الرئيسية / أحكام الهجرة / الجزء (7) من أحكام الهجرة: تتمة الأحاديث الواردة في الهجرة - للمحدّث العلامة الفقيه فوزي الأثري حفظه الله
2024-04-21
الجزء (7) من أحكام الهجرة: تتمة الأحاديث الواردة في الهجرة - للمحدّث العلامة الفقيه فوزي الأثري حفظه الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وما زلنا في تبيين أحكام الهجرة من السنة النبوية، وبيّنا في الدروس التي سلفت أن هذه الهجرة ثبتت في القرآن الكريم والسنة النبوية والآثار الصحابية والأقوال السلفية.
وبيّنا أن هذه الهجرة شرعها الأنبياء والرسل والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة رَضِي اللهُ عَنْهُم.
فالأنبياء هاجروا والرسل هاجروا والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هاجر، وكذلك الصحابة هاجروا رجالًا ونساءً، وهذا يدل على أهمية هذه الهجرة لجميع الناس.
* فمنهم من يهاجر بنفسه، وهذا أمر الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى، وكذلك أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يهجر الناس المعاصي والمحرمات والكفر والشرك والفسوق والعصيان، كل هذه من الهجرة، فيوجد هجرة حسية ويوجد هجرة معنوية، وبينت لكم هذا الأمر.
هجران أهل البدع- هذا أمر الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى في القرآن وأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السنة وهو منهج الصحابة رَضِي اللهُ عَنْهُم، فالهجرة مفيدة لكل مسلم.
وما زلنا كما قلت لكم نُبين أحكام الهجرة من السنة النبوية.
فعندنا حديث ابن عباس رَضِي اللهُ عَنْهُما قال: قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «لَا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ»...إلخ الحديث، وهذا الحديث أخرجه البخاري في ((صحيحه))، ومسلم في ((صحيحه)).
فبيّن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح، «لَا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ»، يعني: الهجرة من مكة، لا هجرة- لا: نافية، لكن بالنسبة لمكة، لماذا؟ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتحها والصحابة رَضِي اللهُ عَنْهُم فتحوها مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأصبحت دار إسلام.
والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طهَّر مكة من الشرك والمشركين والأصنام وغير ذلك فأصبحت محض منطقة إسلامية، فلا هجرة من مكة، وإلا الهجرة باقية كما بينت لكم وبيّن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الأمر، وللناس أن يهاجروا على حسبهم رجالًا ونساءً.
فمن أراد النجاة والأمن والأمان وإصابة السنة ومعية الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى تنزل له فإذا ضاق صدره في بلده من كثرة البدع مثلًا أو الضلالات أو المعاصي أو المحرمات أو غير ذلك فله أن يهاجر إذا تمكن وإذا تيسرت له الهجرة، فهذا يبشر بكل خير.
وعندنا كذلك حديث أنس بن مالك رَضِي اللهُ عَنْهُ، وهذا الحديث أخرجه البخاري في ((صحيحه))، ومسلم في ((صحيحه))، قال أنس: «قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي»، يعني: ثمن يريد يشتري حائطهم.
* «بِحَائِطِكُمْ هَذَا. قَالُوا: لَا وَاللهِ، لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ»، انظر الصحابة- ما قالوا: والله مستقبل أولادي ولابد أن أبقي لهم شيء وكذا وكذا، هذا مسجد ونصر الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى ونصر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونصر الإسلام.
فلابد من التضحية والإنفاق، كلٌ على قدر استطاعته، فلا يمتنع الشخص من الإنفاق، لأن الإنفاق في الإسلام أمره عظيم.
ولذلك انظر كيف قام دين النصارى؟ بالإنفاق، ينفقون عليه وهو دين باطل، ويفعلون له المستحيلات ويهاجرون ويدعون، حتى نساؤهم يذهبن ويدعون إلى النصرانية ويطبعون هذا الإنجيل بكميات كبيرة يوزعونها.
والرجال والبنات والأبناء يدعون إلى الدين النصراني وينفقون عليه كما ترون الملايين ليضلوا الناس، عمارات، فنادق، مطاعم، صالات، أشياء كثيرة، مجمعات، جمعيات، والقوم كما ترون محلك سر إلا من رحم الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى، وإذا أنفقوا فإنهم ينفقون على أهل البدع، ويفعلون عمارات لأهل البدع دعاة الضلالة.
فعلى أهل السنة من ينفق؟ إلا من رحم الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى، فلذلك انظر قالوا: لا يوجد ثمن بل هو لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى، وهذه إلحاق مساحة وأرض.
* «فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ، قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ، وَفِيهِ نَخْلٌ»، فانظر الأشياء التي فيه، يعني: مقبرة كبيرة، وفيه بعد بيوت وأشياء خراب فحائط كبير، وفيه نخل- يعني: النخل لا يخفى عليكم يكون نخل كبير جدًا، ولا سمعنا نحن أحد يعطي نخل إلا لأهل البدع.
وقف لأهل البدع يلعبون في الأموال، لا يوجد أحد يأتي ويقول: هذا لأهل السنة أرض أو نخل أو شيء، فانظر إلى صحابة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زراعة كبيرة من النخيل تعرفون، لابد أن تكون في مساحة كبيرة.
وانظر في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وابتداءً، يعني: صعب الشخص يُفرط في مثل هذا الحائط- أرض كبيرة وبيوت كبيرة مساحتها كبيرة لكنها خراب ونخيل، ومع هذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد أن يشتري هذا الحائط، ومع هذا قالوا: هي لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى.
* ثم يقول بعد ذلك أنس: «فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ»، قبور المشركين نُبشت- يعني: يجوز نبش قبور المشركين، ينبشونه ويسوون بنايات ويسوون أشياء، لأنهم ليس لهم حُرمة أصلًا.
فلذلك: «فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ»، هذا البناء الخَرِب كله هدم وسوي صار أرض.
* «وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ»، والنخيل قُطعت، وهذا أكيد فيه مشقة ليس كما هو الآن، تهدم شيء أو تزيل النخيل أو تنبش القبور، يوجد آلات ويوجد أشياء كثيرة حديثة، فيوجد مشقة، ومع هذا فعلوا الصحابة هذا الأمر وتعاونوا، فهذا مسجد عظيم كما لا يخفى عليكم.
* «فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الْآخِرَة، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَة»، وهذا الحديث أخرجه البخاري في ((صحيحه))، ومسلم في ((صحيحه)).
فلذلك هذا الأمر كما ترون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا للأنصار والمهاجرة، وهذه من الأحاديث التي تُبين عن الهجرة.
وكذلك حديث سعد بن أبي وقاص رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي»، إلى أن قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ»، وهذا الحديث أخرجه البخاري في ((صحيحه))، ومسلم في ((صحيحه)).
فالهجرة أمرها عظيم، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشجع الصحابة المهاجرين على هذا الأمر ويدعوا لهم.
وكذلك حديث عائشة رَضِي اللهُ عَنْهُا زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: «كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَمْتَحِنُهُنَّ»، وهذا الحديث أخرجه البخاري في ((صحيحه))، ومسلم في ((صحيحه)).
فحتى أن النساء يهاجرن وهاجرن، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمتحن المرأة إذا جاءت والنسوة إذا جئن على إيمانهن، ثم يبايعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك، وهذا الأمر – مسألة الهجرة - ثابت في القرآن والسنة والآثار.
فلا بأس للنسوة أن يهاجرن في هذا الزمان إذا تمكن من الهجرة، فلا بأس أن تهاجر المرأة حتى بدون محرم إذا ما عندها مادام في بلدها الفسق والفجور وأشياء كثيرة ما تتحمل.
وكذلك تحتاج إلى أمور أخرى من هذه الحياة فتجد في بلد آخر مثل اللاتي يسلمن مثلًا في أمريكا وأوروبا أو أي مكان من هذه البلدان، ما عندها أحد عائلتها نصارى، يهود، مجوس، أو غيره، فلا بأس أن تهاجر، ولا يقال: أنه لابد أن تهاجر بمحرم، من أين تأتي بالمحرم؟
ممكن يقول بهذا المقلد والمقلدة والمتشددة في هذه الأمور، فلذلك فلا بأس أن تهاجر بلا محرم ضرورةً وحاجةً في ذلك.
وكذلك حديث عبد الله بن سعدي رَضِي اللهُ عَنْهُ، وبيّنا هذا الحديث في الجزء الأول من أحكام الهجرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا دام الْعَدُوُّ يُقاتِل».
وبيّن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك أن الهجرة خصلتان:
أحدهما: أن تهجر السيئات، فمن الهجرة أن تهجر السيئات، المحرمات، المعاصي.
والأخرى: أن تهاجر إلى الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
* ولا تنقطع الهجرة ما تُقُبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولةً حتى تطلع الشمس من المغرب، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند وغيره وهو حديث حسن.
فهذه باختصار أحاديث الهجرة.
ولعل إن شاء الله نتكلم عن الآثار- آثار الصحابة في الهجرة، وإن كان بيَّنا بعض الآثار مع الأحاديث النبوية في الهجرة.