الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (30) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين
2024-03-12
الجزء (30) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين
بَابٌ: لاَ يَتَقَدَّمُ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ.
(1914) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ».
الشرح:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن باب قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا نكتب ولا نحسب»، وبينا حديث ابن عمر رضي الله عنه، ولعل في هذا الدرس نكمله، وبينا في الدرس الذي سلف عن معنى «أمة»: وقلنا معناها الجماعة جماعة من الناس، والذين كان يقصدهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عهده هم العرب.
وبينا أن كلمة الأمة لها ثلاث اطلاقات في القرآن:
المعنى الأول: القدوة.
المعنى الثاني: مقدار من الزمان.
والمعنى الثالث: الجماعة.
وذكرنا الأدلة على ذلك، وبينا بالنسبة عن قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنا أمة أمية»؛ أي: لا نقرأ ولا نكتب.
وذكرنا بأن ذلك بالنسبة إلى الأم من ولادة الولد فيكون جاهل ولا يقرأ ولا يكتب، وهناك معنى آخر عن كلمة «أمي» بالنسبة إلى أمة العرب لأنه كان أكثرهم أميين، وبينا أن أكثر الناس في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يقرؤون ولا يكتبون، وقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا نكتب ولا نحسب» يبين هذا قليل في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يكتب وبينا هذا.
وهذا الأمر يبين كما قلنا بأن الحساب حساب النجوم كما البعض يحسبها والأفلاك وغير ذلك لا نحتاج إليها لأن هذه العلامات والمواقيت الله سبحانه وتعالى يسرها للأمة.
وبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن هذه الأمة لا تكتب ولا تقرأ وعلى هذا فلا تحتاج لأن الله سبحانه وتعالى يسر لها هذه العلامات علامات المواقيت فنعلم كما بينا بدخول صوم رمضان برؤية الهلال فلا حاجة إلى هذا التقويم وهذه الأمور.
وبينا أن القليل من هذه الأمة في عهد النبي من يكتب ويحسب، وبينا في زماننا أن الأمة أو كثير من الأمة يكتبون ويقرؤون وإن كان حتى في هذا العهد من لا يعرف يقرأ ولا يكتب من هذه الأمة، وهؤلاء يعرفون الأهلة وغير ذلك.
والمعتمد العلامات التي وضعها الشارع لمواقيت الصلوات ولدخول صوم رمضان وخروجه وغير ذلك، وبين هذا ابن حجر في فتح الباري أن المعتمد على رؤية الهلال لا الحساب حساب النجوم وتسيريها، وكذلك بين ابن حجر أن وإن كان قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نحن لا نكتب ولا نحسب» يبين أن هناك قلة قليلة ممن يحسب ويكتب، وبين ابن حجر بأن المعتمد على الرؤية لرفع الحرج على الناس، والحكم متعلق برؤية الصوم.
وكذلك بينا بأن الناس لو طبقوا الكتاب والسنة في كل شيء كما قال ابن حجر لرفع الخلاف والنزاع، لكن بسبب ما يحدث خاصة في هذا الزمان من الخلافات والنزاعات على دخول رمضان أو خروجه أو المواقيت أو غير ذلك أو الصلوات أو الحج بسبب ابتعاد هؤلاء الناس عن تطبيق الكتاب والسنة، وترك الدليل الراجح والصحيح في الأحكام.
وبين ابن حجر بأن يستوي فيه المكلفون كلهم برؤية الهلال وهذا أيسر من الحساب ومن يعرف عن الأفلاك بينا هذا.
وبينا كما نقل ابن حجر بأن هناك بعض الفقهاء حتى في الزمان القديم يرون هذا الحساب كما في هذا الزمان من يرى التقويم هذا فهؤلاء مجتهدون لكن نبين الصحيح من هذا وأن المعتمد على كتاب الله وسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند التنازع فلا يأتينا فلان ولا علان ويقول أن فلان من العلماء يقول كذا وهذا يقول كذا المعتمد كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وإن أفتى المفتون.
وبينا بأن الشريعة نهت عن الخوض عن علم النجوم وغيره، وبينا بعد ذلك ما يرتبط به الناس، يرتبط الناس بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم نبدأ درس هذا اليوم فالمعتمد في الشريعة رؤية الأهلة بصوم رمضان وفطره وغير ذلك وقد نهينا عن التكلف ولا شك أن في ذلك مراعاة ما يخفى على الناس، وهؤلاء يفتون بالظنون أصحاب الأفلاك وبينا هذا في الدرس الذي سلف وهذا في غاية التكلف.
ولذلك يقول العيني في «عمدة القاري» (ج9 ص40): (ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم ((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) ينفي تعليق الحكم بالحساب أصلا، إذ لو كان الحكم يعلم من ذلك لقال فسئلوا أهل الحساب). اهـ، فهذا واضح كما بينا
فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا غم علينا الهلال لم نره لم يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فارجعوا إلى أهل الحساب أو إلى أهل الأفلاك أو غير ذلك لا قال النبي «فأكملوا العدة ثلاثين»، وفي رواية «أكملوا عدة شعبان ثلاثين»، وهذا واضح فلم يرجعنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هؤلاء، وبينا إننا نأخذ من هؤلاء الفلكيون والحسابيون والنجوميون وغيرهم ما صح عنهم وإلا في هذه الأمور والعلامات وغير ذلك مما يتعلق بمواضيع المواقيت أو في المواقيت للصلاة وغير ذلك فلا نأخذ إلا ما في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الامر كما بين ابن الحجر كذلك يبينه العيني ينفي تعليق الحكم بالحساب أصلًا إذ لو كان الحكم يعلم من ذلك لقال فسئلوا أهل الحساب، لم يقل ذلك.
وقال ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص32): (وهذا الحديث ناسخ لمراعاة النجوم بقوانين التعديل، وإنما المعول على الرؤية في الأهلة التي جعلها الله مواقيت للناس في الصيام والحج والعدد، وإنما لنا أن ننظر من علم الحساب ما يكون عيانا، وأما ما غمض حتى لا يدرك إلا بالظنون وتكييف الهيئات الغائبة عن الأبصار فقد نهينا عنه وعن تكلفه). اهـ، هذا كلام واضح.
فهذا الحديث يرد على الفلكيين وعلى المتعالمين الذين يقولون بأننا نرجع في مواقيت الصلوات الخمس إلى التقويم ونرجع إلى رؤية الهلال بدخول صوم رمضان إلى التقويم وإنما نحن كما بينا هذا الحديث يرد عليهم كما بين ابن بطال.
وبين أمر أن علم الحساب نأخذه إذا كان عيانا واضحا لنا، وموافق للشرع فهذا نأخذ به، أما الغامض وما لا نراه ولا نعرفه فلا نأخذ منه شيئًا، ويبين بأننا نهينا عن ذلك، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهانا عن أخطاء الفلكيين والحسابيين، ويقول البعض نرجع إليهم.
ويبين كذلك ابن بطال في قوله: (وعلة ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث إلى الأميين الذين لا يقرءون الكتاب، ولا يحسبون بالقوانين الغائبة، وإنما يحسبون الموجودات عيانا). اهـ، ديننا ظاهر في كل شيء ما فيه خفاء ما يخفى إلا على الجاهل، فعلى العبد أن يتعلم كتاب الله وسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سوف يرى معرفة الأحكام بيسر.
والأحكام واضحة وفي بعض الأحكام تشكل على العبد بلا شك ولكن عليه أن يسأل أهل العلم عن ذلك، أما غالب الأحكام هذه ما تخفى على الناس أبدًا خاصةً في مسألة المواقيت ورؤية الهلال فهذه الأمور يسيره إلى معرفتها فلذلك على الناس الاتباع.
ويؤيد ما ثبت من قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقول أهل العلم :
قوله تعالى: في مسألة أن النبي أرسل إلى الأميين الذين لا يكتبون ولا يقرؤون، كقوله تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ [الأعراف:158].
وكما في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [الجمعة:2].
فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث في الأميين.
ولذلك الله سبحانه وتعالى يسر الله لهم معرفة المواقيت كلها، فلا حاجة لنا إلى التكلف فيها.
ثم يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ باب: لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين.
وذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ» هكذا كما أشار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذكره هذا شيخ البخاري مختصرًا كما عندكم وإلا مسلم ذكره مطولاً، فذكره آدم شيخ البخاري مختصرًا وفيه اختصار عما رواه غندر عن شعبة كما أخرجه مسلم عن ابن المثنى وغيره.
ثم ذكر الباب الذي ذكرته لكم، وذكر فيه حديث أبي هريرة، وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم في «صحيحه»، وأبو داود في «سننه»، والترمذي في «سننه»، والنسائي في «السنن الكبرى» وفي «السنن الصغرى»، وابن ماجه في «سننه».
وفي بعض نسخ صحيح البخاري: «باب: لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين»، وبعضها «لا يتقدمن رمضان»، والمراد المكلف لا يتقدم رمضان بيوم أو يومين، وتكلمنا عن هذا في الدروس التي سلفت في باب ترك صوم يوم الشك حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما وفصلنا في ذلك ولعل نتكلم على هذا باختصار.
فقوله «لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين»: أي لا يتقدم العبد رمضان بصوم يوم بعده اليوم قبله، يقصد بذلك الاحتياط له، فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكلف.
ومن ذلك بين بعض أهل العلم لكي لا يصوم ولعل يكون أن يكون هذا اليوم يوم الشك، هل هو من شعبان أو من رمضان وبينا هذا.
وكذلك هذا المعنى الثاني بقصد الاحتياط فلا يتقدم رمضان بصوم يوم بعده بقصد الاحتياط له فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكلف وهذا مراد الإمام البخاري إتيان هذا الحديث حديث أبي هريرة هنا.
فما دام الصوم مرتبط بالرؤية فلا يتكلف الشخص أن يصوم فإن رأى الهلال فيصوم وإلا يكمل عدة شعبان ثلاثين يوما.
لأن الحكم علق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم، لأن الله سبحانه وتعالى علق دخول شهر رمضان بالرؤية، فهذا يصوم وهذا فيه تكلف، وهذا فيه كذلك طعن في هذا الحكم؛ فلذلك الحكم هذا مرتبط بالرؤية.
وفي الحديث رد على من يرى تقديم الصوم على الرؤية كالرافضة.
والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استثنى «إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم»: فيستثنى من ذلك صوم القضاء من عليه قضاء والنذر، وغير ذلك، يعني أناس يتنفلون بالصوم فلا بأس أن يصوموا صومهم هذا للرخصة الشرعية فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جوز لهؤلاء ففقط الصوم.
أما غير المعتاد على الصيام فلا يصوم.
وهذا بيناه بالأدلة الصحيحة على وجوب الوفاء بذلك
«إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم» فمعنى الاستثناء: أن من كان له ورد فقد أذن له فيه لأنه قد اعتاده وألفه، وترك المألوف شديد، فالذين ألفوا الصوم فتركهم لهذا الصوم شديد عليهم؛ فلذلك أذن لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك.
فلذلك يرى بعض العلماء تحريم التقدم بيوم أو يومين لحديث الباب.
وانظر في ذلك: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص128)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج4 ص528)، و«عمدة القاري» للعيني (ج9 ص41).
وهناك فائدة:
قال جمهور العلماء يجوز الصوم تطوعًا بعد النصف من شعبان، وضعفوا الحديث الوارد فيه، وهو: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»، وهذا الحديث من حديث أبي هريرة وهذا حديث ضعيف لا يصح، قال أحمد أنه حديث منكر، وكذلك قال ابن معين أنه حديث منكر.
ولعل إن شاء الله يأتي دوره حتى نبينه بالتفصيل فإذًا لأن بعض أهل العلم يكرهون الصوم بعد نصف شعبان لكن اعتمدوا على هذا الحديث الضعيف.
فيجوز للناس أن يصوموا بعد النصف في شعبان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كما بينت ذلك عائشة رضي الله عنها، وبيأتي الكلام على هذا إن شاء الله، ولعل إن شاء الله نتكلم في الدرس القادم في درس جديد، نعم فيه أي سؤال؟.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.