القائمة الرئيسة
الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (36) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: باب إذا نوى بالنهار صومًا - وحتى باب القبلة للصائم

2024-03-26

صورة 1
الجزء (36) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: باب إذا نوى بالنهار صومًا - وحتى باب القبلة للصائم

بَابُ إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا.

وَقَالَتْ أُمَّ الدَّرْدَاءِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: «عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟» فَإِنْ قُلْنَا: لاَ، قَالَ: «فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا» وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَحُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.

(1924) حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ «إِنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلاَ يَأْكُلْ».

بَابُ الصَّائِمِ يُصْبِحُ جُنُبًا.

(1925) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ المُغِيرَةِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي حِينَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، ح

(1926) وحَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَ مَرْوَانَ، أَنَّ عَائِشَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، وَيَصُومُ»، وَقَالَ مَرْوَانُ، لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ، أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَمَرْوَانُ، يَوْمَئِذٍ عَلَى المَدِينَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الحُلَيْفَةِ، وَكَانَتْ لِأَبِي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لِأَبِي هُرَيْرَةَ إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا وَلَوْلاَ مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَيَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ، فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ: فَقَالَ: كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَهُنَّ أَعْلَمُ وَقَالَ هَمَّامٌ، وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالفِطْرِ «وَالأَوَّلُ أَسْنَدُ».

بَابُ المُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَرْجُهَا».

(1927) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ»، وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {مَآرِبُ} [طه: 18]: «حَاجَةٌ»، قَالَ طَاوُسٌ: {غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ} [النور: 31]: «الأَحْمَقُ لاَ حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ».

بَابُ القُبْلَةِ لِلصَّائِمِ.

وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: «إِنْ نَظَرَ فَأَمْنَى يُتِمُّ صَوْمَهُ».

(1928) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ح، وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ»، ثُمَّ ضَحِكَتْ.

(1929) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الخَمِيلَةِ، إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، فَقَالَ «مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ فِي الخَمِيلَةِ.

«وَكَانَتْ هِيَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ».

«وَكَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ».

الشرح:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن أحكام السَّحور، وتكلمنا عن الأبواب جملةً وتفصيلًا ولعل في هذا الدرس نتكلم عن بقية الأبواب، من ذلك: ((بَاب إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا)).

وذكر الإمام البخاري / أثر أبي الدرداء ثم أشار إلى فعل أبي طلحة، وأبي هريرة، وابن عباسٍ وحذيفة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، ثم ذكر حديث سلمة بن الأكوع مسندًا كما ترون، وأثر أبي الدرداء وصله البيهقي في ((السنن الكبرى)) من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ الدَّرْدَاءِ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَجِيءُ بَعْدَمَا يُصْبِحُ، فَيَقُولُ: أَعِنْدَكُمْ غَدَاءٌ؟ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ، قَالَ: فَأَنَا إِذًا صَائِمٌ.

وهذا الأثر مسندًا الآن، وإسناده صحيح عند البيهقي في ((السنن الكبرى))، والإمام البخاري علقه بلا إسناد وكذلك علق بقية الآثار في هذا الأمر.

والأثر كذلك: -أثر أبي الدرداء- أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب به؛ يعني بالإسناد المتقدم الذي عند البيهقي، وإسناده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) من طريق معمر، عن أيوب به، وهذا يتبين بأن هذا الأثر مسند من عدة طرق، وإسناد عبد الرزاق: صحيح كذلك، وأخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) من طريق معمر عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني به، وأخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) من طريق ابن جريج عن عطاء، عن أم الدرداء به.

فهذا أثر أبي الدرداء وهو أثرٌ صحيح، فكان إذا لم يأكل شيئًا فطلب طعامًا، فإذا لم يجد أي طعام نوى الصيام في النهار، وهذا الأثر محمول على النافلة ليس في الفريضة، على النافلة، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما سوف يأتي كان ينوي نهارًا الصوم للنافلة، وكذلك فعل ذلك الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم كانوا إذا لم يجدوا أي طعام نهارًا كانوا ينوون الصيام وهذا بالنسبة للنفل، أما للفريضة كما سوف يأتي فيجب أن يبيت النية قبل الفجر يعني من الليل؛ ليصوم يومه، ففي كل يوم يجب عليه أن ينوي الصيام، والذين قالوا أنه يكفي نيةً واحدة من أول رمضان فهذا القول ليس بصحيح، بل يجب على الناس أن ينووا كل ليلة لكل يوم وبيأتي كلام على ذلك إن شاء الله بعد الانتهاء من هذه الأبواب.

عندنا بعد ذلك أثر أبي طلحة الذي أشار إليه البخاري تعليقًا كذلك فالإمام البخاري علق هذه الآثار ولم يذكر لها الأسانيد، ونحن إن شاء الله سوف نذكر هذه الأسانيد، فأثر أبي طلحة وصله البيهقي في ((السنن الكبرى)) مسندًا من طريق سهل بن عمار، قال: حدثنا رَوْحٌ، قال: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَأْتِي أَهْلَهُ مِنَ الضُّحَى فَيَقُولُ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ غَدَاءٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا، صَامَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، أَوْ قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. وإسناده صحيح.

والأثر هذا كذلك أخرجه ابن حجر في ((تغليق التعليق)) من طريق عبد الله بن محمد بن نصر، قال: حدثنا الأنصاري، قال: حدثنا حميد، عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: كان أبو طلحة يدخل على أم سليم فيقول لها: آتنا بغداء، فتقول: ما في البيت شيء، فيقول: أنا صائمٌ. 

وأخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) من طريق يزيد بن هارون، وعبد الوهاب الثقفي كلاهما عن حُميد به وإسناده صحيح، وأخرجه البزار في ((المسند)) بإسنادٍ آخر إلى أنس بن مالك، وأخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) من طريق عثمان عن سعيد، عن قتادة به وإسناده ضعيف لضعف سعيد، لكن الأثر صحيح من الطرق التي تكلمنا عنها، فإذًا فكان أبو طلحة إذا دخل على أهله طلب طعامًا فإذا لم يجد نوى الصوم في النهار وصام.

وانظر إلى النعم الموجودة الآن من الطعام والشراب في البيوت وفي كل مكان، وانظر إلى أيام الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم فيدخلون ولا يوجد أي طعام، ومع هذا كان الصحابة ينوون الصيام، فلذلك على الناس أن يشكروا هذه النعمة الوفيرة من الطعام والشراب، وعليهم بالعبادة، والازدياد بها، والذي يشكر الله سُبْحَانَهُ وَتعَالَى يزيده.

 فهذا أثر أبي طلحة وأما أثر أبي هريرة وصله البيهقي في ((السنن الكبرى)) من طريق أبي عاصم، عن ابن أبي ذئب، عن عثمان بن نجيح عن ابن المسيب، قال: رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق ثم يأتي أهله فيقول: عندكم شيء؟ فإن قالوا: لا، قال: فأنا صائمٌ، ومن هذا الوجه أخرجه ابن حجر في ((تغليق التعليق))، وإسناده صحيح.

كان أبو هريرة يفعل ذلك كما ذكر الإمام البخاري: (وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ).

وَأَمَّا أَثَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَصَلَهُ الطَّحَاوِيُّ في ((شرح معاني الآثار)) مِنْ طَرِيقِ من طريق سليمان بن بلال عن عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ: «كَانَ يُصْبِحُ حَتَّى يُظْهِرَ ثُمَّ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَصْبَحْتُ وَمَا أُرِيدُ الصَّوْمَ، وَمَا أَكَلْتُ مِنْ طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ مُنْذُ الْيَوْمَ، وَلَأَصُومَنَّ يَوْمِي هَذَا»، وإسناده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) من طريق مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ من قوله، وإسناده ضعيف لتدليس قتادة، ويكفي ما علقه الإمام البخاري، وذكره بالإسناد الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)).

