الرئيسية / أحكام الهجرة / الجزء (1) من أحكام الهجرة: مقدمة في أحكام الهجرة - تعريف الهجرة لغة واصطلاحاً -حكم الهجرة -أنواع الهجرة- للمحدّث العلامة الفقيه فوزي الأثري حفظه الله
2024-04-15
الجزء (1) من أحكام الهجرة: مقدمة في أحكام الهجرة - تعريف الهجرة لغة واصطلاحاً -حكم الهجرة -أنواع الهجرة- للمحدّث العلامة الفقيه فوزي الأثري حفظه الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولعل في هذا الدرس نتكلم عن أحكام الهجرة، وذلك لأهمية أحكام الهجرة للمسلمين.
وذلك لا يخفى عليكم خاصة في هذا الزمان أناس كثُر من المسلمين يهاجرون، المئات والأُلوف والملايين، وهؤلاء أكثرهم لا يعرفون شيئًا من أحكام الهجرة، والأحكام في الهجرة مهمة جدًا لهم، وهذا يدل على قِلة العلم كما بيَّن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفِشو الجهل.
والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيَّن كذلك بالنسبة أن هذا الإسلام بدأ غريب ويعود غريبًا كما بدأ، فإذا يعود غريب يعني أحكام الإسلام غريبة عند الناس، غريب عند المسلمين لأنهم يجهلون أشياء كثيرة.
فأحكام الدين في الأصول والفروع أكثر المسلمين جُهَّال فيها، في أحكام الصلاة، أحكام الصيام، أحكام الحج، أحكام الزكاة، أحكام الدعوة، أحكام التوحيد، أحكام العقيدة، أحكام الهجرة، وغير ذلك من الأحكام، لماذا؟
* لأن الإسلام يعود غريب، وأكثر الناس كما ترون أعرضوا عن طلب العلم فكيف يعلمون؟! فلابد أن يجهلون هذا الأمر.
وكذلك الهجرة مهمة جدًا، وأكبر دليل أن القرآن أكْثَرَ من أحكام الهجرة، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكْثَرَ من أحكام الهجرة.
وبين القرآن عن المهاجرين كثيرًا وبين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما دام الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى أوجب الهجرة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى المسلمين في مكة في الصدر الأول؛ فلابد أن يحتاج إليها الناس في آخر الزمان، كما احتاجوا إليها في أول الإسلام؛ فلابد أن يحتاجون إليها في آخر الإسلام.
* لأن سوف يأتي زمان كما ثبت في ((صحيح مسلم)) من حديث أنس بن مالك رَضِي اللهُ عَنْهُ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللهُ اللهُ»، فيأتي زمان لا يوجد أحد يقول: الله، ولا يقول: لا إله إلا الله، وتقوم الساعة على شرار الناس.
والناس يحتاجون إلى هذه الأحكام، ليس فقط أحكام الهجرة أو أحكام مسائل الإيمان أو أحكام الأسماء والصفات، فالناس يحتاجون إلى جميع أحكام الدين الكبرى والصغرى، الأصول والفروع، أحكام الآداب، أحكام الأخلاق، فيحتاجون إلى كل شيء، لماذا؟.
* لأن سعادة الناس في معرفة أحكام الدين جملةً وتفصيلًا، لا يوجد أحد يعلم شيء ويجهل شيء أو يأخذ شيء ويترك شيء أو يقبل على شيء ويعرض عن شيء، ما يصير هذا الأمر، فهذا العبد على حسبه وإقباله في الدين يسعد في دنياه.
على حسب إقباله على الدين، ولا يخفى عليكم أن الناس يتفاضلون في الإيمان، لماذا يتفاضلون في الإيمان؟ هذا إيمانه قوي، وهذا أدنى من ذلك، ويوجد أُناس من المسلمين إيمانهم على قدر الذرة، يعني: هذا إيمانه ضعيف، لماذا وصل هذا الموصل؟.
* لأن هذا مُعرض ممكن عنده الصلاة وشيئًا من الدين فقط، كذلك الذي إيمانه قوي فهذا أخذ هذا الإسلام بقوة، فلابد أن نأخذ الكتاب بقوة ونصبر على ذلك، ولابد من طلب العلم والاجتهاد في طلب العلم، فعلى قدر اجتهاد العبد في طلب العلم؛ على قدر ما يحصل من الإيمان.
ما يحصل من الإيمان، فأنتم تقولون: اجتهدوا حق الدرهم والدينار، لماذا؟ لكي تحصل على منصب، تحصل على راتب أكثر، تصير مدير، تصير وكيل، تصير كذا، كل الناس يقولون هكذا، إذن هيا اجتهدوا في الدين كذلك.
فالناس عندهم هذا الأمر وهذا الفكر أنهم يجتهدون في الدنيا على قدر اجتهاده يصل، يرتفع راتبه، منصبه، درجته، وهكذا، طيب الدين ماذا؟
الدين كذلك هكذا على حسب اجتهاد العبد في دين الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى يحصل على قوة الإيمان، على قوة العلم، على قوة أذكاره، وهكذا.
فيحصل من الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى هذا الأمر، فالناس حصل لهم ما حصل حتى وصل الإسلام عندهم غريب، وهم ينتسبون إليه بسبب الإعراض عن طلب العلم، ما يعرفون الأحكام.
والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيَّن للناس أمر الهجرة وذلك لفائدتها العظيمة للمسلمين في هذه الحياة الدنيا إلى قيام الساعة، فلعل الشخص الآن لا يحتاج للهجرة، لعل في المستقبل ما تدري يحتاج إلى الهجرة، فلابد أن يعرف أحكام الهجرة لكي يضبط الأمور في هجرته في البلد الأخرى.
فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيَّن أمر الهجرة لفائدتها العظيمة للناس، لأن بضبط الهجرة في البلد الأخرى فيه سعادة الدنيا والآخرة ورضا الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى ودخول الجنة وحصول الأمن والأمان وبركة الرزق وحصول الأموال، وأشياء كثيرة ستأتي.
وعن ابن السعدي رَضِي اللهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ».
فالهجرة باقية، وهذا الحديث أخرجه أحمد في ((المسند)) بإسناد حسن، وكذلك أخرجه النسائي في ((السنن))، وابن حبان في ((صحيحه))، والبيهقي في ((السنن الكبرى).
وكذلك ورد عن معاوية رَضِي اللهُ عَنْهُ: عند أبي داود في ((سننه)) وغيره، وهذا الحديث حديث حسن.
* «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ»، لماذا؟ لأنها مفيدة، ويوجد أناس لا يعرفون أمر الهجرة فبقوا في بلدهم إلى أن هلكوا.
* والناس يحتاجون للهجرة لأن بالهجرة لله تعالى والإخلاص له في هذه الهجرة يحصلون على فوائد وفضائل عظيمة، منها:
تفريج الكُربات وحصول الخيرات وانشراح الصدور وحصول الأمن والأمان وفرح النفس والحصول على الكرامة والفوز بالجنة، فانظر إلى هذه الفوائد، ولابد أن تكون الهجرة لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى وبإخلاص.
انظر إلى هجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر رَضِي اللهُ عَنْهُ، ما عندهم لا مال ولا مركب ولا بيت ولا شيء، هاجر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عنده شيء، وهكذا المهاجر.
غالب المهاجرين يهاجرون وليس عندهم مال ولا سكن ولا مأوى ولا شيء، فبهجرته إلى الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى، الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى يرزقه هذه الأمور، هذه الفوائد في هذه الحياة، وكذلك في الآخرة.
وانظر بعد ذلك ما حصل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسعة بيوت وأموال يتصدق بها، وانظر إلى أبي بكر رَضِي اللهُ عَنْهُ ترك بيوته وأمواله وهاجر ما عنده شيء ما عنده مال، فانظر بعد ذلك في المدينة ماذا حصل له من المال حتى كان إمامًا للمسلمين؟.
وانظر إلى هجرة الصحابة رَضِي اللهُ عَنْهُم رجالًا ونساءً تركوا بيوتهم وأموالهم وكل شيء لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى لهذا الدين.
بعد ذلك عندما وصلوا إلى المدينة وصبروا، لابد من الصبر لابد على المهاجر هذا من إقامة دينه وطاعة الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى وإخلاصه أن يصبر على الهجرة إلى أن يحصل على ما يريد من المال وغيره.
ما يذهب عند الحزبيين، شهر، شهرين ما يرى شيء عند السلفيين ويذهب عند الحزبيين، أهذه هجرة! هذا لا يلبث إلا حتى الله يهلكه في البدع.
وهذا ظاهر لكم في الذين فروا إلى المبتدعة سواء هنا أو غير ذلك من البلدان بلدان الخليج أو في أوروبا أو أمريكا أو غير ذلك، الله أهلكهم في الذل وسلب منهم الدين والسنة وغير ذلك.
ولا ترى في أشكالهم أي تدين ولا خير، مبتدع ضال مضل، وحتى منهم من شتت الله شمله، مرة تراه هنا ومرة هناك ومرة في جزيرة العرب، مرة في أوروبا، مرة في اليمن، مثل وجدي غنيم هؤلاء مبتدعة، هؤلاء يهاجرون ينشرون البدع والفساد، فهؤلاء ما يحصلون على بركة الهجرة، وسيأتي الكلام على هؤلاء.
فالذي يريد أن يسعد بهجرته فعليه بالإخلاص والاقتداء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هجرته، والاقتداء بالصحابة رَضِي اللهُ عَنْهُم رجالًا ونساءً.
فانظر ماذا حصل للصحابة والصحابيات في المدينة من بركة الرزق والأموال والبيوت، كل شيء الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى أرجعه إليهم، بيوت أحسن من بيوتهم القديمة، أموال، حتى أن عمر رَضِي اللهُ عَنْهُ يحثوا عليهم كنوز كِسرى وقيصر ولا يَعُدْ أموال طائلة.
ولا يخفى عليكم كنوز كِسرى وقيصر، كنوز عظيمة، أموال كثيرة، كيف حصل هذا لهؤلاء؟ بصبرهم.
فمن يصيبه في بلده من قمعه وقمع دينه وعدم إظهار دينه فعليه أن يهاجر، وسيأتي الكلام لعل يقول قائل: من الذي مثلًا يأويه في بلد ما؟.
* فهذا سيأتي الكلام عليه يصبر إلى أن الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى ييسر له في بلده أو في غيره من إقامة دينه، وإقامة الدين في أي بلد الآن يسيرة الحمد لله، فحصلوا هؤلاء الرجال والنساء من الصحابة رَضِي اللهُ عَنْهُم الأموال الكثيرة وبركة الرزق بسبب الصبر والإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى، وهجرتهم كانت لله، فهكذا.
