل إن شاء الله نبينها إن شاء الله في هذا لأنه مهم جدًا.
الأمر الثاني: أن يكون خالصًا لوجهه تعالى الإخلاص كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ [البينة:5]، وبقية الآيات فهذا الأمر مهم جدًا مع التبعية الإخلاص، ممكن الشخص يخلص لكنه ما عنده تبعية، وممكن يتبع ما عنده إخلاص، يرائي الناس، فالأمر خطير جدًا، فلا بد من الإخلاص في هذا الأمر.
الثالث: أن يكون مبنيًا على أساس العقيدة الصحيحة، وهذا لا بد منه، لا بد أن يتأسس العبد على عقيدة صحيحة، الرافضة لهم عقيدة، المعتزلة، الجهمية، الخوارج، الإباضية، كل هؤلاء لهم عقيدة واعتقادات، لكنها فاسدة ما تنفع، فلا بد من عقيدة صحيحة كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [النساء:124]، هذا أصل لا بد أن يكون مؤمن بالله سبحانه وتعالى، والإيمان إذا أُطلق فيراد به الإيمان الواجب الذي يقوم به العبد من الأوامر، وترك المناهي، وإلى آخره، فهذا الأمر مهم جدًا.
فلا بد على العبد أن يتأصل على هذه الأصول الثلاثة والأمور الثلاثة، تبعية النبي صلى الله عليه وسلم، والإخلاص، وأن يبني التبعية والإخلاص على عقيدة صحيحة، فلا بد من الاعتقاد الصحيح وإلا الاعتقادات كثيرة، انظر إلى اعتقادات إخوان المفلسين، وإلى اعتقاد السياسيين من السروريين والقطبيين والتراثيين، انظر إلى اعتقاد الصوفيين، وانظر إلى اعتقاد هذه الجماعات! ومنها من يتبنى عقيدة الماتردية، والأشعرية، والمعتزلة، انظر إلى عقيدة المفكرين العقلانيين عقيدة المعتزلة، هؤلاء يحكمون العقل لا يحكمون كتاب الله ولا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالأمر خطير جدًا.
ولعل إن شاء الله غدًا نكمل إن شاء الله فيه أي سؤال؟.
سؤال: بعضهم يقول إن هذه الفرق تلاشت مثل الماتردية، والأشعرية، والمعتزلة؟.
الجواب: هذا الذي يقول هذا الكلام ما عرفه، مراقبة الله سبحانه وتعالى ولا العلم، وإلا الاسم ممكن أن يتغير ويتبدل، لكن الفكرة ما تتبدل، الفكرة تبقى في الناس، فالآن فرقة المعتزلة ما تسمى بهذه الفرقة الآن، قديمًا تسمى بفرقة المعتزلة، لكن الآن بالفرقة العقلانية، وهم المفكرون، فهؤلاء الآن ينتمون إلى العقيدة المعتزلية الذين يحكمون العقل، وهكذا الآن الخوارج الآن الخوارج هؤلاء كثير منهم ما يعرف الخوارج منهم، الآن هؤلاء الفرق السياسية القطبية والسرورية والإخوانية والتراثية، كل هذه خوارج ينتمون إلى السياسيات وكلامهم موجود، والخروج على ولاة الأمر، واللادنية فرق كثيرة وجماعات، لكن مناهج الفرق الضالة فهي داخلة في هذه الجماعات الآن، ما تسمى بالجماعات الإسلامية، وبيّن هذا الشيخ ابن باز، وبيّنته لكم، وبيّن هذا كذلك الشيخ صالح الفوزان، الشيخ الألباني، ولذلك سمى السرورية سرورية خارجية عصرية، شريط موجود هذا.
والآن المرجئة قديمًا تسمى المرجئة، الآن لا المميعة الفرق المميّعة هي تنتمي الآن إلى فكر الإرجاء، وتنشر فكر الإرجاء، وكتبت فيهم الآن كتابًا في 250 صفحة، ولعلّه عن قريب يخرج، وكلامهم موجود في الأشرطة وفي كتبهم، فالفرق هذه في الحقيقة تدخل على الجهلة بشبه وأمور، فيظن الجاهل بأن هذا من الدين وهو ليس من الدين، بل هذه أفكار الفرق القديمة تنشر الآن بأسماء مستعارة وغير معروفة.
لكن كما بيّن ابن القيم في «مفتاح دار السعادة» أن الشبهة مهما تكون كانت بالاسم أو غير الاسم لا يعرفها إلا أهل العلم، أما الجاهل سواء بالاسم أو غير الاسم لا يعرفوها، ولذلك الفتنة يعرفها أهل العلم، فإذا ولّت وأدبرت عرفها من؟ الجاهل، لكن ماذا الفائدة في ذلك عندما هلكت الآن؟ الآن الجاهل عرف أن هذا فتنة، خلاص لا يستطيع إلا من رحم الله سبحانه وتعالى، لا يستطيع أن يترك هذه الفتنة فهو واقع فيها إلى أن يهلك، هو عرف مع هذا يتمادى ويعاند، وسمع كلام أهل العلم وبيّنوا ووضّحوا، لكنه معاند.
انظر إلى ابن لادن هو أين؟ هل تاب هذا الرجل؟ يعرف أنه على باطل، وفعله باطل، وأموره باطلة، لكن يريد فوضى، وإلا قديمًا سمعت له شريطًا كان يدعو عندما انتهت الحرب الأفغانية له كلامًا جيدًا قديمًا يقول أن هذه الحرب قد انتهت وكذا وأمور تكلم فيها، ثم قال فلتذهبوا أنتم أي طلبة العلم للشيخ مقبل، وللشيخ ابن عثيمين، وللشيخ ابن باز، وكذا وكذا ومعنى كلامه أنه سوف أتجول على المشايخ وأزور المشايخ، وفعلاً ذهب إلى الشيخ ابن عثيمين، والشيخ ابن باز وكذا، قبل أموره، لكن ما زال الإخوان المسلمون به حتى ألقوه على الأرض وأهلكوه لماذا؟ لأنه يجالس أهل البدع، فلذلك مجالسة أهل البدع تمرض القلوب.
فحكمة السلف هجر أهل البدع وعدم مجالسة أهل البدع، فحكمة كبيرة عظيمة قل من ينتبه لها، فأناس كانوا يقولون قديمًا أننا نحن ندخل مع هذه الجماعات ونعرف خطأ هذه الجماعات وصوابها، حتى الآن صاروا من هذه الجماعات، بل رؤوس والعياذ بالله من هذه الجماعات ما يستطيع أن يتخلص شبهة قوية، المنهج البدعي خطر جدًا، وهكذا مراد إبليس أن يقع في النار، أن الناس يقعوا في المعاصي ثم البدع ثم الشرك وينتهون، فلذلك الأمر خطير جدًا.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.