وَأَمَّا أَثَرُ حُذَيْفَةَ الذي ذكره الإمام البخاري ووصله ابن حجر في ((تغليق التعليق)) من طريق سفيان عن الأعمش، عن طلحة بن مصرف عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي ((أَنَّ حُذَيْفَةَ بَدَا لَهُ فِي الصَّوْمِ بَعْدَمَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَصَامَ))، يعني بعدما زالت الشمس للظهر، أو في الظهر.

وأخرجه البيهقي في ((السنن الكبرى)) من طريق الثوري به، وإسناده صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف))، وعبد الرزاق في ((المصنف)) من طريق سفيان الثوري به، وإسناده صحيح.

وهذه الآثار ثابتة عن الصحابة كما ذكر الإمام البخاري في ((صحيحه))، وأشار إليها بأنهم كانوا يفعلون ذلك، أي: إذا لم يجدوا في بيوتهم طعام فكانوا يصومون، وهم في النهار، وهذا بالنسبة للنفل لا الفرض.

وقد ثبت عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فعله عند مسلم في ((صحيحه))، فعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ: «يَا عَائِشَةُ، هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ، قَالَ: «فَإِنِّي صَائِمٌ». قَالَتْ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ، وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئًا، قَالَ: «مَا هُوَ؟» قُلْتُ: حَيْسٌ، قَالَ: «هَاتِيهِ»، فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا. وفي رواية: «أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ».

وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ في ((صحيحه))، وأبو داود في ((سننه))، والنسائي في ((السنن))، فهذا الحديث صريح في هذا:

أولًا: النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلب طعامًا ولم يجد، ثم نوى الصوم فقال: «إِنِّي صَائِمٌ» وهذا في النهار، وهذا بالنسبة للنفل.

ثم بعد ذلك أهدي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعام فأخبرت عائشة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك فطلبه فأكل، وهذا الحديث يتبين بأنه يجوز للمسلم أن ينوي الصيام النفل وهو في النهار، بشرط ألا يأكل شيئًا أو لم يكن قد أكل شيئًا، ويجوز له أن يفطر في نفس هذا اليوم، يجوز له وفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، فيجوز أن يصوم ويجوز له أن يخرج من الصوم في نفس اليوم هذا، لكن هذا بالنسبة للنفل.

وزاد النسائي في ((سننه)): «فأكل وقال: لكن أصوم يومًا مكانه»، وهذه الزيادة شاذة ضعيفة، فلذلك النفل لو صام كما نوى الفطر فأفطر فلا يلزم القضاء إلا إذا كان الصوم فرض رمضان، وأما هذه الزيادة: «ولكن أصوم يومًا مكانه» فهذه زيادة ضعيفة يقول ابن القيم في ((تهذيب السنن)): (ج7 ص124): (هذا خطأٌ)؛ يعني: هذه الزيادة.

قال عبد الحق: قد روى الحديث جماعةٌ عن طلحة فلم يذكر أحدًا منهم «ولكن أصوم يومًا مكانه» وهذه الزيادة من رواية سفيان بن عيينة عن طلحة، وطلحةُ بن يحيى بن عبيد الله فيه مقال، والجماعة الذين أشار إليهم عبد الحق هم، الذين خالفوا طلحة بن يحيى: أبو الأحوص عند مسلم، وعبد الواحد بن زياد عن مسلم، ووكيع بن الجراح عند النسائي، والقاسم عند النسائي، وشريك القاضي عند النسائي، ويحيى القطان عند النسائي وهذه الزيادة شاذةٌ.

فهؤلاء الجماعة الثقات رووا هذا الحديث بدون هذه الزيادة، وخالفهم طلحة وفيه مقال، ويُستفاد من هذا الباب ومن هذه الآثار، والأحاديث جواز إنشاء صوم التطوع بنيةٍ من النهار، إذا لم يأكل ويشرب قبل ذلك، وهذا مذهب الإمام أحمد والإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي وهذا هو القول الراجح في هذه المسألة وإن كان بعض أهل العلم لا يجوزون ذلك لكن الصحيح الذي ذكرناه؛ يجوز إنشاء صوم التطوع بنيةٍ من النهار، ولا يجب بالليل.

فالفائدة الثانية: جواز الخروج منه، يعني من صوم التطوع، بعد الدخول فيه يعني بعد الدخول في صوم التطوع ولو من غير عذر، ولا يجب عليه القضاء وهذا القول هو القول الراجح، وانظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (ج4 ص 209).

قلت: وإن دعاك أخوك وتكلف لك في طعام وأنت صائم تطوع فلا بأس أن تفطر، وصم إن شئت في اليوم الثاني أو في أي يوم، وهذا لا بأس بذلك كما بين بعض أهل العلم.

((بَاب الصَّائِمِ يُصْبِحُ جُنُبًا)).

الباب الذي بعده.

وذكر الإمام البخاري حديث عائشة وحديث أم سلمة في ذلك، (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ) وهذا الحديث كذلك كم أخرجه البخاري أخرجه مسلمٌ في ((صحيحه))، (وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ) أي: وقد أصابته جنابةٌ من جماع إحدى زوجاته.

وهذا الحديث يبين بأن الصائم إذا أصبح وهو جنب بعد طلوع الفجر فلا يفطر، بل عليه أن يواصل الصوم، ويغتسل وصومه صحيح بخلاف قول بعض أهل العلم بأن صومه ليس بصحيح، وهذا الحديث حجة عليهم، وعائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وكذلك أم سلمة ردا على أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عندما كان يفتي بالإفطار من أدرك الفجر وهو جنب فكان أبو هريرة يفتي بإفطار هذا الرجل لكن هذا ليس بصحيح، والحديث حجة في هذه المسألة، وبيَّن له الصحابة هذا الأمر ورجع أبو هريرة عن قوله هذا وأفتى أن الجنب إذا أصبح يصوم كما في رواية الإمام مسلم.

* وأهل العلم اختلفوا في هذه المسألة: إذا أصبح الصائم جنبًا:

القول الأول: أبطلوا صومه إذا أصبح جنبًا وهذا قول أبي هريرة، لكنه رجع عنه أبو هريرة.

القول الثاني: الصوم إن كان فرضًا وأصبح جنبًا فلم يصم إذا كان فرض، لم يصم يفطر، وإن كان نفلًا صح صومه، وهذا القول كذلك قولٌ ليس بصحيح وهو قول إبراهيم النخعي والحسن البصري.

القول الثالث: وذهب الجمهور إلى صحة صومه مطلقًا في الفرض والنفل، وحديث أبي هريرة الذي عندكم في الكتاب حديثٌ منسوخ لا يصح، ولا يصح هذا القول والصحيح هو قول الجمهور: أن من أصبح وهو جنب في رمضان فعليه أن يتم صومه سواءً فرضًا أو نفلًا.

 ويقول ابن القيم في ((تهذيب السنن)) (ج7 ص14): (وهذا هو أصح الأقوال، وأمهات المؤمنين هن أعلم بأحوال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبي هريرة) ففي هذا الأمر أمهات المؤمنين أعلم بأحوال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصحابة، وهنا عندنا في رواية عند مسلم في ((صحيحه)): فرجع أبو هريرة عما يقول في ذلك في الإفتاء هذا في ((صحيح مسلم)).

وذكر المؤلف حديث همام معلقًا، وحديث ابن عبد الله بن عمر معلقًا كذلك ولعلنا نذكره مسندًا وحديث همام وصله أحمد في ((المسند)) من طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذا نودي للصلاة صلاة الصبح وأحدكم جنبًا فلا يصوم يومئذٍ)، وإسناده صحيح وهذا كله منسوخ.

وحديث ابن عبد الله بن عمر وهو عبد الله بن عبد الله بن عمر ومنهم من قال: هو عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وصله ابن حجر في تغليق التعليق، وأخرجه النسائي في ((السنن الكبرى))، وانظر: ((هدي الساري)) لابن حجر (ص23)، و((فتح الباري)) له (ج4 ص 146)، و((عمدة القاري)) للعيني (ج9 ص 66).

((بَاب الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ)).

فذكر أثر عائشة معلقًا ولعل نذكره مسندًا، أثر عائشة وصله الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) من طريق ليل عن بكير بن أشج عن أبي مرة مولى عقيل عن حكيم، قال: سألت عائشة؛ ما يحرم عليَّ من امرأتي وأنا صائم؟ قالت: «فرجها»، يعني يفعل كل شيء الصائم إلا الجماع يمتنع منه، فله أن يقبل ويباشر وأي شيء إلا الجماع، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف من طريق معمر عن أيوب عن أبي قلابة  عن مسروق قال: سألت عائشة: ما يحل للرجل من امرأته يعني من زوجته صائمًا؟ قالت: «كل شيءٍ إلا الجماع»، فيجوز للصائم أن يباشر ويفعل كل شيء إلا الجماع، وحديث عائشة المذكور صريح في هذا عندكم مسند وهو كذلك عند مسلم: «كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل ويباشر وهو صائمٌ وكان أملككم لإربه»، وهذا صريح؛ لأن الصائم يقبل ويباشر إلا الجماع، فيباشر من المباشرة وهي الملامسة، والأصل بالنسبة للمس؛ لمس بشرة الرجل بشرة المرأة، وقد ترد بمعنى الوطء في الفرج وخارجًا منه والمراد هنا: غير الجماع، «وكان أملككم لإربه» أقوى منكم في ضبط نفسه، والأمن من الوقوع فيما يتولد عن المباشرة من الإنزال، أو الجماع، أو ما يجري إليه من الجماع، والإرب: الحاجة، ويُطلق على عضو الرجل.

والمآرب جمع: مأرب، وهو الحاجة، {أُولِي الْإِرْبَةِ} [النور:31]: أصحاب الحاجات أو الحاجة، وانظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (ج4 ص149)، و((شرح صحيح مسلم)) للنووي (ج7 ص219)، و((عون المعبود)) للآبادي (ج7 ص13).

والإمام البخاري علق عندكم أثر ابن عباس مآرب حاجات وكذلك علق أثر طاووس ولم يذكر إسناد ابن عباس ولا إسناد طاووس، وتفسير ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) مسندًا من طريق أحمد بن عبدة قال: حدثنا حفص بن جُميع، قال: حدثنا سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس به، وأخرجه ابن جرير في ((تفسيره)) من هذا الوجه من طريق معاوية عن علي بن طلحة عن ابن عباس به، وتفسير طاووس أسنده عبد الرزاق في ((التفسير)) من طريق معمر عن ابن طاووس عن أبيه به، وابن حجر في ((تغليق التعليق)) كذلك، وانظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (ج4 ص152)، و((عمدة القاري)) للعيني (ج9 ص68)، وهذه التفاسير صحيحة عن ابن عباس وعن طاووس.

بعد ذلك عندنا: ((بَاب الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ)).

وذكر أثر جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ معلقًا بلا إسناد: إِنْ نَظَرَ فَأَمْنَى يُتِمُّ صَوْمَهُ.

ثم أسند الإمام البخاري للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقبل بعض أزواجه وهو صائمٌ من قول عائشة، وأثر جابر هذا أثرٌ صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) مسندًا من طريق يزيد بن هارون، عن حبيب، عن عمرو بن هرم قال: (سئل جابر بن زيد عن رجلٍ نظر إلى امرأته في رمضان فأمنى) يعني: أنزل المني من شهوتها هل يفطر؟ قال: ويتم صومه، لو أنزل يفتي جابر بن زيد بأن صومه صحيح، لكن هذا القول فيه نظر، والصحيح أنه يفطر كما سوف يأتي من قول بعض أهل العلم.

