الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (40) كتاب الصوم من صحيح البخاري:باب الحجامة والقيء للصائم إلى باب من أفطر في السفر ليراه الناس
2024-04-01
الجزء (40) كتاب الصوم من صحيح البخاري:باب الحجامة والقيء للصائم إلى باب من أفطر في السفر ليراه الناس
بَابُ الحِجَامَةِ وَالقَيْءِ لِلصَّائِمِ.
وَقَالَ لِي يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ الحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ: سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِذَا قَاءَ فَلاَ يُفْطِرُ إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلاَ يُولِجُ».
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّهُ يُفْطِرُ».
وَالأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ: «الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ».
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَكَانَ يَحْتَجِمُ بِاللَّيْلِ.
وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلًا.
وَيُذْكَرُ عَنْ سَعْدٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ: احْتَجَمُوا صِيَامًا.
وَقَالَ بُكَيْرٌ، عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ: كُنَّا نَحْتَجِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ «فَلاَ تَنْهَى».
وَيُرْوَى عَنِ الحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مَرْفُوعًا فَقَالَ: «أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ».
وَقَالَ لِي عَيَّاشٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ مِثْلَهُ، قِيلَ لَهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ.
(1938) حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ).
(1939) حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ».
(1940) حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا البُنَانِيَّ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ: «لاَ، إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ»، وَزَادَ شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بَابُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالإِفْطَارِ.
(1941) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَالَ لِرَجُلٍ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الشَّمْسُ؟ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّمْسُ؟ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي»، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ، ثُمَّ رَمَى بِيَدِهِ هَا هُنَا، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ».
تَابَعَهُ جَرِيرٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ.
(1942) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ».
(1943) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، - زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ - وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ -، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ».
بَابُ إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ.
(1944) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الكَدِيدَ، أَفْطَرَ»، فَأَفْطَرَ النَّاسُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «وَالكَدِيدُ: مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ».
(1945) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَابْنِ رَوَاحَةَ».
بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الحَرُّ «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ».
(1946) حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، فَقَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: «لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ».
بَابٌ: لَمْ يَعِبْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الصَّوْمِ وَالإِفْطَارِ.
(1947) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى المُفْطِرِ، وَلاَ المُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ».
بَابُ مَنْ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ لِيَرَاهُ النَّاسُ.
(1948) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَرَفَعَهُ إِلَى يَدَيْهِ لِيُرِيَهُ النَّاسَ، فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «قَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ».
الشرح:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
تكلمنا في الدرس الذي سلف عن مفسدات الصوم من الجماع وغيره، وفي هذا الباب تكلم المؤلف / عن الحجامة والقيء للصائم، وبينا في الدروس التي سلفت بما يباح للصائم، وذكرنا من ذلك جواز الحجامة للصائم، وكذلك القيء إذا فعله الصائم لا يفطر سواءً باختياره أو بغير اختياره.
وبينا بالنسبة للدليل الذي أشار إليه المؤلف / حديث: «من ذرعه القئ وهو صائم...» بينا بأن هذا الحديث ضعيف، لا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدروس التي سلفت، وهذا الحديث روي مرفوعًا وموقوفًا وكلاهما ضعيف، وانظر: «تغليق التعليق» لابن حجر (ج3 ص 176).
ثم ذكر المؤلف / قول أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «إذا قاء فلا يفطر» وهذا الأثر ضعيف؛ لأن بين المؤلف / ذلك: «ويذكر عن أبي هريرة أنه يفطر»؛ وهذا يضعفه كذلك البخاري ويقول الأول أصح: «إذا قاء فلا يفطر إنما يخرج ولا يولج» وهذا أصح، وهذا القول كذلك قول ابن عباس وعكرمة، وذكر البخاري هذين الأثرين «تعليقًا» بلا إسناد كعادته وبينا الآثار التي سلفت في ذلك.
وقول ابن عباس: «الصوم مما دخل وليس مما خرج» يشير بأن لو قاء الصائم فلا يفطر بالقيء؛ لأن «الصوم مما دخل»؛ يعني إذا أكل أو شرب الصائم فإنه يفطر كما أسلفنا من قبل، «وليس مما خرج» من المعدة من الطعام والشراب، إذا قاء الصائم فلا يفطر وهذا القول هو القول الصحيح كما بينا في الدروس التي سلفت.
والآثار في ذلك، أثر ابن عباس: وصله ابن أبي شيبة في «المصنف» من طريق وكيع عن الأعمش عن أبي ضبيان عن ابن عباس في الحجامة للصائم، قال: «الفطر مما دخل وليس مما خرج». فذكره ابن أبي شيبة مسندًا
وأما قول عكرمة: كما عندكم كذلك ذكره تعليقًا البخاري في ((صحيحه)) بلا إسناد.
وأثر عكرمة: وصلة أيضًا ابن أبي شيبة في «المصنف» من طريق هشيم عن حصين عن عكرمة به.
ثم ذكر المؤلف بالنسبة للحجامة: أثر ابن عمر: «كان يحتجم وهو صائم ثم تركه»: تركه من أجل الضعف عندما أسن ابن عمر ترك الحجامة أثناء الصيام لضعفه، فكان يحتجم بالليل.
وأثر ابن عمر هذا: وصله الإمام مالك في «الموطأ» من طريق نافع عن ابن عمر «أنه احتجم وهو صائم ثم ترك ذلك بعد، فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر».
وذكر ابن حجر في «تغليق التعليق» (ج3 ص176): «عن ابن عمر ترك الاحتجام في نهار رمضان ليس لأن ذلك لا يجوز؛ لكن كان في آخر عمره للضعف، وألا يجوز للصائم أن يحتجم في نهار رمضان».
وبينا هذا وهذه الأدلة كافية في تبيين القول الصحيح في اختلاف أهل العلم وأن الصائم يجوز له أن يحتجم في نهار رمضان.
وأثر ابن عمر كذلك: أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» من طريق معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر به، وإسناده صحيح.
ثم ذكر المؤلف / أثر أبي موسى «واحتجم أبو موسى ليلًا»:
وأثر أبي موسى: أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» من طريق محمد بن أبي عدي عن حميد عن بكر عن أبي العالية قال دخلت على أبي موسى فذكره.
وأخرجه الحاكم في «المستدرك» من طريق روح بن عبادة به.
ثم ذكر المؤلف أثر سعد بن أبي وقاص، وزيد بن أرقم، وأم سلمة: «احتجموا صيامًا»؛ يعني في نهار رمضان.
وأثر سعد بن أبي وقاص: أخرجه مالك في الموطأ من طريق ابن شهاب: «أن سعد بن أبي وقاص وابن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان».
والأثر منقطع بين ابن شهاب وهو الزهري، وبين سعد بن أبي وقاص.
وأما أثر زيد بن أرقم: أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» من طريق الثوري عن يونس بن عبد الله عن دينار قال: «حجمت زيد بن أرقم وهو صائم».
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» من طريق يعلى بن عبيد عن يونس به.
وأما أثر أم سلمة: وصله عبد الرزاق في «المصنف» عن الثوري عن فرات عن قيس عن أم سلمة «أنها كانت تحتجم وهي صائمة»، وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» عن يزيد بن هارون قال أخبرنا سفيان عن فرات عن مولى أم سلمة «أنه رأى أم سلمة تحتجم وهي صائمة».
ثم ذكر المؤلف / أثر أم علقمة بقولها: «وكنا نحتجم عند عائشة فلا تنهى»؛ يعني في نهار رمضان.
وأثر أم علقمة: أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (ج2 ص188) من طريق يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ، ثنا ابْنُ وَهْبٍ، ثنا مَخْرَمَةُ وَهُوَ ابْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ، قَالَتْ: «كُنَّا نَحْتَجِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ، وَبَنُو أَخِي عَائِشَةَ فَلا تَنْهَاهُمْ»، وهذا الأثر صحيح.
فهذه الآثار تبين بأن الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم يحتجمون في نهار رمضان، ولو كانت الحجامة تفطر لم يفعلوا ذلك، ويؤيد هذا فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في حديث ابن عباس عندكم في الكتاب: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ»
هذا من طريق وهيب عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس، والطريق الآخر عند البخاري في الصحيح من طريق عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما وقال: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ»
ويؤيد كذلك قول أنس بن مالك رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عندكم في الكتاب: «أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟» هذا سؤال البناني: «قَالَ: لَا، إِلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ» ليس في الشرع ما ينهى عن الحجامة للصائم في نهار رمضان.
وهذه الآثار وهذه الأحاديث تبين ذلك، لم يترك الصحابة الحجامة للصائم إلا من الضعف؛ فإذا خافوا على أنفسهم أنهم يضعفون إذا فعلوا الحجامة تركوها وهذا من الضعف، لكن الذي لا يضعف فيجوز له أن يحتجم في نهار رمضان.
وأما الحديث الذي عندكم ذكره الإمام البخاري بصيغة التمريض ويروى عن الحسن عن غير واحدٍ؛ يعني عن غير واحدٍ من الصحابة يروون عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أفطر الحاجم والمحجوم»، وهذا الحديث ضعيف لاضطرابه، وفي الحقيقة تخريجه طويل.
فهذا الأثر: وصله البيهقي في «السنن الكبرى» من طريق علي بن المديني قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه سليمان عن الحسن به، ولا يصح.
ورُوِي عن أبي هريرة، وثوبان، وابن يسار، وعلي، وأسامة، وكلها أحاديث ضعيفة لا تصح.
وهذه الأحاديث: عند أبي داود في «السنن»، وابن ماجه في «السنن»، وأحمد في «المسند»، والدارمي في «المسند»، وابن حبان في «صحيحه»، وابن الجارود في «المنتقى» وهي أحاديث ضعيفة لا تصح، ولعل يأتي في درس آخر تخريجها وتبين ضعف هذه الأسانيد، والبخاري يضعف هذا الحديث عندكم وهو من أهل الصنعة.
فإذًا عندنا الآن بالنسبة للحجامة يجوز للصائم أن يحتجم في نهار رمضان، وإذا قاء وخرج الطعام والشراب من معدته أو من بطنه فلا يفطر، حتى لو كان متعمدًا، الحديث في ذلك ضعيف لا يصح.
وهذه آثار تبين هذا الأمر كابن عباس يقول: «الصوم مما دخل وليس مما خرج».
ثم بين المؤلف / باب الصوم بالسفر والإفطار.
وهذا الأمر كذلك بيناه في الدروس التي سلفت وأن يجوز للصائم في السفر أن يفطر، ويجوز له أن يصوم على حسب حاله، إذا شاء صام، وإذا شاء أفطر، لكن إن شق عليه السفر لشدة الحر ووجد تعبًا في جسمه ولعله يهلك وهنا يجب عليه أن يفطر والله سبحانه وتعالى يحب أن تؤتي رخصه كما بينا في الدروس التي سلفت.
لكن إذا كان على غير ذلك يعني ليس بتعبان، لكنه فيه شيء من التعب لكن لا يضره بجسده قال إن شاء في السفر صام، وإن شاء أفطر، وبين الله سبحانه وتعالى الرخصة في ذلك، بقوله: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة:185].
وهذه الأحاديث تفيد التخيير لا التفضيل، التي ذكرها الإمام البخاري في صحيحه فللمسافر الفطر في نهار رمضان إذا سافر ولا ينبغي إذا أفطر أن ينكر عليه؛ لأن بعض العامة يصومون وإذا رأوا عبدًا قد أفطر في السفر وهو معهم ينكرون عليه، وهذا لا ينبغي؛ لأن السفر رخصة سواء كان في تعب أو غير ذلك، فإن شاء صام وإن شاء أفطر ولا حرج عليه ولا يُلام ولا ينبغي لأحد يلومه في السفر.
وبين الإمام البخاري في حديث حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ «قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ» وهو كذلك عند مسلم في «صحيحه».
والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مع الصحابة في سفر وكان صائمًا وهذا الأمر يبين سرعة إفطار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رغم أن الشمس ممكن أن ترى، وشعاع الشمس قوي والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر إذا لم يجدح له ويأمر الصحابة أن يجدحوا له؛ يعني يضع له اللبن مع الماء أو الطعام مع شيئا من الماء وهذا الجدح فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كرر عليه ثلاثًا انزل فاجدح لنا، كان يريد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفطر ويأكل، وهو يقول يا رسول الله الشمس؛ يعني شعاع الشمس شديد، مع هذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمره فنزل فجدح له فشرب وهذه سرعة الإفطار.
وتبين جهل هؤلاء الذين يفطرون مع الأذان وهذا الأذان يتأخر بعد غياب الشمس لعله بعشر دقائق أو بثمان دقائق، ومع هذا ترى أناس يؤذن الأذان وقد غربت الشمس من عشر دقائق أو ثمان دقائق على حسب المطالع في البلدان وأحدهم يقول اصبروا لكي يؤذن الثاني، والآخر كذلك اصبروا إلى أن يؤذن الثالث إلى متى؟! إلى أذان العشاء! والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شعاع الشمس شديد ومع هذا يقول له أنزل فاجدح لنا، وهو يقول: الشمس الشمس، وهو يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنزل فاجدح لنا يريد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يفطر.
وهذه هي السنة الإسراع في الإفطار والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين لهم أمر إذا رأيتم الليل أقبل من ها هنا من المشرق، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم قبل الغروب، ويأتي الكلام على هذا إذا تبينا مسألة السحور ومتى يتسحر الناس؟ ومتى يمسك؟ ولعل بيأتي الكلام في الدرس القادم -إن شاء الله- الكلام على الإفطار والسنة تعجيل الإفطار وأن بغياب الشمس إذا غابت الشمس فهنا على الناس أن يفطروا أذن أو لا؛ وهذا فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن قوله فهذا الحديث يستدل به لتعجيل الفطور بفعل النبي وبقوله؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب مع الشعاع شديد للشمس.
وقوله: (إذا رأيتم الليل أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم وأشار بيده إلى المشرق)؛ فهذا الأمر لابد على أهل السنة من المسلمين أن يتفطنوا له، ويؤدوا السنة؛ كما جاءت في الصيام، وعلى أهل الإسلام من العامة من أهل الفطر السليمة أن يتبعوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفطر وشعاع الشمس شديد، وبين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سرعة الإفطار مع غياب قرص الشمس، وبيأتي إن شاء الله الكلام على هذا.
وبالنسبة الآن كذلك يجوز للمسافر الصيام وعدم الصيام، وكذلك يجوز للمريض يباح له الفطر رحمة به، وتيسيرًا عليه، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصوم في رمضان في السفر.
والصحابة بينوا أمر كذلك فكان الصحابة إذا صام أحد لا يعيبون عليه، ولا إن أفطر كذلك لا يعيبون عليه، بخلاف العامة في هذا الزمان يصومون ويعيبون على المفطرين في السفر، وهذا لا ينبغي وهذه سنة سلفية، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم.
وبالنسبة لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس من البر الصوم في السفر» بين شيخ الإسلام ابن تيمية بأن إذا كان الأمر في حالة هذا الرجل الذي أغمي عليه من شدة الصوم في هذه الحالة ليس من البر الصوم في السفر فيجب عليه أن يفطر والله سبحانه وتعالى يحب أن يؤتى رخصه.
فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال هذه المقولة في حالة معينة وهي ضعف هذا الرجل، والضرر الذي أصابه من الصوم من شدة الحر، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما رأى حالة هذا الرجل، قال: «ليس من البر الصوم في السفر» أما إذا لم يشق عليه كما بيننا والأمر عادي فهذا إن شاء صام، وإن شاء أفطر.
وكذلك الباب الآخر مَنْ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ لِيَرَاهُ النَّاسُ.
هذا فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعسفان هذه بين المدينة ومكة، فصام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأفطر، فمن شاء صام ومن شاء أفطر، هذا قول ابن عباس: «كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحيانًا يصوم في السفر وأحيانًا يفطر فمن شاء صام، ومن شاء أفطر».
ولعل إن شاء الله نكمل الدرس القادم، نعم في أي سؤال؟.
سؤال: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ هذا السؤال من الشبكة، يقول السائل: هل من ترك صلاة الصبح وهو صائم متعمدًا حتى يخرج وقتها من غير أن يعيدها هل يجوز صومه، وهل إذا كان هذا الشخص لا يصلي في رمضان ويصوم هل صومه صحيح؟.
الجواب:
بالنسبة لهذا السؤال في الذي يصوم ولا يصلي، فبين شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين وأهل العلم بأن هذا الصوم لا يفيده والصوم هذا باطل، فلابد مع الصوم الصلاة، وبقية أصول الإسلام فهذا الصائم ينتفع فبينا هذا الأمر في الدروس التي سلفت.
أما بالنسبة الذي يترك صلاة الفجر إلى أن تخرج وقتها متعمدًا، ثم يتركها بالكلية، مع بقية الصلوات يؤديها فبين شيخنا بأن هذا لا يكفر ولا يفسد صومه، لكن يأثم وهو في خطر عظيم، فلابد على هذا أن يصلي صلاة الفجر ويؤديها وإن خرج وقتها فعليه أن يصليها، فإذا كان متعمدا فهذا يأثم، وإذا كان من عذر فهذا ليس عليه شيء وبينا هذا الأمر في ((شرح صحيح مسلم)) في ((كتاب الصلاة)) جملةً وتفصيلًا.
سؤال: يقول السائل أحسن الله إليكم ما قولكم فيمن يقول إنني سأفطر في السفر لقول الله في الآية: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة:185]، يقصد كيف تذهبون لتفسير السنة وهناك صريح القرآن في هذه الرخصة، يعني مراد هذا الشخص كيف تستدلون بالسنة دون القرآن في هذه الرخصة، والله أعلم.
الجواب:
النصوص القرآنية تفسرها السنة وآثار السلف فثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يفطر في السفر، وأحيانًا يصوم، وفعل هذا الصحابة وبحضور النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمنهم من كان يصوم ومنهم من كان يفطر، ولو أفطر الشخص في السفر فليس عليه شيء، ولو صام فليس عليه شيء.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.