حتى مسألة الذي يهاجر لأجل الرزق، هذا مهاجر من بلده إلى بلد آخر، مثلًا: عندنا أو في بلد الحرمين أو في أي مكان في الخليج، هؤلاء لابد عليهم أن يخلصوا الهجرة لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى، ما يقول: راتبي ضعيف، أو كذا وكذا فأنت في بلدك قد لا تحصِّل فِلس ممكن، تحصل الآن مائة دينار وأكثر، اصبر كله في ولوال (اصبر ولا تكن دائماً في اعتراض).
ولذلك ما يلبث هذا حتى الكفيل يفصله، ما يصلح يطعن في الكفيل، ما يداوم عدل....وإلخ، أو يفتتن في الدنيا، في المال، فيتطلع إلى المال هنا وهناك، تطلع إلى مال المبتدعة، ما أكثر الذين هلكوا، أهذه لله! أين الإخلاص؟ أين السنة؟ أين الدين؟ أين الإسلام إذا هكذا؟.
فلابد الشخص ينظر في هجرته سيأتي بأشياء كثيرة، انظر إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة والصحابيات كيف هجرتهم؟ تعرف الفرق.
وانظر إلى هذا المصري هذا الذي كان عند الشيخ ابن باز، مهاجر يزعم من مصر وما أكثرهم المبتدعة، يأتون يطعنون في المشايخ، هؤلاء هجرتهم باطلة وكلهم آثمون ((خوارج)) مبتدعة، ((قطبية))، و((سرورية))، و((إخوانية)).
أربعة عشر سنة عند الشيخ ابن باز تحته ومع هذا يطعن في الشيخ ابن باز! حتى أن الشيخ ابن باز رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى طرده سفَّره، أهذه هجرة! هذه هجرة ليست لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى.
فهذه الأشكال كثيرة الآن ما يفهمون الهجرة، فلابد أن نُبين لهم كيف الهجرة؟ وماذا تفعل أنت في هجرتك؟ خاصة إذا أنعم الله عليك بأموال وسكن وأمن وأمان وصحبة طيبة ودين وعبادة وتعرف التوحيد وتعرف العقيدة، اشكر الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى على هذا الأمر.
لا ينحرف، كيف تنحرف؟! فهذا يدل على أنه ما يعرف أحكام الهجرة وإلا كيف انحرف؟.
* لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شكر الأنصار وأحب الأنصار ووقف مع الأنصار، لماذا؟ لأنهم وقفوا معه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا أنصارًا، حتى إن بيوتهم عدد من الصحابة الأنصار أعطوها عدد من المهاجرين، وحتى أنَّ يأتي الصحابي إلى المهاجر ويقول: عنده اثنتان زوجتان أطلق واحدة وتأخذها، هكذا وصل بهم الأمر.
* لأن المهاجر هذا لابد من إيوائه ومساعدته وإعطائه من الأموال والسكن وغير ذلك، ولابد الوقوف معه بقوة مادام هو أتى لأجل دين الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى ولإخوانه.
فانظر إلى وقوف الأنصار مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمهاجرين، بأموالهم، ببيوتهم، بكل شيء، أشياء كثيرة سيأتي ذكرها.
ومادام الهجرة هذه ما تنقطع، يعني: المهاجرون لهم وجود في كل زمان إلى قيام الساعة، يعني: في هذا الزمان الآن عندنا الحاضر يوجد مهاجرون.
كذلك مادام الهجرة موجودة والمهاجرون يهاجرون إلى المسلمين في بلدانهم، يعني: الأنصار لهم وجود كذلك، ففي هذا الزمان مهاجرون وأنصار، فأنت كن أنصاري ومن الأنصار، لماذا؟.
لكي تقتدي بالأنصار، لن تصل إلى قدر نصرة هؤلاء الصحابة وفضل الصحابة، لكن أنت تقتدي بهم وتحصل على الأجر بمناصرتك لهؤلاء المهاجرين، هذا إن كانوا طيبين، أما إن كانوا منحرفون ويفعلون أشياء وأخرى، هذه تفصل فيهم فقط في الأعمال، ما يستحون.
المفروض أن هؤلاء يخلصون، نحن نتكلم عن أن هؤلاء المهاجرون هاجروا لله وأخلصوا لله، عدد منهم ينحرف أو يعادي أو أشياء أخرى، هؤلاء لهم أمور سوف نتكلم عليها في الدروس.
فلذلك أنت كن مثل الأنصار، فيكون عدد في البلد مثل الأنصار، يتشبهون بالأنصار، يقتدون بالأنصار، لهم أجر النُصرة، المهاجرون هؤلاء يهاجرون هم يقتدون بالمهاجرين من الصحابة والصحابيات.
كذلك رجالًا ونساءً يأوون هؤلاء من المهاجرين من الرجال والنساء، فعدد من الرجال والنساء ينصرون هؤلاء بأموالهم، بدعائهم، ببيوتهم، بكل شيء يأوونهم ولا يجعلونهم هكذا، ما يحتاجون إلى شيء إلا يفعلونه لهم، لماذا؟
لكي يستطيع هؤلاء أن يقوموا بدينهم ودنياهم، فيحصلوا على الدين ويحصلوا على الدنيا.. هكذا.
فإن فعلوا المهاجرون والأنصار في هذا الزمان هكذا، هذا دليل على محبة الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى لهم إذا وفقوا للهجرة ووفقوا أناس للنصرة، فهذا دليل لهؤلاء المهاجرين من الرجال والنساء، ولهؤلاء الأنصار من الرجال والنساء دليل على محبة الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى لهم، لأن الهجرة والنصرة أمرهما عظيم عند الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى.
* لأن بذلك يقوم الدين والله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى يحب هذا الأمر، أما أن يهاجر المهاجرون ولا يوجد أحد يدري بهم ولا أحد يأويهم ولا شيء ولا يدري كل واحد في بيته وهم يحومون ولا أحد يدري عنهم، فلذلك هذا الأمر دليل على هذا الخذلان.
وكذلك بالهجرة هذه والنصرة دليل على قوة الإيمان في هؤلاء المهاجرين وفي هؤلاء الأنصار وإعلان العبودية لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى، لأن المهاجرين هؤلاء أرادوا بهجرتهم أن يعبدون الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى وحده لا شريك له.
كذلك الأنصار مرادهم أن هؤلاء يقومون بدينهم مهاجرين، صالحين، صالحات يريدون إقامة الدين، لكن لابد أن يعطوا بشيء من الدنيا، فلابد من إيوائهم والوقوف معهم، ويأتي في ذلك من الآيات.
وكذلك دليل على صلاح العبد واستقامته مادام مهاجر لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى، وهذا ناصر له لله وهذا دليل على الاستقامة وعلى الصلاح.
واعلم أن الناس في الهجرة أصناف:
* هناك أناس من بلد كاملة يهاجرون، بلد كامل يهاجرون، وهذا الأمر على البلدان الإسلامية في إيوائهم وإطعامهم ....وإلخ.
* وممكن أناس أفراد رجالًا أو نساءً يهاجرون هنا وهناك، فعلى عدد من المسلمين ينصرونهم ويأوونهم بكل شيء ما يتركونهم هكذا.
* وهناك أناس من جماعة يهاجرون، وهناك أفراد يهاجرون، أفراد من الرجال، أفراد من النسوة.
والناس يهاجرون بالمئات والأُلُف والملايين في العالم رجالًا ونساءً كما بينت لكم ولا يعرفون أحكام الهجرة، فيهاجرون بسبب أمور كثيرة في البلدان، يعني: في بلدانهم هؤلاء الناس يهاجرون من بلدانهم إلى بلدان أخرى بسبب أمور:
* أما بسبب الحروب فيهاجرون بسبب الحرب كما لا يخفى عليكم في الشام، في ليبيا، في كذا، في كذا، ومن قبل أفغانستان ....وإلخ.
* أو بسبب الرزق، يوجد أناس رجالًا ونساءً يريدون الرزق، يريدون أعمال وأشغال يشتغلون ويحصلون أموالًا، يأوون.
* أو بسبب الفسق والفجور في البلدان، ففي فسق وفجور ما يستطيعون يقيمون بدينهم، عبادتهم، حتى في المساجد كلها أهل شرك وأهل بدع، الصوفية مثلًا متمكنين من البلدان من المساجد، المساجد فيها قبور وبلاوى وأشياء أخرى.
فيضطر المتدينون الذين يخافون على دينهم ويريدون أن يقومون بدينهم ودعوتهم يهاجرون إلى بلدان يقومون بها بدينهم وطاعة الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى والدعوة إلى الله ....وإلخ.
* أو بسبب الفتن في البلد فتن كثيرة، فتن الخوارج، فتن أهل الفسق، فتن العلمانيين، فتن الشيوعيين، متمكنين يضطهدون المتدينين مثلًا، فالناس يهاجرون من هذا البلد.
* أو بسبب اضطهاد لرجل من قبل أهله أو عائلته، عندهم أفكار تخالف الدين، وهذا الشاب أو هذا الابن متدين، فيقولون: عنه رجعي، يقولون عنه: إرهابي، يقولون عنه: كذا.
فكل هذه الأشياء حاصلة، فيهاجر هذا يضطر ما عنده مأوى، يهاجر إما إلى منطقة أخرى في بلده أو إلى بلد آخر، ويوجد عوائل هكذا.
* أو بسبب اضطهاد الشباب المتدين في بلدانهم من قبل العامة، أفكار العامة شيوعية، علمانية، سياسية، فكما ترى في المساجد يقفون ضد المتدينين الملتزمين، ضد أهل السنة، فالبلد هذه ما يستطيع المتدينون أن يمكثوا فيها فيهاجرون.
* أو اضطهاد امرأة متدينة من قبل أهلها وعائلتها، وهذا كله حاصل، فيجوز لها هذه المرأة أن تهاجر وتهجرهم مادام يريدون أن تقلع الحجاب أو تُطرد أو تُضرب، هذا كل الأمور حصلت لمتدينات خاصة كل الذين في جهة الغرب، فلا تستطيع أن تقوم بدينها، فيجوز لها أن تهاجر إما في منطقة في بلدها عند أناس ثقات تعرفهم، أو تهاجر إلى بلد مثلًا: بلد الحرمين أو غير ذلك فيها الأمن والأمان والطاعة والحجاب، متيسر تهاجر.
الصحابيات هاجرن لا يخفى عليكم، وحصل لهن ما حصل من البركة والأمن والأمان والطاعات والأموال والخيرات، فيجوز أن تهاجر هذه، والنسوة يصيبهم هذا الأمر يجوز أن تهاجر، ويهاجرن وسيأتي من القرآن هذه الأمور.
* أو اضطهاد زوجة من قبل زوجها، متدينة وهو لا يصلي وفاجر وفاسق، اضطهاد وذل فيجوز أن تهاجر إلى منطقة، إلى أخرى، يعني: ما عندها أهل، فيجوز أن تهاجر، وما أكثر المهاجرات خاصة في أوروبا وفي غير ذلك هاجرن.
ومنهن من هاجرت مع زوجها؛ لأن متدينان يقومون بالإسلام والدين والطاعة حصل لهم ما حصل لهم من اضطهاد أهاليهم، وكل هذه الأمور حصل لأناس كُثُر في العالم، فهؤلاء لابد أن يعرفوا أحكام الهجرة، لأنهم يقولون: نحن الآن في ضيق وذل في بلدنا ....وإلخ.
فلابد أن يعرف أحكام الهجرة لكي يكون في أمن وأمان وفي طاعة صحيحة، ما يذهب هناك ويصير خارجي ويصير فاسق وفاجر، يعني: ما فعل شيء.
أو يأتي متدين في أي بلد، بلد الخليج مثلًا بعد ذلك يصير فاسق أو يصير مبتدع، يترك الالتزام ويترك الدين حتى يترك الصلاة، ماذا فعل هذا المهاجر؟ لو بقى في بلده أفضل له، ولو بقى في بلده افتكينا (ارتحنا) منه ومن شره.
هو جاء إلينا يسوي شر وفتنة؟! ما أكثر الاخوانية والخارجية والقطبية والسرورية والربيعية واليمنية المجرمين، كلها فتن، فعلى أي شيء هاجروا؟ على ماذا الهجرة؟ الهجرة لله ولرسوله، الهجرة فيها إخلاص.
تقوم أنت بدينك وتستفيد من الأموال كذلك ومن العلم وتفيد دينك وتفيد إسلامك وتفيد الوطن الذي تنتقل فيه، لا نفس الشيء اليمنية العصبية يهاجرون من اليمن، ونفس الشيء العصبية التي في اليمن أتوا بها إلينا، ماذا فعلتم أنتم يا المجرمين، عصبية وحقد وغل يا الحوثية.
فلابد من هذه الأمور تتضح للناس ما يهاجرون الناس هكذا، والله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى أعطى الناس عقول ليتميزوا عن البهائم، وإلا إذا لم يوجد عقول العقول هذه في الأنفس ولا يستخدمونها فنفس البهائم، {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ} [الأعراف: 179]، هؤلاء الكفار يظنون عندهم عقول لكن ما عندهم شيء.
{لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10]، يعني: لا يوجد فائدة من عقولهم هذه، فأنت لا تكون هكذا، فلابد من معرفة جميع الدين، فالناس يحتاجون لهذه الأمور.
وتعال بعد هؤلاء البحرينيين يا زعم الذين ذهبوا لقطر يتجنسون، هل على كيفكم أنتم؟ أنت مخلوق لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى ليس على كيفك تذهب تغير الجواز إلى جواز قطري، لا أنت خارجي أصلًا، نقضت البيعة، ما يجوز لك أصلًا تهاجر من بلد فيه حاكم مسلم، لابد بإذنه، ما تغير جوازك هكذا أنت خارجي أصلًا الآن، ناقض للبيعة ميتتك ميتة الجاهلية، هجرتهم هؤلاء ما فادتهم بشيء، الآن في ذل وفي قلة أموال، يعني: يد قاصرة في الأموال وغير ذلك كما ترون.
يعني: هجرتهم من هنا إلى هناك ما فيها أي فائدة، لأنها ليست لله بل لأجل الدنيا، ومن المفترض أن هؤلاء يسألون قبل أن يذهبون، أنا والله سأذهب إلى هذه البلد يجوز أن أتجنس بهذه البلد؟ لكن لا أحد يسأل ولا شيء! الكل يذهب لأجل الدنيا ويحصل ما يحصل له من الذل، وهذا واضح.
كذلك أهل البدع يسمونه باللجوء السياسي، ما هذا اللجوء السياسي؟! إن هذا إلا الذل، مذلولين في أوروبا وفي الغرب لأنهم ما يعرفون الهجرة وأحكام الهجرة، لابد أن تكون هجرة لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى ولرسوله وعلى علم وعلى بينة.
هؤلاء خوارج، فالناس يهاجرون ليحصلوا الأمن والأمان وإزالة الخوف والرعب من نفوسهم ويحصلون الخيرات، لذلك لابد على المسلمين أن يتفقهوا في أحكام الهجرة للحاجة إليها.
فالناس ما يسببون لهم خوف آخر، خوف في بلدهم يهاجر ليس لله وعلى جهل في البلد الآخر تحصل له أشياء كثيرة ومخاوف، وممكن هذا يُقبض عليه ويسجن ....وإلخ.
ما يفهم في الهجرة، لأنه يفعل فسق، فجور، إرهاب، يَقْتل، أشياء كثيرة، لأن ما يعرفون أحكام الهجرة، فهذا يدل على أن أحكام الهجرة مهمة جدًا، والمهاجرون في كل زمان لهم وجود فهم يقتدون بالصحابة رَضِي اللهُ عَنْهُم من المهاجرين والمهاجرات، فلهم أجر عظيم في هجرتهم لله تعالى.
وكذلك الأنصار في كل زمان لهم وجود، فهم يقتدون بالصحابة رَضِي اللهُ عَنْهُم من الأنصار، فلهم أجر عظيم في نصرتهم لإخوانهم الضعفاء المهاجرين، والكل يساعد هؤلاء المهاجرين والمهاجرات على قدر استطاعته.
فيؤيدون هؤلاء ويأوون المهاجرين والمهاجرات ويعاونونهم بالمال والأغراض والسكن ومتطلبات الحياة.
وحتى وصل بالمهاجرين والأنصار من الصحابة إلى أن المهاجر يتزوج الأنصارية والأنصاري يتزوج بالمهاجرة؛ لإعانة الجميع بعضهم بعضًا بالأموال والسكن كذلك، ويسعد الجميع ويحصلوا على الخيرات والأمن وإقامة الدين والدنيا معًا، فيسعد الجميع ويحصلوا على سعادة الدنيا والآخرة، هذا هو المراد من شرعية الهجرة في الإسلام للرجال والنساء.
فهذا هو المطلب لأن الناس الآن في بلدانهم يريدون أن يسعدون أنفسهم، فلابد أن يسعدون غيرهم من المسلمين ما يتركونهم هكذا، والمهاجرون كُثُر خاصة في بلدنا الآن، فمن يريد الدين فلابد أن نساعده.
والناس منهم من يهاجر من أجل دينه وطلب العلم والدعوة إلى الله وإقامة الطاعة، ومنهم من يهاجر من أجل العمل الدنيوي وهو طلب الرزق، ومنهم من يهاجر من أجل الدراسة، ومنهم من يهاجر من أجل أن يتزوج، ومنهم من يهاجر من أجل السياسة الغربية وما يسمى باللجوء السياسي، وهذا يكون من قِبل الخوارج من السرورية والقطبية والإخوانية وغيرهم.
ومنهم من يهاجر من أجل الفسق والفجور، ومنهم من يهاجر إلى بلد من أجل أن يتجسس للكفار أو المبتدعة على المسلمين، ومنهم من يهاجر من أجل الدعوة إلى البدع والشرك والضلالات، مثل: دعوة الربيعية من اتباع ربيع المدخلي في أوروبا وغيرها من الدعوات الضالة.
لذلك يجب أن نبين أحكام الهجرة الصحيحة وأحكام الهجرة غير الصحيحة، وكذلك اضطهاد عائلة بدعية لابن لهم أو بنت لهم من العوائل الرافضية أو الإخوانية أو الصوفية أو الحزبية، فيجوز للبنت هذه تهاجر ويجوز للابن أن يهاجر من أجل دينه.
* والهجرة لغة: هي الاسم من الهجر أو الهجران، وهي مأخوذة من مادة: (هـــ ، ج، ر)، التي تدل على الهجران، والمراد هنا قولهم: هاجر القوم من دار إلى دار، تركوا الأولى للثانية، كما فعل المهاجرون حين هاجروا من مكة إلى المدينة.
ولذلك يقول الراغب في كتابه «المفردات»: (المهاجرة في الأصل مصارمة الغير ومتاركته من قوله: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا} [البقرة: 218] ، والهجر والهجران مفارقة الإنسان غيره، إما بالبدن أو باللسان أو بالقلب). اهـ
وكذلك في قوله تعالى: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10] ، ولا يخفى عليكم سواء هجران البلدان لما فيها من الفسق وعدم إقامة الدين وما شابه ذلك أو عائلة أو جماعة أو أفراد أو منطقة، فاهجرهم هجرًا جميلًا لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى، وهذا نص عام.
والله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى بيَّن للنبي هذا الأمر، هجران أهل الكفر، هجران أهل البدع، هجران العوائل الفاسقة الفاجرة، الشخص سوف يهلك في هذه العائلة، نصحهم وبيَّن لهم وغلب على ظنه أن هؤلاء ما يعودون، وأنهم يضطهدونه وأنهم سوف يفسدونه ويفسدون دينه؛ يهاجرهم.
وأقوى دليل: الصحابة رَضِي اللهُ عَنْهُم والصحابيات رَضِي اللهُ عَنْهُن هاجروا وتركوا هذه العوائل المشركة.
وهكذا كذلك أهل البدع، عائلة رافضية تضطهد هذا الابن يا زعم متسنن، يسمونه متسنن، يضهدونه ممكن يُقتل، وممكن كذلك يهجر هذه العائلة ويتركها، كذلك البنت تسننت شيعية فتهجر هذه العائلة، وهكذا من العوائل البدعية الذين يضهدون أهل السنة.
ويقول الجوهري في ((الصحاح): (الهجر ضد الوصل والمهاجرة من أرض إلى أرض، وترك الأولى للثانية). اهـ
ويقول ابن منظور في ((لسان العرب)): (الهِجرة والهُجرة: الخروج من أرض إلى أرض، والمهاجرون الذين ذهبوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشتق منه). اهـ
ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رَضِي اللهُ عَنْهُ: (هاجروا ولا تُهجَّروا).
قال أبو عُبيد في ((غريب الحديث)): (أخلصوا في الهجرة لله ولا تَشَبَّهوا بالمهاجرين غير صحة منكم، فهذا هو التهجر، وهو كقولك فلانٌ يتحلم وليس بحليم ويتشجع). اهـ أي: أنه يظهر ذلك وليس فيه، وكقولك فلانٌ متعالم وليس بعالم.
فعمر بن الخطاب رَضِي اللهُ عَنْهُ يبين أن لابد الذي سيهاجر لابد عليه أن يخلُص لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى .
ولذلك يقول الأزهري: (وأصل المهاجرة عند العرب خروج البدوي من باديته إلى المدن، يجوز يهاجر هذا إلى المدن، لأن لو بقى في البادية ما يعرف شيء في دينه، جهل عند البادية، فيذهب إلى المدن يتعلم ويصيب الدنيا والآخرة). اهـ
فالأزهري يبين هذا الأمر، كذلك يقال: هاجر الرجل إذا فعل ذلك، وكذلك كل مُخلٍّ بسكنه منتقل إلى قوم آخرين بسكناه فقد هاجر قومه.
وسُمي المهاجرون مهاجرين لأنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نشأوا بها لله ولُحقوا بدارٍ ليس لهم بها أهل ولا مال حين هاجروا إلى المدينة، فكل من فارق بلده من بدوي أو حضري أو سكن بلدًا آخر فهو مهاجر.
فهذا الأمر في الهجرة هكذا، وسيأتي تفصيل هذا الأمر أن الهجرة ترك بلد إلى بلد آخر أو هجرة من بلد إلى بلد آخر.
واصطلاحًا: هي ترك الوطن الذي بين الكفار والانتقال إلى دار الإسلام.
ويقول الراغب في كتابه ((المفردات)): (الهجرة الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكة إلى المدينة). اهـ
وقال الكفوي في ((الكليات)): (الهجرة هجرتان:
وذكر منها: هجرة المسلمين في صدر الإسلام إلى الحبشة فرارًا من أذى قريش.
والآخر: هجرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين قبله وبعده ومعه إلى المدينة لإقامة الفرائض والدين وغير ذلك). اهـ
وبينت لكم بالنسبة أن الهجرة لا تنقطع، وكذلك بيَّن هذا الأمر بالنسبة للهجرة ابن فارس في مقاييس اللغة وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث.
وابن القيم يذكر كذلك فائدة في مسألة الهجرة في ((طريق الهجرتين)): الهجرة هجرتان:
هجرة إلى الله بالطلب والمحبة والعبودية والتوكل والإنابة والتسليم والتفويض والخوف والرجاء والإقبال عليه وصدق اللجأ والافتقار، فكل نفسٍ إليه.
وهجرة إلى رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة لإقامة الشرع، فلابد من هذه الأمور.
واعلم أن الهجرة هي الخروج من بلد أو منطقة يغلب فيها إما حكم الكفر أو البدع أو الضرر على الفرد لوجود النصارى أو الرافضة أو المبتدعة عمومًا أو الإضرار التي تلحق بالمسلم في دينه ودنياه، فيهاجر إلى بلد أو منطقة يغلب فيها المسلمون، وإقامة السنة فيها وتعليم العلم ونشره، من قراءة أهل الحديث ونشرها ودراستها.
فهكذا الآن عندنا الهجرة هجرة من بلد إلى بلد أو منطقة إلى منطقة في نفس البلد، في نفس البلد تنتقل من منطقة إلى أخرى.
فلا يلزم كذلك أن الشخص لابدأن ينتقل من بلد إلى أخرى لأن أحيانًا ما يستطيع وما يحصل على ما يسمى التأشيرة أو من يأويه مثلًا أو لا يحصل على عمل في المنطقة الأخرى، فيهاجر هذا من منطقته إلى أخرى، ولوجود كثرة الكفر في بلده أو البدع أو الأضرار، لوجود النصارى أو المبتدعة والرافضة والأضرار الأخرى التي تلحق بالمسلم.
* وحكم الهجرة، فإذا كان قادرًا على الهجرة متمكنًا منها يجب أن يهاجر، والعاجز عن إظهار دينه في بلده ببقائه يتضرر في دنياه ودينه، فهذا لابد عليه أن يهاجر لكي يسلم له دينه ودنياه، لكي لا يتضرر إذا قدر على ذلك.
وأما الهجرة من بين أهل المعاصي في البلد ولو أظهروا ذلك فلا تجب على المسلم ولو كان قادرًا في بلده معاصي وفسق وفجور كما في بعض البلدان، لكنَّ دينه قائم ودعوته قائمة، أضراره شيء يسير، فهذا لا يهاجر ، هذا يصبر ويواصل في الدعوة إلى الله وتعليم الناس، لأن عنده أصحاب يعاونونه على ذلك، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].
يوجد أناس يعاونونك اصبر فلا تهاجر، لكن إذا ما يوجد أحد عندك وستتضرر وتستطيع على الهجرة فتهاجر، ولذلك إذا في بلدك معاص، وما شابه ذلك فعليك أن تصبر وتجلس في بلدك ولا تسافر ولا تهاجر.
«مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»، أخرجه مسلم في ((صحيحه)) من حديث أبي سعيد الخدري رَضِي اللهُ عَنْهُ.
فأمر بالمعروف وانهه عن المنكر، فالله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى سيزيل المنكر أو يخففه، وكذلك الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى يحفظك من المنكرات وغير ذلك فاصبر.
فعندنا النوع الأول: هجرةٌ مكانية، وهي الانتقال من دار الكفر والحرب إلى دار الإسلام فرارًا بالدين، هكذا يكون.
وكذلك الانتقال من دار الظلم ولو كانت مسلمة إلى دار العدل فرارًا بالدين، فلك أن تهاجر.
والهجرة المطلقة: هي الخروج في سبيل الله، ولذلك قمنا بالهجرة لطلب العلم من بلدنا إلى القصيم، وحصل لنا من الخيرات والبركات والعلم وغير ذلك، لماذا؟ لله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى، وهذا أمر مجرب.
وعدنا بعد عشر سنوات إلى بلدنا فنفعنا البلد في أشياء كثيرة، فهذه الهجرة المطلوبة من الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى، ولله ليس لأجل أموال ولا شيء، أصلًا الأعمال موجودة كانت هنا عندنا، فلا حاجة إلى أن نذهب من أجل الشغل أو العمل في القصيم.
فلذلك ذهبنا من أجل ماذا؟ من أجل طلب العلم في سبيل الله، عشر سنوات صبرنا هناك، فلذلك هذه الأمور مجربة، والذين لا يفهمون في أحكام الهجرة وقعوا في مهلكات، هاجروا فهلكوا، فكل شيء بدراسة.
فالهجرة الواجبة: هي من دار الحرب إلى دار الإسلام على من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه ولا أداء واجباته الدينية، أما الآن عندنا في الخليج وبعض البلدان يستطيعون يظهرون بدينهم، فهؤلاء لابد عليهم أن يصبرون، يوجد أشياء كثيرة وأضرار على أهل السنة فيصبرون.
والهجرة المستحبة: وهي لمن يقدر عليها وهو متمكن من إظهار دينه، لكن ممكن يخاف على دينه ويغلب عليه، فإذا بلد أفضل من بلده فلا بأس، لكن بشرط أن يقوم بدينه ليس لأجل عمل ويقوم بالدعوة إلى الله، أما إذا سيُمنع يجلس في بيته أفضل له.
* وغاية الهجرة: هي سلامة العبادة والدين فيضيق صدور الناس في دينهم ودنياهم، لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا فيتعين عليهم الهجرة إلى المكان الأمثل والأفضل للمحافظة على الدين والدنيا ويسعد الناس في حياتهم.
فالهجر، مفارقة المسلم لبلد أو منطقة أو مكان له في مسكن وأهل والتحاق ببلد أو منطقة أو مكان ليس فيه أهل ولا مال في سبيل الله.
فالهجرة في الحقيقة التي شرعها الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى ليست حركة سلبية وانسحابية من المسلم أو دخول في ذل أو مهانة أو عجز مطلق، لا، بل هي كرامة وسعادة وطمأنينة ورفعة من الله أعطاها الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى المهاجرين في سبيله.
فيقولون الناس الآن: نحن مذلولون، نحن كذا في بلدانهم؟ لأن ما تعرفون الهجرة، لو هاجرتم لحصلتم على ما تريدون من كرامة الدنيا والآخرة والدين، لكن يبقون في ذل ولا يعرفون كيف يتصرفون.
ولذلك انظر إلى ذل الفلسطينيين في فلسطين، الشيخ عبد العزيز بن باز رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى بيَّن لهم عن الهجرة، ويطلبون العلم ويتقون الله ويعملون بطاعته سواءً في فلسطين أو في بلد آخر ينتقلون من منطقة إلى منطقة أخرى في فلسطين، ومع هذا طعنوا في الشيخ عبد العزيز بن باز وتكلموا عليه واغتابوه، فهم في ذل كما ترون.
الشيخ الألباني بيَّن لهم الهجرة ويقومون بدينهم في منطقة ثانية في فلسطين قاموا عليه ويقول: كفروني! هؤلاء فسقة فجرة، فهم في ذل إلى أن يموتوا، ما يعرفون حق الله ولا حق الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا حق العلماء ولا يعرفون أحكام الهجرة، وطعنوا في الشيخ ابن باز بزعمهم أنه مع اليهود، والشيخ الألباني بزعمهم مع اليهود وهم مع اليهود أصلًا.
وانظر ببركة هجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة رَضِي اللهُ عَنْهُم من مكة حتى بعد ذلك عادوا إليها، بعد ماذا؟ طلب العلم والتقوى والطاعة رجعوا إلى مكة.
وانظر إلى الأمن والأمان في مكة، وانظر الأمن مُخل جدًا في القدس، لا يوجد أمن ولا أمان، ويوجد ذل هؤلاء الناس في فلسطين، ولا يحصلوا على أمن وأمان وفقر ....إلخ، لأن هؤلاء ما أطاعوا الله.
الحماسيون المجرمون والعوام هناك نصروهم فهم في ذل، وانظر إلى بلد الحرمين، انظر إلى مكة كيف فيها الأمن والرزق وبركة الرزق ....إلخ.
بركة هجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصحابة، فمن أراد الأمن والأمان في بلده فعليه بالطاعة والإخلاص، وبعد ذلك هذا المهاجر سوف يحصل له من البركات ما يحصل من الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى.
فالهجرة هذه أصلًا كرامة وسعادة، فيهاجر الله سيعوضه السكن والمال والعمل والطاعة والدين وأشياء كثيرة والعلم ومعرفة الحق، فالهجرة طيبة.
ولعل إن شاء الله نذكر لكم الآيات الواردة في الهجرة في الدرس القادم.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.