وهذا الإسناد إسنادٌ صحيح، ثم ذكر المؤلف حديث عائشة كذلك أخرجه مسلمٌ في صحيحه ومالكٌ في الموطأ والشافعي في الأم.

والقبلة للصائم إذا كان صاحب شهوة مفرطة يغلب على ظنه أنه إذا قبل وقع في الجماع فهذا يحرم عليه، لأنها مفسدةٌ لصومه؛ لأن إذا أنزل فهذا بطل صومه وعليه أن يقضي وإذا وقع في الجماع عليه كفارة ويأتي إن شاء الله الكلام عليها بعد ذلك.

أما أن يكون صاحب شهوة لكن لا يغلب على ظنه ذلك يعني لا ينزل ولا يقع فهذا لا يكره له ممكن أن يقبل ويباشر، أما بالنسبة للشيخ الكبير فهذا يُباح له؛ لأن شهوته قليلة، فيقبل ويباشر.

فإذًا الأصل في هذا: يجوز للصائم أن يقبل ويباشر دون الجماع لكن إذا يخاف على نفسه وألا يصبر ولعله يجامع ويقع وعليه كفارة، ويصوم شهرين متتابعين وغير ذلك فهذا يبتعد ويصبر، أما إذا لا يغلب على ظنه فلا بأس وأما بالنسبة للشيخ الكبير فهذا لا بأس أن يباشر، لكن إذا باشر أو قبل أو نظر فأنزل المني بدون الجماع، أو المذي يقول الإمام الشافعي: يقضي إذا أنزل في غير النظر ولا قضاء في الإمذاء، فيقضي بالنسبة للمني وإذا أمذى لا يقضي وهذا القول هو القول الراجح، إذا نظر من قوة الشهوة وأنزل المني فبطل صومه فعليه القضاء بعد رمضان، أما إذا أنزل المذي فهذا المذي لا يبطل الصوم، المذي لا يبطل الصوم، وذهب الإمام مالك يقضي في كل ذلك سواءً أنزل المني أو المذي يقضي يقول الإمام مالك.

وفي الحقيقة القول الراجح: أن المني هو الذي يبطل والمذي لا يبطل الصوم، وانظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (ج4 ص151).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ((الاختيارات الفقهية)) (ص108): (ولا يفطر بمذي بسبب قبلة أو لمس، أو تكرار نظر)، وهذا هو القول الراجح.

وأما إذا قبل أو باشر فأمنى يفطر؛ كما قال ابن قدامة في ((المغني)) (ج4 ص361): يفطر بغير خلاف نعلمه.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ((حقيقة الصيام)) (ص3): (وأما من استمنى فأنزل فإنه يفطر).

فإذًا مما سلف نقول: فالأمور التي يُباح للصائم فعلها الصائم يصبح جنبًا يغتسل بعد الفجر ويصوم.

المباشرة للمرأة يجوز.

القبلة للصائم تجوز.

ولعل إن شاء الله نأخذ أبواب أخرى بالنسبة لاغتسال الصائم.

في أي سؤال؟

هل يصلي قيام الليل إذا أوتر مع الإمام في المسجد؟

فمن السنة إذا صلى العبد مع الإمام قيام الليل في أول الليل وأوتر أصاب السنة، ولا يلزم بعد ذلك أن يصلي قيام الليل، لكن لو صلى فلا بأس بذلك، لكن السنة جاءت هكذا: أن إذا صلى قيام الليل ثمان ركعات وأوتر هذا هو السنة، فلم يكن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك يصلي قيام الليل، يعني يستمر ويواصل لكن لو صلى فلا بأس.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan