القائمة الرئيسة
الرئيسية / الهجر المشروع والممنوع / الجزء (2) والأخير الهجر المشروع والممنوع في الشريعة

2024-04-29

صورة 1
الجزء (2) والأخير الهجر المشروع والممنوع في الشريعة

ولماذا الشارع حرمه؟ تكلمنا أن ليس فيه مصلحة شرعية، فلذلك حرمه الشارع لأن فيه مفسدة كبيرة بين المسلمين، وتكلمت أنا عن هذا الأمر باختصار، وإلا الكلام طويل، وممكن بعد ذلك يترجم هذا البحث أو هذه المذكرة وتوزع.

ثم بعد ذلك ندخل في الهجر المشروع، وهو الهجر الجائز الممدوح؛ لأن كثير من المسلمين يظنون أن هناك فقط هجر مذموم هجر محرم، لكن لا يعرفون أن هناك هجر جائز وممدوح في الشرع، لماذا الله سبحانه وتعالى أمر بهذا الهجر؟ لأن هذا الهجر فيه مصلحة شرعية إما للهاجر أو للمهجور، فتكون مصلحة شرعية إما للهاجر أو المهجور، فتكون مصلحة شرعية للمسلمين بهذا الهجر.

وهناك هجر جائز لمن رد السنن وخالف، جاز أن تهجر أحيانًا بحسب الشخص بحسب المصلحة الشرعية لمن خالف السنن وخالف الشرع، وكذلك هجر لأهل الفساد وأهل البدع والأهواء.

ذكر الدليل على الهجر الجائز:

 قال الله تعالى: ﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ [المزمل:10]، فالله سبحانه وتعالى يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يهجر أهل الفساد أهل الشرك هجر جميل، هجر مطلق، ما يجالسهم ولا يؤاكلهم ولا يكلمهم إلا في الإسلام، فهذا هجر جميل، فكذلك نحن مأمورون أن نهجر أناس معينين أو شخص معين، أو نهجر الكتاب المعين أو الشريط، أو الجماعة الفلانية، فنهجر كل إنسان بحسبه وكل جماعة بحسبها، إذا هجر أحيانًا أحيانًا، وإذا هجر مطلقًا هجر مطلقًا، ما دام الشارع أراد منا هكذا، فالهجر هذا فيه مصلحة لك أو للمهجور.

والدليل من السنة على الهجر الممدوح: وعن عبد الله بن مغفل «أنه رأى رجلا يخذف يعني يضرب الحجارة الصغيرة يخذف، فقال له عبد الله: لا تخذف لا ترمي الحجارة >فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف الخذف هذا نهى عنه الشارع، وقال أي النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لا يصاد به صيد ولا ينكأ به عدو ولكنه قد تكسر السن وتفقأ العين ثم رآه بعد ذلك يخذف عندما عبد الله أخبر هذا الرجل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف رآه عبد الله أي رأى هذا الرجل يخذف مرة ثانية، ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف! لا أكلمك كذا وكذا» رواه البخاري «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه».

فعبد الله الصحابي رأى هذا الرجل يخذف، وأخبره عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف، فرآه يخذف مرة ثانية فهجره لماذا؟ لأن عارض حديث النبي صلى الله عليه وسلم وخالف السنة فهجره، وقال: لا أكلمك كذا وكذا.

قال ابن حجر في «الفتح» (ج9 ص608): (وفي الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث، فإنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه)، انتهى كلامه.

قال ابن حجر: وفي الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث، فإنه يتعلق بمن هجر لحظ النفس، فالحافظ ابن حجر يبين تحت هذا الحديث أن الهجر جائز لمن خالف السنن وخالف حديث النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ولا يدخل في هذا في النهي، لا يدخل في الهجر المحرم، بل يدخل في الهجر الممدوح الجائز.

فهكذا كان السلف رضوان الله عليهم يشتد نكيرهم على من خالف الأحاديث بالآراء والتعسفات المريضة، وربما هجروه تعظيمًا للسنة وتوقيرًا لها.

وقال النووي في «شرح صحيح مسلم» (ج13 ص 106): (فيه -يعني في الحديث- هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائمًا، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه).

فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم يعلم أن هذا محرم وينابذك في السنة ويخالف السنة، وأنه يجوز هجرانه دائمًا هجران أهل الفسق هجران الحزبيين، هجران أهل البدع على الدوام جائز؛ لأنه يخالفون السنة، وينابذون أهل الحق، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه، فالمحرم الهجران لحظ النفس ومعايش الدنيا، أما للدنيا ما يكون لها هجر، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائمًا.

وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له كحديث كعب بن مالك وغيره، فالجماعات الحزبية من الإخوان المفلسين والقطبيين والتبليغيين والتراثيين والتحريريين، وجميع هؤلاء أصحاب البدع يجب هجرهم على الدوام؛ لأن هذا الهجران هجران في مصلحة لك، وإلا إذا عملت مع هؤلاء أفسدت نفسك فتهجرهم لكي تحافظ على دينك، وفيه فائدة كذلك للناس.

وقال الإمام البغوي في «شرح السنة» (ج1 ص 153): (فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة إلى أن يتوبوا).

وبوب البخاري في «صحيحه» (ج10 ص497): (باب ما يجوز من الهجران لمن عصى)، قال الحافظ ابن حجر في «الفتح»: (أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز)، انتهى كلامه.

وقال ابن تيمية في «الفتاوى» (ج 28 ص 217): (وأما إذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه علانية، ولم يبق له غيبة، ووجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك من هجر وغيره)، انتهى كلامه.

فهذا ابن تيمية يقرر: وأما إذا أظهر الرجل المنكرات رجل يظهر المنكرات والبدع وجب الإنكار عليه علانية يقول، ولم يبق له غيبة ليس له غيبة اغتابه جائز، ووجب أن يعاقب علانية يحذر علانية أمام الناس في شريط في كتاب بما يردعه عن ذلك من هجر وغيره انتهى كلامه، تهجره تهجر أصحاب البدع أصحاب الأهواء.

وقال أبو داوود في «سننه» (ج4 ص 216): «أن النبي صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين يومًا»، «وابن عمر هجر ابن له إلى أن مات»، انتهى كلامه.

النبي صلى الله عليه وسلم هجر أزواجه أربعين يومًا عندما أصبح الخلاف، وابن عمر هجر ابنه بلال بن عبد الله عندما خالف السنة هجره إلى أن مات، هذا ابن عمر هجر، وإذا عُرف هذا فهذا الهجر الشرعي هو من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله فتنبه، فهذا من التقرب إلى الله هجر أصحاب البدع وأصحاب الأهواء والتحزب والجماعات الحزبية من التقرب إلى الله، كيف نحن لا نهجر أصحاب البدع وأصحاب التحزب من الحزبين وغيرهم؟ لك أجر في هجرهم، أما عموم المسلمين، أو تهجر أهل الحق هذا لك إثم، أما هؤلاء المبتدعة سلامة لك ولدينك فهجر هؤلاء الناس.

وقال الإمام أبو داود في «سُنَنِهِ» (ج4 ص 216): (إذا كانت الهجرة لله فليس من هذا بشيء)، يعني إذا كان هجر الشخص لله مخلصًا لله هذا الهجر ما فيه شيء، (وأن عمر بن عبد العزيز غطى وجهه عن رجل)، انتهى كلامه.

عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين رحمه الله تعالى غطى وجهه عن رجل مبتدع لهجره، فلذلك كيف نحن لا نهجر حزب التحرير هذا والمبتدعة، فلذلك لا بد أن نهجر كتب هؤلاء وأشرطة هؤلاء.

قال ابن تيمية في «الفتاوى» (ج28 ص ٢٠٦): (فينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله، وبين الهجر لحق نفسه، فالأول مأمور به والثاني منهي عَنْهُ)، انتهى كلامه، فالهجر الشرعي ليس من التقاطع والتدابر.

قال أبو داود في «سننه» (ج5 ص 6): ([باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم] ثم ذكر هجر كعب بن مالك عندما هجره النبي صلى الله عليه وسلم عندما تخلف عن الغزوة، هجره الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه فيه مصلحة.

وقال ابن القيم في «زَادِ المَعَادِ» (ج3 ص580): (عن حديث عبد الله وحديث كعب بن مالك فيه دليل على أن الرد -يعني السلام- على من يستحق الهجر غير واجب)، لذلك حتى أن المهجور هذا المبتدع ما تسلم عليه ولك أجر في ذلك.

