الرئيسية / الهجر المشروع والممنوع / الجزء (1) الهجر المشروع والممنوع في الشريعة
2024-04-29

الجزء (1) الهجر المشروع والممنوع في الشريعة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وفي هذا اللقاء المبارك إن شاء الله سوف نتكلم عن موضوع هام لكل مسلم، وهو مسألة الهجر، والهجر ما هو ممنوع في الشريعة وما هو مشروع في الشريعة، فهناك هجر ممنوع، وكذلك هجر مشروع، وفيه فرق بين الهجر الممنوع والهجر المشروع، فهذا الموضوع موضوع مهم لكل مسلم، وبه يضبط المسلم الهجر الممنوع والهجر المشروع، متى يهجر ومتى لا يهجر؛ لأن بالهجر والتدابر والتقاطع من بين المسلمين يدب فيهم الضعف وتنكسر شوكتهم، فلذلك هذا الموضوع يريد دراسة قوية وبحث قوي لكي هذا المسلم يعرف فقه الهجر.
وهذا الموضوع طويل جدًا، لكن في هذه المحاضرة سوف نختصر هذا الموضوع، لكن إن شاء الله غير مخلين به، وتكون الفائدة فيه مرجوة، والمسلم يفهم الفرق بين الهجر الممنوع والهجر المشروع.
ولعل نتكلم الآن عن الهجر الممنوع وهو الهجر المحرم، فلا يجوز من بين المسلمين أن يقع الهجر، فلا يتقاطع أهل الإسلام، ولا يتهاجروا، ولا يتدابروا؛ لأن بهذا الهجر والتقاطع والتدابر تكون بينهم الاختلافيات وكثرة المشاكل، وبهذا تنكسر شوكتهم، ويتسلط عليهم عدوهم، وبهذا أهل الإسلام يهلكون.
فلا يجوز لأهل الإسلام أن يتقاطعوا ويتهاجروا ويتدابروا؛ لأن الله سبحانه وتعالى حرم الهجران، والرسول صلى الله عليه وسلم كذلك؛ لأن إذا كان بين المسلمين التواصل والتراحم والمزاورة يأتلفون ويتراحمون، وبهذا يقوون، وتكون لهم شوكة قوية، وبهذه القوة يهزمون عدوهم من الخارج من أهل الكفر من اليهود والنصارى، ومن الداخل يهزمون أصحاب البدع وأصحاب الأهواء.
وفي ذلك أدلة، ونختصر ونذكر بعض الأدلة على تحريم الهجر بين المسلمين:
فمن السنة: حديث أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»، وهذا الحديث رواه البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه»، وهو دليل واضح صريح في تحريم الهجر بين المسلمين، أو بين اثنين من المسلمين، فإذا تهاجرا ليس لهم إلا ثلاثة أيام، بعد هذه الثلاثة أيام لا بد على أهل الإسلام أو على هذين المسلمين أن يتراجعا عن التدابر والهجر فيما بينهما، وإلا وقع الإثم على الاثنين، وإلا وقع الإثم على المسلمين إذا تقاطعوا وتهاجروا، فلا يجوز الهجر بين المسلمين، وبين أهل الإسلام لأن ذلك يضعف شوكتهم.
وفي رواية عند أبي داود في «سننه»: «لا هجر فوق ثلاث، فمن هجر أخاه فوق ثلاث فمات دخل النار»، وإسناد هذه الرواية صحيح، انظر لو هجر مسلم مسلمًا بعد ثلاثة أيام ومات المسلم الهاجر لأخيه المسلم دخل النار، وهذا يبين شدة الهجر، وشدة حرمة الهجر هجر المسلم، فلا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه المسلم في أقل خلاف مثلًا، أو خلاف شخصي، أو من غضب، أو من أي شيء، فتجد المسلم يهجر أخاه المسلم، فهذا لا يجوز حتى لو كان بينك وبينه خلاف، فلا بد أن يُنظر في هذا الخلاف كما سوف يأتي، أما إذا في الأمور الشخصية، الأمور الدنيوية، وهذا الغالب يكون، فهذا لا يجوز هجر المسلم، لكن سوف يأتي إن شاء الله إذا كان في المنهج كهجر أصحاب البدع، هجر أصحاب الأهواء، هذا واجب هجرهم، وبيأتي الكلام على ذلك، وأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام»، وهذا الحديث رواه مسلم في «صحيحه».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا هجرة بعد ثلاث»، هذا الحديث كذلك رواه مسلم في «صحيحه».
فبهذه الأدلة يتبين لنا تحريم هجر المسلم، فلا يجوز للشخص أن يهجر أباه، ولا يجوز له أن يهجر أمه، ولا أخاه، ولا أخته، ولا أقاربه، ولا يهجر مسلمًا، وجيرانه، ولا أي شخص، بل يعظم الإثم إذا الشخص هجر أبوه من خلاف أو من أمر ما، أو يهجر أقاربه، أو يهجر جيرانه، وهذا حاصل من كثير من المسلمين، فهؤلاء آثمون على هذا الهجر؛ لأن هذا الهجر ممنوع ومحرم.
فبعد ذلك نتكلم عن أقوال أهل العلم في الهجر المحرم، واستنباط أهل العلم من هذه الأحاديث التحريم؛ فالأحاديث التي سلفت حديث أبي أيوب في تحريم الهجر، وحديث ابن عمر في تحريم الهجر، وحديث أبي هريرة في تحريم الهجر.
قال ابن حبان رحمه الله تعالى في «روضة العقلاء» (ص ٢٠٧): (قوله: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاثة أيام» فمن فعل ذلك كان مرتكبًا لنهي النبي صلى الله عليه وسلم، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام). اهـ
فيقول الحافظ ابن حبان رحمه الله تعالى لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاثة أيام، فمن فعل ذلك فمن هجر أخوه المسلم كان مرتكبًا لنهي النبي صلى الله عليه وسلم، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، فالمسلم الذي له الخيرية هو الذي يبدأ السلام لأخيه المسلم، فهذا المسلم هو الملتزم بالإسلام، هو الملتزم بتعاليم الإسلام، هذا هو المسلم الطيب الخيِّر الذي له الأجر عند الله سبحانه وتعالى، هو الذي يتعامل التعامل الطيب مع المسلمين أو إخوانه المسلمين، فأخير هذين الاثنين المتهاجرين هو الذي يبدأ بالسلام، لا يقول أنني اختلفت مع أخيه المسلم، أو مثلًا أن أخوه المسلم تعدى عليه مثلًا بالضرب، أو تعدى عليه بالسب أو الشتم، أو تعدى عليه بعض الخلافيات، فليس عليك هذا الأمر، عليك أنت أن تبدأ هذا الرجل بالسلام، ولك الأجر عند الله سبحانه وتعالى.
والله سبحانه وتعالى يرفعك درجات بتواضعك لله سبحانه وتعالى «من تواضع لله رفعه الله» حتى لو اعتدى عليك أخوك المسلم، لين له أنت وسلم عليه، حتى لو أعرض عنك ما يريد أن يسلم عليك سلم عليه أنت، تواضع ليس له لله سبحانه وتعالى، فسوف يرفعك الله سبحانه وتعالى، ويرزقك الأجر، وتحصل معية الله سبحانه وتعالى لك في حياتك اليومية، والتأييد منه والنصر؛ لأنك أنت تأخذ بما قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الأصل ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء:59]، ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء:59].
فالرجل الذي يطيع الله ويطيع الرسول صلى الله عليه وسلم له التأييد وله النصر منه سبحانه وتعالى، ولا تظن أنك إذا سلمت على أخيك المسلم الذي اختلفت معه أنت أن هذا ذل لك لا، هذه رفعه لك وأنت تتواضع لله سبحانه وتعالى، فتواضع لأخيك المسلم حتى لو اعتدى عليك، وبهذا المسلم الذي اعتدى عليك ثم بعد ذلك تواضعت له وسلمت عليه وجلست معه وتبسمت له وزرته هو سوف يلين، وهذا شيء مجرب عندما نختلف مع مسلم نلين له ونزوره ونجبر بخاطره وبقلبه؛ تجد أن هذا المسلم يلين لك، وبعد المخاصمة تكون الألفة وتكون المحبة، وهذا أمر مجرب ومعروف، فإذا اختلفت مع أخيك المسلم فلا تتقاطع معه وتتدابر معه وتهجره لا، تواضع له؛ لأن هذا أصل من أصول أهل السنة للجماعة عدم الهجر أو التحريم بين المسلمين، هذا قول ابن حبان رحمه الله تعالى.
وقال ابن حجر عن أحاديث الهجر: (هذا الهجر من حظ النفس)، انتهى كلامه رحمه الله تعالى، يعني ليس لله ولا لرسوله، فلذلك هو محرم، وبيّن الحافظ ابن حجر هذا الكلام في فتح الباري في شرح صحيح البخاري، لأن هذا الهجر هو الهجر المحرم بين المسلمين لحظ النفس فلذلك هو محرم، فلا يجوز لأي إنسان أن يهجر أخاه لحظ نفسه، أي خلاف تهجر أخوك المسلم؟ أي خلاف تهجر أبوك؟ تهجر أمك؟ تهجر أخوك؟ تهجر أقاربك؟ تهجر جيرانك؟ هذا لا يجوز، فلا يجوز لك أن تهجر المسلمين فتقرب إلى المسلمين وائتلف مع المسلمين يكون لك قوة، لكن بالتدابر والتقاطع يدب الضعف في الأمة، ثم هلاك الأمة على يد أعدائها من الخارج والداخل.
فبعدم الهجر، بعدم التقاطع، بعدم التدابر تكون الألفة والقوة بين المسلمين، وهذا الذي كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان للصحابة قوة لأنهم مؤتلفين مجتمعين لا يتهاجرون إلا لمصلحة شرعية، وبيأتي الكلام على هذا الهجر، لكن الهجر عندهم ممنوع ومحرم فلا يتهاجرون السلف الصالح، فكانت عندهم القوة، وكانت معهم الألفة والاجتماع، فهزموا دول الكفر من الخارج، وهزموا المنافقين من الداخل وأصحاب الأهواء من الداخل، فهم سادات الأمم إلى قيام الساعة بسبب ائتلافهم واجتماعهم على الكتاب وعلى السنة.
قال ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (ج١ ص269): (وهذا يدل على منع الهجر لأقاربه لحق نفسه)، انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وهذه الأحاديث تدل على تحريم الهجر بين المسلمين وهجر الأقارب لحظ النفس، إذا كان لحظ النفس فالهجر ممنوع، لكن إذا كان الهجر لله وللرسول فهذا الهجر مشروع وبيأتي الكلام عليه.
وقال النووي في «شرح مسلم» (ج 16 ص317): (قال العلماء في هذا الحديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث وإباحتها في الثلاث الأول بنص الحديث والثاني بفهمه)، انتهى كلامه.
وهذا قول الحافظ النووي تحريم الهجر بين المسلمين كما بيّن أهل العلم أكثر من ثلاث، وإباحتها في الثلاث الأول بنص الحديث، والثاني بفهمه.
وقال الإمام محمد بن الحسن في «الموطأ» (ص 324): (وبهذا يعني بهذه الأحاديث نأخذ لا ينبغي الهجرة بين المسلمين)، انتهى كلامه.
وهذا كذلك الإمام محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي رحمه الله تعالى، يقول: وبهذا نأخذ لا ينبغي الهجرة بين المسلمين، ما يجوز لأن الشارع حرم الهجر بين المسلمين، تجد جيران من المسلمين متهاجرين منطقة كلها مسلمين متهاجرين، أصحاب من المسلمين متهاجرين، جماعة من المسلمين متهاجرين في أقل خلاف، وهذا لا يجوز، فلا بد على أهل الإسلام أن ينتبهون لهذا الأمر فالأمر عليهم خطير، فبهجرانهم يدب بينهم الخلاف والمشاكل حتى تصل إلى المحاكم، وبهذا يؤثمون، ولهم عقاب في الدنيا قبل الآخرة، ولهم النار إذا ماتوا على هذا الهجران كما بيّنت رواية أبي داوود في «السنن» وهي: «لا هجرة فوق ثلاث فمن هجر أخاه فوق ثلاث فمات دخل النار» فلذلك لا بد أن ينتبه أهل الإسلام لهذا الأمر.
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى في «وجوب التثبت في الأخبار» (ص39): (والتهاجر إنما يقع بسبب شياطين الجن والإنس يوقعونه بين المسلمين في تشتيت جماعتهم وتفريق كلمتهم)، انتهى كلامه.
فيقول الشيخ صالح: والتهاجر إنما يقع بسبب شياطين الجن والإنس يوقعونه بين المسلمين لتشتيت جماعتهم وتفريق كلمتهم، فاعلم أن هذا الهجران والتشتيت والتشويش يقع بين المسلمين بسبب شياطين الجن والإنس فاحذرهم، لماذا؟ يشتتون جماعة المسلمين الحقيقية، ويشتتون كلمة المسلمين لكي يضعفون، فانتبه لهذا الأمر.
فتجد المسلم إذا مر على أخيه المسلم لا يسلم عليه، أو تجد الشخص إذا الأب ضرب الشخص مثلًا الابن أو البنت، أو مثلًا قطع عليه بعض النقود، أو مثلًا اختلف معه في أمر ما تجد الابن يهجر أباه، وهذا لا يجوز له، حتى لو ضربك، حتى لو غضب عليك الوالد، حتى لو حرمك من بعض الأمور التي تريدها مثلًا، فلا يجوز لك أن تهجر أباك، فإن هذا الهجر محرم، نعم إذا كان الأب مبتدعًا حزبيًا وبُيّن له، واستمر في البدعة ونشرها، فهذا له كلام سوف يأتي بعد ذلك، أما غالب الآباء الآن آباء عاديين من عوام المسلمين، وهم من المسلمين، فلا يجوز هجرانهم.
أو يهجر زميله لأجل خلاف، فهذا لا ينبغي، فينبغي للمسلم أن يقارب إخوانه من أهل دينه، فيجب على المسلم أن يقترب إلى أناس من أهل دينه، ويتعاون معهم على البر والتقوى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة:2]، هذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة بهذا الدليل من القرآن، لا بد أن نتعاون ونجتمع على نشر الدعوة السلفية في جميع العالم نشرها، فهذا أصل عظيم قلّ من يفهمه في مسألة نشر الدعوة السلفية لأن الدعوة السلفية هي دعوة الكتاب والسنة، كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، ومن بعدهم التابعين وأتباع التابعين، وهكذا إلى يومنا هذا، قام بها أهل العلم كالشيخ عبد العزيز باز رحمه الله تعالى، والشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى، والشيخ محمد صالح بن العثيمين حفظه الله تعالى، والشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى وهكذا.
فلا بد أن نتعاون مع أهل العلم هؤلاء على القيام بنشر الدعوة السلفية، بنشر الدعوة السلفية يجتمع أهل الإسلام على الألفة والمحبة، بدون الدعوة السلفية يكون التقاطع والتدابر والتهاجر بين المسلمين لأنه يكونون شذر مذر، ومعنى شذر مذر يعني يختلفون في لغة العرب ويفترقون لأنه يكونون أحزابًا وجماعات، هذا يكفر هذا، وهذا يفسق هذا، وهذا يضلل هذا وهكذا، ما في ضابط بين المسلمين، ما في أصل بين المسلمين، فيتدابرون ويتقاطعون لأن دعوات كثيرة واتجاهات كثيرة وأحزاب كثيرة بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها في حديث عبد الله بن عمر بن العاص، وهو حديث حسن أخرجه الترمذي في «سننه»، والآجري في «الشريعة»، واللالكائي في «الاعتقاد،» والحاكم في «المستدرك»، وله شواهد كثيرة كحديث سعد بن أبي وقّاص، وحديث معاوية، وحديث أنس.
وهذا الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار، وسوف تفترق أمتي على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: ما عليه أنا اليوم وأصحابي».
فالثنتين وسبعين فرقة من هذه الأمة تقاطعت وتدابرت وتهاجرت وتحزبت؛ فافترقت، فكان مصيرها النار، أما واحدة لا اجتمعت وتعاونت وكانت على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، على ما كان السلف الصالح فنجوا، ودخلوا الجنة، وكانوا متحابين متوادين غير متهاجرين، فكانت هي الطائفة المنصورة، وهم أهل الحديث، وهم أهل الأثر، وهم السلفيون، وهم أهل الغربة، فهذه أسماء واحدة في جماعة واحدة.
فإذا أردنا أن تجتمع الأمة على الكتاب وعلى السنة فندعو الناس الآن بالدعوة السلفية الدعوة الأثرية على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف، على طريقة أهل الحديث، أهل الأثر الذين مدحهم النبي صلى الله عليه وسلم أهل الأثر، عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم «من هم الطائفة المنصورة» في حديث أبي هريرة وهو حديث حسن أخرجه أحمد في «المسند»، وأبو نعيم في «الحلية»؛ بإسناد حسن فسُئل قال: «أنا ومن معي» يعني الرسول والصحابة ثم قيل: «من يا رسول الله؟ قال: الذين على الأثر» أي الذين يتبعون السنة ويقومون بها ويدعون إلى السنة والأثر، ثم قيل: «من يا رسول الله؟ قال: الذين على الأثر»، ثم رفض ما بقي من الجماعات الإسلامية، ثم رفض الرسول صلى الله عليه وسلم الجماعات الحزبية لأن هؤلاء يؤصلون الهجر بين المسلمين، ويؤصلون التدابر والعياذ بالله بين المسلمين، ويؤصلون التقاطع بين المسلمين، فلا تذهب معهم لأنه يؤصلون فيك أمور محرمة من الهجر وغيره.
فإذا ذهبت إلى الجماعة الحزبية الإسلامية سوف تهجر أخوك المسلم السلفي، لعلك تهجر أخاك، تهجر أبوك؛ لأن هذه الجماعة الحزبية يؤصلون فيك الهجر المحرم والعياذ بالله، ويأتي الكلام بالتفصيل على هذا الأمر، فينبغي كما قلنا للمسلمين أن يقارب إخوانه من أهل دينه، ويؤالفهم، ويودهم، ويتحبب إليهم بكل ما يمكنه، ويبرهم ولا يؤذي أحدًا منهم، ولا يجرحه، ولا يخاطبه بما يكره، ولا يلمزه، ولا يهمزه، ولا يسخر منه، ولا يضحك غيره منه، ولا يغتابه، ولا يرضى من أحد أن يغتاب عنده، ولا يفشي له سرًا، ولا يتبع له عورة، ولا يفسد عليه حالًا صالحًا قد رضيها لنفسه، وسكن إليها قلبه، ولما كان هذا الأصل الذي ينبغي أن يكون عليه المسلمون كان الهجر ممنوعًا.
وجاءت النصوص الشرعية تترا في الزجر عنه وعن التباغض والتحاسد والتدابر، فلا بد أن يكون المسلم هكذا لا يلمز أخوه المسلم، ولا يغتاب أخوه المسلم، ولا يضحِك غيره، ولا يفسد عليه أمرًا يذهب يشوش عليه هنا وهناك، يشوش عليه مثلًا زوجته، أو يشوش عليه والده أو أمه أو جيرانه أو يشوش عليه صديقه، فهذا يدب التدابر بين المسلمين والحقد والبغضاء والكره، وهذا أمر محرم وأهل الإسلام وقعوا في هذا الأمر المحرم، فلا بد أن نبتعد عن هذه الأمور.
وبيّنا في الأحاديث التي سلفت الزجر والنهي من الشارع أن يقع أهل الإسلام في الهجر، وقال ابن حجر في «الفتح»: (ظهر الخبر في إباحة ذلك) يعني الهجر في ثلاثة أيام فقط، إذا تخاصم مسلم مع مسلم له الإباحة ثلاثة أيام فقط، وهو من الرفق، الإسلام والله سبحانه وتعالى رفق بالإنسان هذا، الإنسان هذا ضعيف فإذا اختلف مع زميله تجد الشخص يهجر أخوه المسلم لأنه ضعيف؛ لأنه من طبعه الغضب، الإنسان من طبعه الغضب وسوء خلق ونحو ذلك، فلذلك ترك الشارع ثلاثة أيام له لكي يعود عقله له؛ لكي يبرد الغضب، يترك الغضب، بعد ذلك تجد المسلم هذا يرجع لأخوه المسلم.
يقول الحافظ بن حجر: (والغالب أنه يزول أو يقل في الثلاثة أيام)، انتهى كلامه، فالآدمي هذا ضعيف في طبعه، فيغضب فيختلف مع أخيه المسلم فيهجره، جعل له الشارع ثلاثة أيام إلى أن يعود، بعد ثلاثة أيام يأثم، وأفضل مسلم الذي يسلم على أخوه المسلم.
ونعني بالهجر الممنوع أو المحرم ترك الشخص مكالمة الآخر إذا تلاقيا، ومفارقة كلام أخيه المؤمن، وإعراض كل واحد منهما عن صاحبه عند الاجتماع، وترك السلام والكلام عند الملاقاة ونحو ذلك، فالإسلام بيّن هذا الأمر أن الإنسان يسلم على أخيه المسلم ويجالس أخوه المسلم، وهكذا، وانظر في هذا الكلام: «العمدة في شرح صحيح البخاري» للعيني (ج22 ص141)، وَ«فتح الباري» لابن حجر (ج10 ص492).
قال الإمام مالك رحمه الله تعالى في «المُوَطَّأِ» (ج2 ص907): (لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن أخيك المسلم فتدبر عنه بوجهك)، فإذا لقيك أخوك المسلم سلم عليه وجالسه، وواكله، واشرب عنده، وزره فهذا هو الأصل في الإسلام، وهذا هو الاجتماع، وهذه هي الألفة والمحبة.
وكيف المسلم يحصن نفسه من الهجر؟ كيف لا يهجر؟.
من الأمور التي تحفظ المسلمين من الهجر بعضهم مع بعض لا بد ترك الجماعات الحزبية كحزب التحرير، وكحزب الإخوان المسلمين، وكحزب القطبيين، وكحزب السروريين، وحزب التراثيين، وغير ذلك من الجماعات الحزبية وأهل التحزب لماذا؟ لأن هؤلاء يعلمون المسلمين على الشحناء والبغضاء، ويعلمون المسلمين على الهجر بعضهم مع بعض، بل رؤوس هذه الجماعات يعلمون أشياعهم وأتباعهم على هجر أهل الحق، وعلى هجر حلقات أهل الحق، وعلى هجر كتب أهل الحق، وعلى هجر أشرطة أهل الحق، فلا بد أن تحذر هؤلاء، فإذا وقعت معهم يعلمونك على هجر المسلمين وخاصة هجر السلفيين، فلذلك لا بد أن تحذر هذا الأمر لكي تنجو من الهجر المحرم.
ولا يكون الهجر إلا بوجود شحناء في القلب كحال المبتدع يبغضك ويحقد عليك؛ فيهجرك، وكذلك الجاهل يحقد عليك فيهجرك، وكذلك الحزبي يحقد عليك في قلبه ويهجرك، فلذلك يجب عليك أن تحذر هؤلاء لكي لا تقع في الهجر، بل قد يكون من هؤلاء الحزبية حقد وغل في قلوبهم على طلبة العلم المتمكنين السلفيين، وحقد على أتباعهم، فيأمرونك بهجر هؤلاء، وهذا لا يجوز هجر أهل الحق، ولا يجوز هجر حلقة أهل الحق من فقه وتوحيد وعقيدة وحديث وآداب وأخلاق.
ما يجوز للمسلم أن يهجر حلقة أهل العلم الربانيين، فلذلك هؤلاء يعلمونك بهجر الحلقات العلمية، بهجر كتب الشيخ ابن باز مثلًا، أو الشيخ ناصر الدين الألباني مثلًا، أو الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وهكذا، ويأمرونك بقراءة كتب رؤوسهم كسيد قطب، أو حسن البنا، أو محمد سرور، أو عبد الرحمن عبد الخالق، أو عدنان عرعور، أو غير هؤلاء من رؤوس الأحزاب، يأمرونك بقراءة كتب هؤلاء، وسماع أشرطة هؤلاء، فيجب عليك هجر كتب هؤلاء الحزبية، وأشرطة الحزبية، وجرائد الحزبية، ومجلات الحزبية كمجلة السنة يجب هجرها، وكذلك مجلة البيان يجب هجرها وهكذا.
فانتبه لهذا الأمر جدًا لكي تحفظ الأخوة الإسلامية، وتحفظ الألفة الإسلامية الصحيحة، والاجتماع الصحيح الذي يكون على الكتاب وعلى السنة، فإذا ذهبت مع هؤلاء المبتدعة يأمرونك بأن تبادر بهجر حلقات أهل العلم المنهجية وأنشطتهم وكتبهم وأشرطتهم، يأمرونك بهجر أنشطة السلفيين، فعليك أن تتعاون مع السلفيين، ومع عموم المسلمين، هذا هو الأصل.
لماذا يهجرونك هؤلاء الحزبية وذنبك رغبتك عن طريقتهم الوخيمة، وسيرتهم الذميمة؟ فلا تغتر بكثرة هذا الضرب، فإن الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون شخص واحد من طلبة العلم، والواحد من طلبة العلم يعدل ملء الأرض أو الأرض منهم، فلا تغتر بكثرة هؤلاء، ولا كثرة أنشطة هؤلاء، فتغتر فتذهب معهم، فيعلمونك على هجر المسلمين، ويعلمونك على التدابر بين المسلمين، والتقاطع بين المسلمين، فوقعت في المحرم ووقعت في المحظور وأثمت، فعليك أن تهجر هؤلاء وتتعاون مع أهل الحق، ومع طلبة العلم على الكتاب وعلى السنة، إذًا فالهجر أي هجر الحزبية بهذا الصفة من الهجر الممنوع لأنهم يهجرون حلقات أهل العلم.
قال الشيخ صالح الفوزان في «وجوب التثبت في الأخبار» (ص38): (وأما هجر المؤمن المستقيم؛ فهذا حرام إذا لم تصدر منه معصية، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التدابر والتقاطع). انتهى كلامه.
انظر ماذا يقول الشيخ صالح الفوزان: وأما هجر المؤمن المستقيم فهو حرام، فهجر السلفيين حرام، أهل الحديث حرام، هجر عموم المسلمين حرام ما يجوز، فلا يجوز هجر المسلم المستقيم، فلذلك هؤلاء الحزبية يهجرون المسلم المستقيم، ويحذرونك منه ويأمرونك بهجره، وهكذا، وهذا لعله عند بعض الإخوان معروف، فلا يأمرونك بهجر الشخص المستقيم.
ولذلك أقول لك دع الحزبيين في صحبتك، فليس لك منهم مالًا ولا علم، إخوان العلانية أعداء السر إذا لقوك تملقوا لك، وإذا غبت عنهم سلقوك بألسنة حداد، من أتاك منهم كان عليك جاسوسًا وإذا خرج كان عليك مشوشًا، أهل الاختلاف، وأهل غيبة ونميمة وغل وحقد وغش وخديعة وخيانة وهجر، لا تغتروا باجتماعهم، يعني اجتماع الحزبيين تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى، لكن الاجتماع ليس مجرد الجمع، لا بد أن يكون اجتماع على الكتاب وعلى السنة، هذا هو الاجتماع الصحيح.
فلذلك هؤلاء يشوشون عليك، فما غرضهم العلم، ليس غرض هؤلاء العلم، بل الشهرة وحب الظهور والدعاية والمال، وجمع التبرعات وحب التزعم والرئاسة، يتخذونك سلما إذا عملت معهم على تكثير سوادهم، وحمارًا إلى حاجتهم، إن عارضتهم كانوا أشدوا الأعداء إليك، ويرون حقًا واجبًا عليك فعل باطلهم، وطاعتهم في الصواب والخطأ، ويعرضون عنك إن بذلت نصحك ودينك لهم، يجب عندهم أن تعادي عدوهم وإن كان محقًا، وأن تنصر رؤوسهم الجهلة، وتوالي حزبهم وتمدح لهم أصاغرهم أهل التعالم وأنت فقيهًا من طلبة العلم، إذا اتبعتهم أنت فقيه وتكون لهم تابعًا خسيسًا بعد أن كنت طالب علم حبيبًا.
فاقطع مودة الحزبية ولا تلازمهم فيها نجاة للمسلم الحق، فالذي يأمر الناس بهجر المسلم، أو يأمر الناس بهجر المسلم المستقيم هذا الذي يأمر بالهجر هذا أحمق، فلا تصاحب الأحمق فيعاديك، ويوقعك في المحرمات والممنوعات والمحظورات، فلا تصاحب هذا الحزبي الأحمق لأنه يعلمك على الهجر الممنوع هجر أهل الاستقامة، أهل الاتباع، أو رجل يأمرك بهجر أبيك أو بأمك، أو يأمرك بهجر صديقك أو جيرانك؛ فهذا أحمق لا تصاحب الأحمق.
ولذلك السلف الصالح حذروا من صحبة الأحمق هذا، خاصة المبتدع والحزبي حذروا منهما وعن مخالطتهم عن ابن طاووس قال: «أن رجلًا كان يسير مع طاووس فسمع غرابًا ينعب فقال خير، الرجل قال عندما رأى هذا الغراب قال خير، فقال طاووس: أي خير عند هذا أو شر يعني عند الغراب، أي خير عند الغراب وشر؟ فقال طاووس: لا تصاحبني، أو قال: لا تمشي معي»، رواه الذهبي في «السير»؛ بإسناد صحيح، فهذا طاووس يقول للرجل أحمق لا تصاحبني ولا تمشي معي، ما دام هذا كلامه أي خير عند الغراب وأي شر عند الغراب، وهو عندما رأى هذا الغراب قال خير.
وعن أصرم قال: «اقطع حب مودة الأحمق، فليس للأحمق شيء خير من الهجران»، رواه الطبراني في «المُعْجَمِ الكَبِيرِ»، فهجرانك للأحمق هجران شرعي مطلوب أن تهجره لكي لا يعاديك ويفسدك ويخربك، فعليك أن تترك هذا الحزبي وهذا المبتدع لكي لا يعاديك.
قال ابن حبان في «روضة العقلاء» (ص118): (والواجب على العاقل ترك صحبة الأحمق، ومجانبة معاشرة النوكى -يعني الحمقى- كما يجب عليه لزوم صحبة العاقل الأريب وعشرة الفطن اللبيب لأن العاقل وإن لم يصيبك الحظ من عقله أصابك الاعتبار بِهِ)، انتهى كلامه.
فهذا ابن حبان يقول يجب عليك ألا تصاحب الأحمق، لكن صاحب الصاحب العاقل، المتخذ هذا الدين من الكتاب والسنة، فالأصل هجر الحمقى الحزبية من الإخوان المسلمين والقطبيين والسروريين والتبليغيين والتراثيين والصوفيين وغيرهم؛ لأن هؤلاء حمقى يعلمونك على التدابر والتقاطع والتهاجر.
فهؤلاء السلف كانوا يحذرون من الحمقى، فصفة الهجر من صفة المشركين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء السلف الآن يحذرون من الحمقى، وسوف نبين الآن أن صفة الهجر من صفات والعياذ بالله المشركين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعلن الإسلام، فطلبوا قريش من الناس أن يهجروا النبي صلى الله عليه وسلم وأن يهجروا الصحابة وبيأتي الكلام على ذلك.
فهذه الصفة والعياذ بالله من صفات المشركين كما أسلفت من قليل للنبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما صدع بالحق بالإسلام أمر الرؤوس صناديد قريش بهجر النبي صلى الله عليه وسلم وهجر الصحابة، فلذلك أنت إذا صدعت بالحق في هذا الزمان، وبينت الحق، وبينت أمر أهل البدع وأهل التحزب عن الجماعات فلا بد هؤلاء أن يأمروا الناس بهجرك، فهذه الصفة والعياذ بالله صفة الهجر من صفات المشركين فلا تقع في هذه الصفة المذمومة.
وإليك الدليل في هذا:
قال أبو جهل عندما النبي صلى الله عليه وسلم بيّن الإسلام وصدع بالحق قال أبو جهل: «والله يا عتبة من ربيعة ما حسبنا إلا أنك صبأت إلى محمد عندما سمع شيئًا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الإسلام، ما حسبنا إلا أنك صبأت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن محمد، فغضب يعني عتبة غضب عندما قال له أبو جهل هذا الكلام، قال عتبة: وأقسم بالله لا أكلم محمدًا أبدًا»، هذا الحديث رواه البيهقي في «دلائل النبوة»، وعبد الرزاق في «المصنف»، وهو حديث حسن.
فإذًا عندنا الآن عتبة عندما عوتب في هذا الأمر أقسم بالله ألا يكلم النبي صلى الله عليه وسلم يعني يهجر النبي صلى الله عليه وسلم، وعتبة مشرك من المشركين فهجر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز هجر النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط متصافيين يعني صفاء فيما بينهم، فكان عقبة قد جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عقبة جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه الإسلام، فبلغ ذلك أبيًا، فعرف أبي أن عقبة بن أبي معيط جلس شيئًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأتى عقبة، يعني أبي جاء إلى عقبة، فقال: "وجهي من وجهك حرام"؛ يعني أبي قال لعقبة: لا أكلمك وأهجرك، ولقياك والجلوس معك حرام، يعني يأمر بهجر عقبة، أبي يقول لعقبة: سوف أهجرك ولا أريد أن أكلمك لأنك جلست مع محمد، "وجهي من وجهك حرام ألا أكلمك إن أنت جلست إليه، إن أنت جلست إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو سمعت منه"، فهذا حديث حسن، فأبي يهدد عقبة إن جلس إليه لا يكلمه، أو سمع منه يهجره، فهذه صفة من صفات المشركين.
فلذلك أنت إذا جلست مع السلفيين، أو جلست مع أهل الحق الحزبية يأمرونك بهجر هذه الحلقات، يأمرونك بترك هذه الحلقات، أو يقول لك الحزبي: إن جلست مع فلان السلفي لا أكلمك وأهجرك، أو تجده إذا أنت جلست مع سلفي تجد الحزبي يعرض عنك ويهجرك؛ فهذا واضح وبيّن من هؤلاء، فلا تسمع هذا الكلام، وإن هجرك أهجره إلا حزبي، فهذه الصفة من صفات المشركين، فلا تقع فيها.
فأقسم عتبة على هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرًا دائما لإرضاء إخوانه الفجار، وأن أبيًا أقسم واستغلظ في يمينه على هجر عقبة إن أسلم أو جلس أو سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك حصل مع الطفيل بن عمرو الدوسي عندما حذره مشركو قريش من مكالمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قال الطفيل: «فوالله ما زالوا يكلمونني أن أسمع منه حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني»، رواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى»، وَانْظُرْ: «سير أعلام النبلاء» للذهبي، أنت انظر كيف يهددون الذي يجلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجران، فلا تتصف بهذه الصفة.
وهذا أبو أحيحة من المشركين عندما علم بإسلام ابنه خالد بن سعيد بن العاص شتمه وهجره، يعني الأب هذا المشرك عندما رأى ابنه خالد أسلم وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هجره، رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى، وأبو أحيحة لم يجد حيلة في ابنه الذي أسلم إلا أن يهجره ويأمر أخوته بهجره، هكذا يفعل الآن الحزبية إذا جئت مع السلفيين وأصبحت سلفيًا يأمرون أتباعهم بهجرانك ونبذك، ويحذرون منك، فاحذر هؤلاء؛ لأنه والعياذ بالله هذه الصفة من صفات المشركين، فلا يجوز لأي مسلم أن يتشبه بهذه الصفة، أو يتشبه بالمشركين.
وقد هجر صفوان بن أمية المشرك عمير بن وهب عندما علم بخبر إسلامه، عندما أسلم عمير ودرى وعرف صفوان بن أمية المشرك بأن عمير قد أسلم قال صفوان: «لله علي لا أكلمك أبدًا، ولا أنفعك بشيء» شوف هجره، فلا تتصف يا أخي المسلم بهذه الصفة الخبيثة الهجران، تهجر إخوانك المسلمين، تهجر أهل الاستقامة، رواه الطبراني في المعجم الكبير وابن إسحاق في السير.
فتبين أن الهجر من صفات المشركين، وقد حرمه الله بين المسلمين، بل جعله الشرع من الكبائر الموجبة للنار، ولم يرخص للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث.
إذًا هجر الحزبيين من القطبيين والسروريين والإخوان المسلمين وغيرهم هجر محرم للإسلام وللمسلمين، وهجر العلماء وهجر طلبة العلم ويأمرون الناس بهجرهم؛ فهذا من الأمور المحرمة، فهذا هو الهجر الممنوع.
ولماذا الشارع حرمه؟ تكلمنا أن ليس فيه مصلحة شرعية، فلذلك حرمه الشارع لأن فيه مفسدة كبيرة بين المسلمين، وتكلمت أنا عن هذا الأمر باختصار، وإلا الكلام طويل، وممكن بعد ذلك يترجم هذا البحث أو هذه المذكرة وتوزع.