الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء(43) كتاب الصوم من صحيح البخاري: مراجعة لما سلف في الأعوام الماضية مقدمة في فضل الصوم وشهر رمضان
2024-04-01
الجزء(43) كتاب الصوم من صحيح البخاري: مراجعة لما سلف في الأعوام الماضية مقدمة في فضل الصوم وشهر رمضان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولعلنا في هذا الدرس نتكلم عن: «فوائد الصيام، وفضل صوم شهر رمضان» تذكرةَ وذكرى وموعظةً للمؤمنين؛ لعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ ينفع بها.
ففضائل الصوم؛ هي فضائل عظيمة تفضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ على عباده؛ وذلك ليزداد الناس إيمانًا بصومهم، وازديادهم عبادةً، وكذلك لما يحصل لهم من الأجر والخير.
* وفضائل الصوم ثابتة في الكتاب والسنة:
ومن القرآن:
قوله تعالى: ﴿وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:35] فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ جعل للصائمين والصائمات المغفرة، والأجر العظيم؛ لما قاموا به من العبادات، وأخلصوا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ في ذلك، ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ وبذلك يحصل الصائمون والصائمات رضا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ، والدخول الجنة.
فعلى الناس الاتباع والصوم، وعليهم به بالإخلاص والتبعية؛ ويبشر الجميع -إن شاء الله- بهذه المغفرة والأجر، والرضا والجنة.
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[البقرة:184] فالصوم خير للناس.
ومن السنة:
وقد بين النبي r في السنة أن الصوم حصن من الشهوات، ومن النار جُنة، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ خصه ببابٍ من أبواب الجنة، وأنه يفطمُ النفس عن شهواتها، ويحبسها عن مألوفاتها؛ فتصبح مطمئنة، وهذا الأجر الوفير تفضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ به على عباده.
والصوم جُنَّة كما بينت السنة جُنَّة وقاية من السقوط في الحرام والمعاصي، وغير ذلك مما حرمه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ؛ ولذلك أمرنا النبي r من أشدت عليه شهوته النكاح، وإذا لم يستطع فعليه بالصيام، وجعله وجاءً لهذه الشهوة، والمراد بذلك قطع شهوة الجماع؛ لأنه يحبس قوى الأعضاء عن كل الأمور التي تجعل الشخص يتمكن من شهوته فالصيام يمنعه من ذلك.
وله أي الصيام تأثير عجيب على حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة؛ ولذلك بَيَّنَ النبي r للشباب ذلك، كما ثبت في صحيح البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
وقد بين النبي r أن الجنة محفوفة بالمكاره، وأن النار حفت بالشهوات، فإذا تبين لك أيها المسلم أن الصوم يقمع الشهوات، ويكسر حدتها وهي التي تقرب من النار، الشهوات -والعياذ بالله- تقرب من النار فقد حال الصيام بين الصائم والنار؛ لأن الصيام يكسر هذا في الشهوات الظاهر والباطنة، فالصوم يستجن به العبد من النار؛ ولذلك بين النبي r في صحيح البخاري ومسلم، من حديث أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «ما من عبدٍ يصومُ يومًا في سبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، إلَّا بعَّدَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ بذلِكَ اليومِ وجهَهُ عنِ النَّارِ ، سبعينَ خريفًا» وهذا بسبب الصوم.
وبَيَّنَ النبي r عن الصيام وأنه جُنَّة للصائم، كما ثبت ذلك في حديث جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عند أحمد في ((المسند))، وهو حديث صحيح «الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ» ومن ذلك تبين عظم هذا الصيام، وبذلك يثبت بأن الصوم يدخل الجنة؛ لأن هذا الصوم طاعة، وتوفيق، ونجاة من النار، فعلى المسلم أن يصوم ويخلص في صيامه، وعليه بتبعية النبي r في ذلك.
ومن فضل الصيام والصائمون أجورهم بغير حساب، وكذلك «للصائم فرحتان»، هذا من فضل الصيام «للصائم فرحتان»، وكذلك خلوف فم بالصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
وثبت في صحيح البخاري ومسلم، من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبي r أنه قال: «قَالَ اللَّه عَزَّ وجلَّ: كُلُّ عملِ ابْنِ آدَمَ لهُ إِلاَّ الصِّيام، فَإِنَّهُ لِي وأَنَا أَجْزِي بِهِ. والصِّيام جُنَّةٌ، فَإِذا كَانَ يوْمُ صوْمِ أَحدِكُمْ فَلاَ يرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سابَّهُ أَحدٌ أَوْ قاتَلَهُ، فَلْيقُلْ: إِنِّي صَائمٌ. والَّذِي نَفْس محَمَّدٍ بِيدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أَطْيبُ عِنْد اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ. للصَّائمِ فَرْحَتَانِ يفْرحُهُما: إِذا أَفْطرَ فَرِحَ بفِطْرِهِ، وإذَا لَقي ربَّهُ فرِح بِصوْمِهِ». وهذا فيه فضل عظيم للمسلم
فعلى المسلم أن يصوم بإخلاصٍ، وعلى السنة، وفي رواية للبخاري «يَتْرُك طَعَامه، وشَرَابه، وشَهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أَجْزِي به، والحسنة بعشر أمثالها» فعلى الناس الاتباع.
ومن فضل الصيام، الصيام كذلك كفارة للعبد ومما ينفرد به الصيام من فضائل من الله جعله من الكفارات للمسلمين؛ ولذلك ثبت في صحيح البخاري ومسلم، من حديث حذيفة بن اليمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله r: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ في أهْلِهِ ومَالِهِ وجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ والصِّيَامُ والصَّدَقَةُ» فالصيام كفارةٌ للعبد.
وكذلك من فضائله، له باب اسمه الريان للصائمين، كما ثبت ذلك من حديث سهل بن سعد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النبي r قال: «إِنَّ فِي الجَنَّة بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، لاَ يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم، يقالُ: أَينَ الصَّائمُونَ؟ فَيقومونَ لاَ يدخلُ مِنهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فإِذا دَخَلوا أُغلِقَ فَلَم يدخلْ مِنْهُ أَحَدٌ» وهذا فيه فضل عظيم للصائمين.
* بعد ذلك عندنا فضل شهر رمضان:
ورمضان شهر خير وبركة بفضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ، فشهر رمضان شهر القرآن، هذا من فضل شهر رمضان، شهر القرآن أنزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ عَزَّ وَجلَّ كتابة المجيد هدًى للناس، وشفاءً للمؤمنين، يهدي للتي هي أقوم، ويبين سبيل الرشاد، في ليلة القدر من شهر رمضان الخير؛ ولذلك يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[البقرة:185]، ووصف شهر رمضان بأنه أنزل فيه القرآن وهذا يبين فضل شهر رمضان المبارك.
من فضل شهر رمضان تصفيد الشياطين، وإغلاق أبواب النيران، وفتح أبواب الجنان، وهذا الشهر المبارك يقل فيه الشر في الأرض؛ حيث تصفد وتشد مردة الجن بالسلاسل والأغلال والأقفال فلا يخلصون إلى أجساد الناس كما كانوا يخلصون إليه في غيره، لاشتغال المسلمين بالصيام الذي فيه قطع الشهوات وبقراءة القرآن وسائر العبادات؛ التي تهذب النفوس وتزكيها.
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[البقرة:183] في هذا الشهر، وبهذا الصيام يحصل الناس على التقوى، فترى الناس يتزاحمون على العبادات وعلى المساجد في شهر رمضان؛ لذلك تغلق أبواب جهنم، وتفتح أبواب الجنة؛ لأن العمل الصالح كثيرًا، والكلم الطيب كذلك وفير، وبَيَّنَ ذلك النبي r كما ثبت في صحيح البخاري ومسلم: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِحَتْ أبْوَاب الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ، وَصفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ» وهذا الشهر فيه نعمة عظيمة أن الشياطين تصفد في هذا الشهر، وترى الناس يقبلون على العبادة.
المراد هنا في الشياطين ليس الجن كلهم فالمعنى هنا تصفد الشياطين المردة من الجن أما بقية الجن فليسوا كذلك، بل من الجن مسلمون قائمون بالصيام والعبادة فهؤلاء لا يسلسلون، وكذلك العصاة، وكذلك المبتدعة من الجن والمشركين وغيرهم فهؤلاء ليسوا كذلك، بل تسلسل الشياطين المردة فقط.
وفي شهر رمضان ليلة القدر، أعلمت أيها العبد المؤمن أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ اختار شهر رمضان؛ لأنه أنزل فيه القرآن، وجعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، وهذه الليلة ليلة واحدة فإذا ذهبت عن العبد ذهب عليه خير كثير وعظيم لا يعوض، فإذا جاء رمضان القابل وجاءت هذه الليلة فهذه الليلة جديدة فلذلك على الناس أن يحرصوا على ليلة القدر أشد الحرص؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ أكرم عباده بهذه الليلة في هذا الشهر العظيم.
فعلى الناس الاتباع، ويجب عليهم أن يزدادوا في العمل؛ لأن شهر رمضان يُخصُ بعمل زائد، ويشهد الناس فيه أمور كثيرة وخيرات لهم فعليهم أن يتحروا ليلة القدر في العشر الأواخر بمزيد من العمل، وبمزيد من العبادة من صلاة، وصدقة، وطلب العلم، وقراءة القرآن، وإقامة بخدمة الأهل والأولاد والأقارب، وقضاء حوائجهم وهكذا من البر وغير ذلك من الأعمال، وعليهم أن ينوعوا وأن يكثروا من العبادات؛ لأن هذا الشهر شهر عظيم.
وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ويكون الشهر قد حان أو أوشك أن يذهب فلابد على الناس أن يخصوا هذا الشهر وخاصةً في العشر الأواخر بعمل زائد، وعبادة زائدة.
وهذا ما عندنا في هذه الليلة ولعلنا -إن شاء الله- نتكلم عن الأحكام -إن شاء الله- غدًا، نعم فيه أي سؤال؟
سؤال: يقول أحسن الله إليكم لدينا إمام يصلي عشرون ركعة وعندما ينتهي من ركعة الوتر يجلس ويدعو بصوت عالٍ، ويدعون الناس من بعده، هل هذا من السنة؟.
الجواب: أما بالنسبة لهذا السؤال بأن هذا الإمام يصلي عشرين ركعةً لصلاة التراويح أو القيام، ثم بعد ذلك يجلس في آخر الصلاة، ثم يدعو فهذا الدعاء لم يثبت عن النبي r بهذه الطريقة، ولم يثبت عن النبي r ولا عن الصحابة ولا عن السلف بل هذا من البدع، والأخذ في ذلك الثابت في السنة أن يدعو الإمام وهو في صلاة الوتر قبل الركوع، فالقنوت بعد صلاة الوتر أو الدعاء في شهر رمضان في صلاة التراويح يكون هذا الدعاء أو هذا القنوت قبل الركوع هذا هو السنة، وهذا الذي ثبت في السنة، كما بين الصحابة وبينت في شرح صحيح البخاري هذا الأمر.
وأما دعاء القنوت بعد الوتر بعد الركوع فهذا خلاف السنة، وهذا وقع فيه كثير من الناس وكثير من الأئمة؛ لأن هؤلاء لا يبحثون في السنة، كل واحد يرى الآخر وكل بلد يرى بلدًا آخر ويجتمعون على أمر واحد ويطبقونه في كل سنة، وإن بلغ هذا الأمر عشرون عامًا وإلى آخره، ولا يتركون هذا الأمر، أو يأخذون هذا الأمر من خلاف العلماء، فيقول أحدهم اختلف العلماء فيسير بلد أو يسير الناس على هذا القول ويقلدون ويكون لهم كالعادة فلا يتركون هذا الأمر حتى لو علم هؤلاء أن هذا الأمر خلاف السنة لا يتركونه.
بل يتأولون بأن هناك خلاف وأن هناك فتوى وأن هذا قول فلان وعلان وإلى آخره، كأن أصبح الخلاف حجة كما قال ابن تيمية وبين شيخ الإسلام ابن تيمية / بأن الخلاف ليس بحجة، فالحجة في الكتاب والسنة، وهذا الدعاء بعد الركوع لم يثبت في السنة فليأتي هؤلاء بالسنة ذلك، بل الدعاء في القنوت إذا كان للنازلة أو في النازلة يقنت الناس بعد الركوع، أما إذا كان القنوت بعد صلاة الوتر فيكون القنوت قبل الركوع، ثم يركع الناس ثم يرفعون ثم يسجدون فلذلك من السنة الآن القنوت في الوتر قبل الركوع، وفي النازلة بعد الركوع هكذا ثبت في السنة.
سؤال: يقول السائل أحسن الله إليكم يا فضيلة الشيخ هل يجوز الذهاب لمساجد أهل البدع لحب سماع أصوات الختمات؟.
الجواب: بالنسبة لهذا السؤال هل الذهاب لأهل البدع أو مساجد أهل البدع لسماع أصواتهم، فهذا خلاف منهج السلف، فمن منهج السلف كما ثبت في الآثار هجر أهل البدع جملةً تفصيلاً، ولابد تكون هناك مساجد لأهل السنة حتى لو كانوا من العامة، لكن هؤلاء الأئمة يعرفون يقرؤون القرآن وخاصةً الفاتحة.
فعلى الناس إذا لم يوجد من يتمكن من قراءة القرآن والسنة، فليصلوا الناس خلف هؤلاء العوام؟ ولابد أن يوجد ولا يذهبوا إلى أهل البدع ويتتبعون المساجد هنا وهناك لسماع الأصوات فإن هؤلاء لا يؤثرون على الناس بل تأثير هؤلاء قليل ولعله يستميل قلوب هؤلاء الذين يذهبون إلى هذا المبتدع فيحبونه ويأتونه في كل صلاة، ثم بعد ذلك يستمعون إلى كلامه فيستمعون إلى البدع فيضلهم بذلك؛ ولذلك كان السلف يخافون الاستماع إلى المبتدعة ومجالستهم، فعلى الناس أن يطبقوا كتاب الله وسنة النبي r ومنهج السلف على قدر استطاعتهم ولا يأخذوا يمنةً ويسرةً؛ فيضلوا الصراط المستقيم.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغرك وأتوب إليك.