وقال ابن حجر في «الفتح» ( ج10 ص497): (قال الطبري: قصة كعب بن مالك أصل في هجران أهل المعاصي)، انتهى كلامه.

وقال النووي في «روضة الطالبين» (ج7 ص 367): (إن كان الهجر لعذر بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعه أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح لدين الهاجر والمهجور فلا تحريم، وعلى هذا يحمل ما ثبت من هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه ونهيه صلى الله عليه وسلم الصحابة عن كلامهم، وكذا ما جاء من هجران السلف بعضهم بعضًا).

إذا كان الهجر في مصلحة من عذر جائز أن تهجر مسلم لأجل فسق أو بدعه أو تحزب، فهذا جائز الهجر فيه كما بيّن النووي؛ إن كان الهجر لعذر بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما أو كان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور؛ لأن الهجر هذا أما أن يكون مصلحة لك أو مصلحة للمهجور، ولا يقال إذا ليس فيه مصلحة للمهجور مثلًا إذا هجرت شخص لعله يفسق يزيد هجرانه، ما تهجره لا، لعل لك مصلحة لك أن تهجره رجع أو لا، تاب أو لا عليك أن تهجره.

وهذا الكلام طويل في هذا الأمر، وفيه آثار كثيرة هنا، والإمام أحمد كذلك بيّن هنا لعل آخر نقطة نتكلم عنها:

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: (ويجب هجر من كفر أو فسق ببدعة، أو دعا إلى بدعة مضلة أو مفسقة على من عجز عن الرد عليه، أو خاف الاغترار به والتأذي دون غيره)، انْظُرْ: «الآداب الشرعية» لابن مفلح (ج1 ص268)، انظر فقه الإمام أحمد بن حنبل هل يأمر إلى هجر المسلمين؟ لا، يأمر بهجره إلى البدع من كفر أو فسق ببدعة، أو شخص دعا إلى بدعة كالأحزاب الجماعات الحزبية يدعون إلى بدع وخرافات يجب هجرهم، مضلة أو مفسقة على من عجز عن الرد عليه، أو خاف الاغترار به تخاف أن يغتروا الناس بهذا الشخص أو بهذه الجماعة تأمر بهجرانها.

وقال ابن هانئ: (شهدت أبا عبد الله -أي الإمام أحمد- في طرق مسجد الجامع وسلم عليه رجل من الشاكة) يعني يشكون في دينهم، (فلم يرد عليه السلام، فأعاد عليه فدفعه أبو عبد الله ولم يسلم عليه)، انتهى كلامه، انْظُرْ: «مسائل الإمام أحمد» (ج2 ص 153).

وسُئل الإمام أحمد عن رجل مبتدع داعية يدعو إلى بدعة يدعو إلى بدعة أيجالس؟ قال: (لا يجالس ولا يكلّم)، انْظُرْ: «مسائل الإمام أحمد بن حنبل».

وقال القاضي أبو الحسين: (لا تختلف الرواية -أي رواية الإمام أحمد بن حنبل- في وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة).

وقال البغوي في «شرح السنة» (ج1 ص227): (وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدع ومهاجرتهم).

شوف باتفاق الصحابة والتابعين أتباع التابعين والأئمة والحفاظ وأهل السنة على هجران أهل البدع وهجرهم، فلذلك يجب علينا هجر هذه الجماعات والأحزاب والمبتدعة وهي مصلحة لك وللناس.

وهذا باختصار في مسألة الهجر الجائز، والظاهر واضح، وعليك أن تحافظ على دينك، وأن تحافظ على دين أهلك وأولادك وجيرانك، وتحافظ على دين أمة محمد بهجر أصحاب الأهواء والمبتدعة، وبهذا تنجو وتكون من الطائفة المنصورة التي بيّن أمرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في «الصحيحين»: «لا تزال طائفة من أمة على الحق ظاهرين»، ويجب عليك أن تدخل في هذه الطائفة المنصورة لكي تنجو في الدنيا وفي الآخرة، وتدخل جنات عرضها عرض سماوات والأرض أُعدت لك أيها المتقي، أيها السني، فاحرص على دينك تنجو.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan