القائمة الرئيسة
الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (31) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: باب قول الله {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم...}

2024-03-12

صورة 1
الجزء (31) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: باب قول الله {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم...}

بَابُ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187].

(1915) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا، فَحَضَرَ الإِفْطَارُ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلاَ يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لاَ وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187].

الدرس الأول:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ: ((باب قول الله جل ذكره: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ...﴾[البقرة:187] إلى آخر الآية)) كما سوف يأتي بيان ذلك.

 فالباب هذا كما سوف يأتي ذكره آتاه البخاري رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ في بيان ما كان قبل نزول هذه الآية، من حرمة الأكل والشرب وإتيان النساء، ثم بعد ذلك نُسخ ذلك، إلى أن الله سبحانه وتعالى أحل لهم الجماع والأكل والشرب وبيأتي في الدرس القادم المراحل، مراحل الصوم، وكذلك ما نسخ من ذلك، وإن كان بينا هذا في الدروس التي سلفت، لكن لابد أن نأتي عليه.

 و«الرفث»: في منطقه رفث من باب طلب و «يرفث» بالكسر هي لغة كذلك، أفحش أو صرح بما يكنى عنه من ذكر النكاح، و«أرفث» بالألف هي لغة كذلك.

 عندنا الرفث بالفتح لغة، وكذلك بالكسر كسر الفاء فيرفِث وكذلك «أرفث» بالألف كذلك لغة من لغة العرب.

و«الرفث»: النكاح والجماع، فقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ...﴾؛ المراد به الجماع، أحل لكم بالليل الجماع، أحل لكم في الليل جماع نسائكم.

 وقوله تعالى: ﴿فَلا رَفَثَ﴾ [البقرة:197] في آية أخرى قيل فلا الجماع، وقيل فلا فحش بالقول من سب وشتم وهذا نهي عنه في الحج وفي غيره.

 فإذًا عندنا معنى قوله تعالى: «الرفث» الجماع، فالله سبحانه وتعالى أحل للأمة في الليل الجماع، أحل الله سبحانه وتعالى للناس بالليل الجماع جماع النساء.

 

 ويقول في ذلك فيروز آبادي في «القاموس المحيط» (ص 197): (الرفث: محركةً الجماع والفحش كالرفوث). اهـ

فيطلق على الرفث الجماع، والكلام الفاحش من السب والشتم وغير ذلك، والمراد هنا الجماع.

 ويبين هذا العيني في «عمدة القاري» (ج9 ص43): (قوله ((الرفث)): هو الجماع هنا). اهـ

 ويبين كذلك هذا الأمر، غلام ثعلب، من أهل اللغة في قوله في «ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن» (ص 179): (الرفث: الجماع)، وهذا واضح.

وانظر: كذلك «مصباح المنير» للفيومي (ص122)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص105).

 ويقول مكي القيسي في «تفسير المشكل من غريب القرآن» (ص 36): (الرفث: الجماع، ورفث القول هو الإفصاح بالخنا ومعنى الخنا الفحش من الكلام من السب والشتم). اهـ

 وقال ابن الجوزي في «تذكرة الأريب في تفسير الغريب» (ج1 ص69): (الرفث: الجماع). اهـ

 وقال الصنعاني في «تفسير غريب القرآن» (ص168): (الرفث: نكاحٌ، والرفث هنا المراد منه الجماع). اهـ

 إذًا من كلام أهل العلم يتبين بأن تفسير «الرفث»: الجماع.

 

 وقوله: «أحل»: أبيح ورخص به؛ يعني بالجماع.

وقوله: «الرفث إلى نسائكم» كما بيننا الإفضاء إليهن بالجماع.

وقوله: «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن»: كناية عن كون كل من الزوجين سببًا للآخر وسترًا له، وأنه شديد أو شديد الاحتياج إليه يمسه ويباشره كما يباشر اللباس.

فالله سبحانه وتعالى أحل ذلك للناس تيسيرًا لهم؛ لأن الرجل يحتاج إلى المرأة، والمرأة تحتاج إلى الرجل، وهذا الأمر شديد على الرجال، والنساء، فالمرأة تحتاج للرجل، والرجل يحتاج للمرأة.

 ولما رأى الله سبحانه وتعالى هذا الأمر على الصحابة والصحابيات أحل الله سبحانه وتعالى لهم ذلك؛ لأن الرجل لباس للمرأة، والمرأة لباس للرجل من ناحية المباشرة والاختلاط وغير ذلك مما يحتاج إليه الرجل مع المرأة المرأة مع الرجل، فالأمر شديد فالله سبحانه وتعالى تكرم على الأمة بذلك فأحل للأمة في هذا الأمر في الليل في شهر رمضان، أما في غير رمضان فأحل الله ذلك ليلًا ونهارًا ليلاً ونهارًا؛ لأن النساء لباس للرجال وكذلك الرجال لباس للنساء وهكذا.

فالأمر كان شديد فكان ذلك كان اللباس، اللباس يباشر صاحبه وهذا سبب الإحلال سبب الإحلال ذلك؛ لأن الأمر شديد، وأن المرأة تحتاج للرجل والرجل كذلك، فهن لباس لكم وأنتم لباس لهن فالله سبحانه وتعالى بسبب ذلك أحل الجماع والمباشرة وغير ذلك مما يحتاج إليه الرجل والمرأة.

 وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى للناس ورفع عنهم الحرج والتيسير، ولذلك هذا فيه رد على من يقول للمتمسكين بالكتاب والسنة هؤلاء متشددون، فديننا كله يسر والذي يخالف الكتاب والسنة فهذا هو الشديد وهذا هو الغالي، وأما الذي يتمسك بالكتاب والسنة في الصغير والكبير في دين الله سبحانه وتعالى فهذا هو المتمسك، فنحن متمسكون ولسنا بمتشددين؛ لأن ديننا يسر كما هو واضح.

فالله سبحانه وتعالى ييسر للناس وأحل لهم الطيبات وما يحتاجون إليه وهذا أمر واضح، تختانون تجامعون النساء، وتأكلون وتشربون في الوقت الذي كان يحرم عليكم ذلك.

 كان بعض الصحابة وهم لا يدرون يأكلون ويشربون ويجامعون، والحديث صريح في ذلك ويأتي الكلام عليه، ونزلت هذه الآية لهذا الأمر لحل الجماع وغيره.

 

قوله: «تختانون»؛ أي: تظلمون أنفسكم، فتفعلون ما حرم عليكم.

 فبعد ذلك الله سبحانه وتعالى نسخ ذلك، وأحل لهم هذا وعفا عنهم، وغفر لهم ما كان يفعله بعض الصحابة.

 وقوله: «فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ»؛ بعد الحل لكم، أن تجامعهن فهنا المباشرة بمعنى المجامعة، وتأتي المباشرة القبلة ودون الجماع.

 وقوله: «وابتغوا»؛ اطلبوا مباشرتهن وجماعهن وغير ذلك مما يحتاج إليه الرجل والمرأة، وطلب الولد وغير ذلك.

وقوله: «ما كتب الله لكم »؛ ما أحل الله لكم ورخص لكم به، من التمتع بهن وغير ذلك مما كتب الله لكم من الأرزاق وغير ذلك مما يقدره الله سبحانه وتعالى للناس.

 

ومن أراد الزيادة في تفسير هذه الآية ينظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص129،) و «عمدة القاري» للعيني (ج9 ص43)، و «تفسير المشكل من غريب القرآن» للقيسي (ص 37)، و «تفسير» الطبري (ج2 ص94)،  و«تفسير» القرطبي (ج2 ص273)، و«تذكرة الأريب» لابن الجوزي (ج1 ص69).

فيقول القسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص525): (أحل لكم ليلة صيام الرفث إلى نسائكم: كناية عن الجماع وعدى بإلى لتضمنه معنى الإفضاء ثم بين سبب الإحلال فقال هن لباس لكم وأنتم لباس لهن). اهـ

 فهذا هو السبب؛ لأن الأمر شديد على الناس فيحتاجون إلى هذا الأمر أشد الحاجة.

 فلذلك الله سبحانه وتعالى أحل لهم، ثم يقول القسطلاني: (بأن الرجل والمرأة يتضاجعان ويشتمل كل واحد منهما على صاحبه شبه باللباس أو لأن كلًا منهما يستر حال صاحبه ويمنعه عن الفجور، ثم قوله تعالى:{علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم} تجامعون النساء وتأكلون وتشربون في الوقت الذي كان حرامًا عليكم {فتاب عليكم} لما تبتم  مما اقترفتموه {وعفا عنكم} ومحا عنكم أثره). اهـ

فالله سبحانه وتعالى لما تابوا تاب الله سبحانه وتعالى عليهم وغفر لهم وعفا عنهم ثم يقول الله سبحانه وتعالى: {فالآن باشرهن} يقول القسطلاني: (أي جامعوهن   فقد نسخ عنكم التحريم {وابتغوا ما كتب الله لكم} واطلبوا ما قدره وقسمه لكم، وأثبته في اللوح المحفوظ). اهـ

 

 يقول العيني في «عمدة القاري» (ج9 ص43): (وحاصله أن الرجل والمرأة كل منهما يخالط الآخر، ويماسه ويضاجعه فناسب أن يرخص لهم في المجامعة في ليل رمضان لئلا يشق ذلك عليهم ويحرجوا). اهـ

فالرجل يحتاج للمرأة، والمرأة تحتاج إلى الرجل؛ فلذلك الله سبحانه وتعالى يسر لهم هذا.

 والمراد بهذه الترجمة بيان ما كان الحال عليه قبل نزول هذه الآية، فمراد الإمام البخاري من ذكر هذه الآية وذكرها في الترجمة بيان ما كان الحال عليه قبل نزول هذه الآية، فالله سبحانه وتعالى حرم عليهم الجماع، الجماع وغير ذلك.

 فذكر الإمام البخاري هذه الآية ليبين ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم قبل نزول هذه الآية، ثم الله سبحانه وتعالى في نفس هذه الآية بين النسخ وبين الحل، كما هو واضح وبيأتي توضيح هذا الأمر في شرح الحديث، شرح الحديث في الدرس القادم إن شاء الله غدًا.

ويقول العيني رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ عن هذا الأمر في «عمدة القاري» (ج9 ص43): «وجعل البخاري هذه الآية ترجمة لبيان ما كان الحال عليه قبل نزول هذه الآية» ونعلم من ذلك بأن الصيام كان على مراتب والفطر فيه ليس كما الآن إذا غربت الناس يفطرون لا خلاف ذلك وبيأتي تبين هذا في الدرس القادم إن شاء الله.

ولعل إن شاء الله نكمل الدرس القادم إن شاء الله، نذكر شرح الحديث، في أي سؤال؟

 

 سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan