الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (23)كتاب الصوم من صحيح البخاري: باب هل يقول إني صائم إذا شتم-وباب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة
2024-02-28
الجزء (23)كتاب الصوم من صحيح البخاري: باب هل يقول إني صائم إذا شتم-وباب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة
بَابٌ: هَلْ يَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ إِذَا شُتِمَ.
(1904) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ).
«وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ».
«لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ».
بَابٌ: الصَّوْمُ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ العُزْبَةَ.
(1905) حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي، مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
الشرح:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «بابٌ» هكذا بالتنوين، «هل يقول إني صائم إذا شتم»، ثم ذكر حديث أبي هريرة ومر علينا هذا الحديث وشرحناه جملةً وتفصيلاً، لكن سوف نذكر بعض الفوائد فيه في أثناء الشرح.
ثم بعد ذلك ذكر الباب الذي بعده، فقال: «بابُ» بدون تنوين، «الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة»، في رواية «العزبة» بيأتي الكلام عليها إن شاء الله أثناء الشرح.
وهذا الحديث أي حديث أبي هريرة كذلك أخرجه مسلم في «صحيحه»، والنسائي في «سننه»، وغيرهما، ومر علينا تخريج هذا الحديث كذلك.
* وقوله «بابٌ»: هذا باب بالتنوين، أما الذي بعده والذي قبله بينا بابُ «هل يقول» أي الشخص.
* «إني صائم إذا شتم»؛ أي: فهل يجوز أن يقول إني صائم، وهل هذا من الرياء أو لا؟ وبيأتي الكلام بعد ذلك إن شاء الله.
وأورد الإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فيه حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وقد تقدم الكلام عليه مستوفى قبل ستة أبواب.
* وقوله «يصخب»: هكذا للأكثر من الرواة لصحيح البخاري بالمهملة الساكنة، «يصخب» بعدها خاء معجمه، ولبعضهم بالسين «يسخب»، بدل «يصحب»، ولبعضهم يعني بعض الرواة بالسين بدل الصاد، وهو بمعناه يعني بمعنى واحد، «والصخب»: الخصام والصياح فالشارع ينهى الصائم عن الخصام والاختلاف والتفرق والصياح والتشاحن وإلى آخره، وهذا مر علينا شيء منه في الدرس الذي سلف.
* ويقال «صخب الجمع صخبًا»: أي علت فيه الأصوات واختلطت بالصياح، ويقال فلان صاح، والبحر تلاطمت أمواجه فهو صاخب، وإذا تلاطمت الأمواج للبحر أحدث أو أحدثت هذه الأمواج أصواتًا في البحر كما لا يخفى، ويقال استصخب القوم: تصايحوا وتضاربوا، ويقال صخ الحجر صخًا وصخيخًا صوت عند القرع.
وانظر «معجم الوسيط» (ص508)، و«فتح الباري» لابن حجر ( ج4 ص118)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني ج4 ص517، و«عمدة القاري» للعيني ج9 ص29.
* فهذا معنى «يصخب»: وهو الخصام والصياح والتشاجر وغير ذلك مما نحو هذه المعاني؛ لأن عندكم هنا «فلا يرفث» هكذا بفتح الفاء، «فلا يرفث ولا يصخب»: يعني لا يصيح ولا يتشاجر ولا يخاصم، وهكذا.
وصخب صخبًا ورجل صخب وصاخب وصخاب وصخبان أي كثير اللغط والخصام، والمرأة صخبا، وإبدال الصاد سينًا لغة عند العرب، وسمعت إصطخاب الطير: أي أصواتها.
انظر «المصباح المنير» للفيومي (ص174)، و«مختار الصحاح» للرازي (ص150).
فإذًا معنى الآن «الصخب»: الصياح والخصومات وغير ذلك وهذا منهي عنه الصائم خاصة، وإلا هذه الأمور منهي عنها مطلقًا في رمضان وفي غير رمضان، وبينا هذا في الدرس الذي سلف بالنسبة للمحرمات، لكن بينا بأن المحرمات أي تركها تتأكد للصائم؛ لعظم شهر رمضان وتعظيمًا لهذا الشهر، فلا يجوز التخاصم والتشاحن والتفرق والاختلاف وما شابه ذلك، وبينا أن أصر الناس على ذلك آثموا، ونقص صيامهم وجرح هؤلاء صيامهم، أو هذا الرجل جرح صيامه ونقص من صيامه ولعله لا يقبل لا يقبل منه، فما بالك الذي يحدث الخصومات من نفسه؟ فالأمر عظيم وبينا هذا الأمر في الدرس الذي سلف فعلى الناس الاتباع.
* وقوله «للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه» زاد الإمام مسلم في صحيحه «بفطره» يعني فرح بفطره وهذه رواية.
* وقوله «يفرحهما»: أصله يفرح بهما، فحذف الجار بهما، ووصل أو وصل الضمير كقوله: «صام رمضان» أي فيه أي صام في رمضان، ومعناه فرح بزوال جوعه، وعطشه حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح الطبيعي الذي يفرح به الصائم، والأصل في هذا عند انتهاء الشهر يفرح، العبد ممكن أن يدخل في كل يوم عند فطره، إذا أفطر عنده غروب الشمس، لكن الأصل في ذلك آخر الشهر فيفرح الناس بفطرهم.
وقيل إن فرحه بفطره إنما هو من حيث إنه تمام صومه وخاتمة عبادته، وتخفيف من ربه، ومعونة على مستقبل صومه، فيفرح لهذا، وهذا المعنى الثاني، وكذلك الأول يحتمله الحديث، فيفرح بالطعام والشراب هذا الصائم، وكذلك يفرح أنه تم صومه، سواءً آخر الشهر أو في كل يوم، وختم الله سبحانه وتعالى له بهذه العبادة، وخفف الله سبحانه وتعالى عليه ذلك.
وجعل الله سبحانه وتعالى الصيام شهرًا واحدًا في السنة، وهذا الشهر وهذا الصيام عونًا للعبد على طاعة الله سبحانه وتعالى، وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص118)، و«عمدة القاري» للعيني (ج9 ص29).
قال ابن حجر رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في «فتح الباري» (ج4 ص118): (ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر، ففرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك، فمنهم من يكون فرحه مباحًا وهو الطبيعي، ومنهم من يكون مستحبًا، وهو من يكون سببه لشيء ثم ذكر..). اهـ
وقال القسطلاني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في «إرشاد الساري» (ج4 ص518)؛ قوله: (للصائم فرحتان خبر مقدم ومبتدأ مؤخر يفرحهما أي يفرح بهما فحذف الجار توسعًا كقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}؛ أي: فيه أي فليصوم شهر رمضان، إذا أفطر فرح زاد مسلم ((بفطره))؛ أي: لزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا الفرح الطبيعي، أو من حيث إنه تمام صومه وخاتمة عبادته، وفرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك، ((وإذا لقي ربه عز وجل فرح بصومه))؛ أي: بجزائه وثوابه أو بلقاء ربه وعلى الاحتمالين فهو سرور بقبوله). اهـ
وقال الخطابي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في «أعلام الحديث» (ج2 ص946): (وقوله للصائم فرحتان إذا أفطر فرح يحتمل أن يكون فرحة عند الإفطار سرورًا بما وفق له من إتمام الصوم والمعونة عليه الثواب الجزيل، ويحتمل أن يكون فرحه بالطعام إذا بلغ منه الجوع لتأخذ منه النفس حاجتها)، وهذا واضح من كلام أهل العلم.
قلت: فإن ساب أحدهم أحد أو خاصمه أو جادله أو قاتله بمشاجرة وغيرها فليقل أي بلسانه وهو الراجح إني امرؤ صائم ويعرض عنه قال تعالى: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، فإذًا يستحب للعبد، ومن السنة إذا سابه أحد وهو صائم أو أراد أن يخاصم أو يشاجر أو يجادل بالباطل أو ما شابه ذلك، فعليه أن يعرض عنه ويجهر في وجهه، ويقول ذلك بلسانه إني امرؤ صائم أو إني صائم؛ فإن هذا أمر من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يخاصمه ولا يجادله، ولا يتشاجر معه لكي لا يجرح صيامه فيتعدى الحدود وينقص من صيامه، وينقص من أجره فلذلك على الصائم أن يهتم بصيامه كما أسلفنا في الدرس الذي سلف.
فهذا الصوم أمره عظيم، فعلى العبد أن يمسك عن الغضب وعن الكلام القبيح، وعن المخاصمة والجدال وما شابه ذلك، وإذا تعرض لك أحد فاعرض عنه؛ لأن هذا جاهل ما يفهم، ولعله يتلفظ بأمور ثم أنت تتلفظ بأمور مخالفة للشرع، فاجعل لك الأجر أن تمسك عنه واجعله يتكلم ما يشاء ويأثم، إلا في أمر الأمور الضرورية كالمدافعة عن النفس، الشخص هذا أراد أن يقتل هذا الشخص، أو بأمر يتعدى بأمر كبير ممكن أن يتضرر الشخص، كالضرب مثلاً أو بخشبة أو ما شابه ذلك، فهنا لا بأس للصائم من أن يدافع عن نفسه ويذب عن نفسه، لكن وهذا يكون نادر ومن ناس من الهمج، لكنه في الغالب تكون مخاصمة في الكلام ومجادلة وما شابه ذلك، فهذه الأمور إذا تعرض للصائم فعليه أن يقول إني امرؤ صائم ثم يعرض عن ذلك.
قلت: ويجوز شرعًا أن يقول إني امرؤ صائم لمن سابه أو شاتمه أو غير ذلك وليس فيه أي حرج من جهة الشرع كما هو ظاهر الحديث، فإن قال إني امرؤ صائم حصل له الأجر وارتدع خصمه عنه فإن سابه خصمه آثم على ذلك، فالصائم إن فعل ذلك أجر على عمله هذا وفعله، وآثم الخصم، وهذا فيه تأكيد على حرمة الصوم، من أن يفعل أو يفعل الصائم المحرمات، فهذا الشهر عظيم، فلابد أن يحترم، وعلى الصائم أن يترك هذه الألفاظ.
فينبغي للصائم أن يعظم من شهر رمضان ما عظم الله تعالى ورسوله ويعرف ما لزمه من حرمة الصيام، وانظر «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج4 ص24).
قلت: وذهب جمهور العلماء على أن الصائم لا يفطره السب، والشتم، والغيبة، وغير ذلك مما أسلفنا في الدرس الذي سلف وبينا هذا.
قال ابن بطال رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص24): (واتفق جمهور العلماء على أن الصائم لا يفطره السب والشتم والغيبة، وإن كان مأمورًا أن ينزهه صيامه عن اللفظ القبيح)، فعلى الصائم أن ينزه نفسه عن ذلك وهذا في الصيام تأكيدًا، وإلا التلفظ بالقبيح فهذا محرم في رمضان وفي غير رمضان، وحتى في رمضان ولو تعرض لك الشخص بشيء فاعرض عنه فاعرض عنه لأنه جاهل.
ثم قال المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «باب الصوم لمن خاف على نفسه العزبة» يعني العزوبة، ففيه بعض الروايات «العزبة»، وفيه بعض الروايات «العزوبة» بالواو، وفيه بعض الروايات بدون الواو.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا مسلم في «صحيحه»، وأبو داود في «سننه»، والنسائي في «سننه» وابن ماجه في «سننه».
باب مشروعية الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة، أي ما ينشأ عنها من إرادة الوقوع في العنت وهو الزنا، فمن خاف من ذلك الوقوع في محرمات كالزنا وما شابه ذلك فعليه بالصوم وهذا مراد الإمام البخاري في ذكره هذا الحديث في هذا الباب.
* و«العزبة» بضم المهملة وسكون الزاي موحدة، كذا في رواية أبي ذر للصحيح، ولغيره من الرواة العزوبة بزيادة واو، وانظر «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص419)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج4 ص518).
قال ابن حجر رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في «فتح الباري» (ج4 ص199): (والمراد بالخوف من العزوبة ما ينشأ عنها من إرادة الوقوع في العنت يعني الزنا). اهـ
وقال العيني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في «عمدة القاري» (ج9 ص29): (أي: هذا باب في كسر النفس بالصوم لمن خاف على نفسه العزوبة بضم العين والزاي). اهـ
والعزوبة من البعد، ولذلك ترى الرجل الأعزب بعيد عن النكاح، وكذلك المرأة العزباء الغير متزوجة بعيدة كذلك عن النكاح، فالعزوبة من البعد يقال عزب الشيء عزوبًا، من باب قعد، أي بعد، وعزب غاب وخفي فهو عازب وعزب الرجل يعزب من باب قتل عزبةً وعزوبةً إذا لم يكن له أهل، وامرأة عزباء مثل أحمر وحمراء.
فالعزوبة من البعد والرجل الغير متزوج أو ليس عنده أهل هذا أعزب، والعزب هو الذي لا أهل له، والبعيد من النكاح، والعزبة التي لا زوج لها، فالعزب هو الذي لا أهل له، والبعيد من النكاح، والعزبة التي لا زوج لها.
وانظر: «عمدة القاري» للعيني (ج9 ص29)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص211).
* وقوله «الباءة»: الباءة فيها أربع لغات الفصيحة المشهورة بالمد والهاء «الباءة» بالهمز والمد، اللغة الثانية بلا مد «الباه»، الثالثة بالمد بلا هاء «الباء» هكذا بدون الهاء يعني آخر الكلمة همزة الباء، اللغة الرابعة «الباهة»، بهائيين بلا مد، البهة ، بهائيين بلا مد، يعني ما فيها همز، «فالباءة والباء والباه والباهة»: النكاح، فمعنى الباءة النكاح، بعض العلماء قال الجماع لكن هذا أعم، يعم الجماع وغيره، المؤونة مؤونة النكاح، أي الذي لا يستطيع على مؤنة النكاح فعليه بالصوم، ومنه سمي النكاح باء، أو باهة؛ لأن الرجل يتبوأ من أهله، أي يستمكن منها، كما يتبوأ من داره، وبوءه منزلاً انزله فيه.
وانظر: «عمدة القاري» للعيني (ج9 ص31)، و«معجم الوسيط» (ص77)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج4 ص518)، و«أعلام الحديث في شهر صحيح البخاري» للخطابي (ج2 ص950).
* «الباءة»: إذًا الزواج.
* وقوله «من استطاع الباءة فليتزوج»: أي من استطاع على مؤنة أو مؤن الزواج فليتزوج، النفقة وما شابه ذلك من المهر.
* «فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج»: أي أدعى إلى غض البصر، وأدعى إلى أحصان الفرج، فهذا الزواج، فالزواج أمره عظيم جدًا للرجال والنساء.
* قوله «فإنه»: أي فإن التزوج بدل أو بدل عليه قوله فليتزوج.
* وقوله «فإنه له وجاء»: أي فإن الصوم له أي للصائم، و«الوجاء»: بكسر الواو وبالمد، وهو في الأصل في أصل لغة العرب هو رض الخصيتين، وقيل هو رض العروق، لأنه يكسر الشهوة، وهذا هو الأصل عند العرب.
انظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص335)، و«عمدة القاري» للعيني (ج9 ص31)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج4 ص519)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص419)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج4 ص26)، و«أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري» للخطابي (ج2 ص950).
والمراد هنا في «الوجاء» بأن الصوم قاطع للشهوة، أو مخفف للشهوة، فإما أن يقطع الشهوة على هذا العبد أو يخفف الشهوة، وممكن بعضهم وهذا نادر لعل تثور شهوته حتى في الصيام، وهذا نادر لكن الغالب أما أن يقطع الشهوة أي الصوم أو يخفف شهوة الشخص، فلا يلتفت إليها.
قال العيني رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في «عمدة القاري» (ج9 ص31): (وفيه أن الصوم قاطع لشهوة النكاح). اهـ
وقال ابن حجر رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في «فتح الباري» (ج4 ص119): (ومن يفعل به ذلك تنقطع شهوته، ومقتضاه أن الصوم قامع لشهوة النكاح). اهـ
قلت: وفيه الأمر بالنكاح لمن استطاع عليه.
قال ابن بطال رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص25): (ندب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته النكاح؛ ليكونوا على كمال من أمر دينهم، وصيانة لأنفسهم في غض أبصارهم وحفظ فروجهم). اهـ
فهذا النكاح أمره عظيم، فلا بد على الرجال أن يهتموا بذلك، وكذلك النساء، وله شروط وأمور لعل تكلمنا عنها كثيرًا فلا داعي إلى ذكر ذلك، وهذا أمر معروف للرجال والنساء.
فائدة: قال الخطابي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في «أعلام الحديث» (ج2 ص950): (وقد يستدل به على جواز التعالج لقطع الشهوة، كتناول الكافور ونحوه من الأشياء)؛ يعني من الأدوية فإذا هناك أدوية تقطع الشهوة، أو تخفف الشهوة فلا بأس من تناول هذه الأدوية؛ لكي تقطع شهوة الرجل أو شهوة المرأة إلى أن يتزوج أو هذه المرأة تتزوج وهذه فائدة ذكرها الخطابي، فلا بأس بالتعالج بالأدوية وتناول الأدوية التي تخفف الشهوة.
قلت: ولا يلزم من تشبيه الصوم بالوجاء المطابقة من كل وجه، فإن غاية الشرع من الصيام أضعاف الشهوة وليس قطعها، فإن القطع لا يجوز يعني مطلقًا الاختصاء وهذا لا يجوز، لكن قطعوها بالصيام أو بالأدوية أو ما شابه ذلك، وكذلك بالنسبة لاستعمال الأدوية، استعمال ما يضعف الشهوة، لا ما يقطع، فلا يجوز للعبد أن يأخذ أدوية يقطع الشهوة بالكلية فلا ترجع إليه فهذا لا يجوز، لكن القطع المعنوي إلى مدة معينة، أو كذلك بالأدوية إلى أن ييسر الله سبحانه وتعالى لهذا الرجل الزواج، والمرأة الزواج.
ولعل ننتقل إن شاء الله الدرس القادم باب آخر، فيه أي سؤال؟.
سؤال:....
الجواب: هذا مستحب، بين بعض أهل العلم حتى لو خاف على نفسه الزنا فيستحب له، لكن يجب عليه أن يمسك عن الزنا؛ لأن هذا أمر محرم ما يجوز؛ فلذلك على العبد إذا لا يستطيع الصوم لابد أن يمسك عن الزنا.
سؤال:....
الجواب: هو التبين والإرشاد هذا، والأمر هذا في رمضان؛ لأنه هو الأصل، لكنه يدخل في صوام النوافل، وكذلك حتى لو كان في فطره، ممكن أن يكفه بأي كلام، الشخص ما يكون صائم ولعل شخص يتعرض له بشيء من ذلك، فممكن أن يكفه اتق الله مثلاً، أو ما شابه ذلك، ويعرض عنه والله سبحانه وتعالى يتولاه.
سؤال: أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، هذا السائل يقول: للمحاليل......؟
الجواب: بالنسبة لهذه التحاليل وكذلك البنج الذي يكون على الأسنان وما شابه ذلك فهذا لا يفطر، حتى لو أقلع الضرس فلا يفطر، وحتى لو ابتلع شيئًا من ذلك فهذا لا يفطر؛ لأنه ليس أكلاً ولا شرب، وبين هذا ابن تيمية حتى مسألة القطرة في الأذن أو ما شابه ذلك وبيأتي الكلام على هذا فلا يفطر، حتى لو وجد شيئًا في حلقة لأن؛ هذا ليس أكل ولا شرب.
سؤال: يقول السائل: ما هي أسباب الخصومات؟.
الجواب: الخصومات على باطل، وبالألفاظ القبيحة كالسب والشتم ويدخل في ذلك التكفير والتبديع وما شابه ذلك إذا كان ليس هذا واقع للشخص، كذلك المحرمات السب معروف سب الأب والأم أو وسب الشخص نفسه هو الصائم هذا أو سب أبنائه أو أقاربه كل هذه يدخل في اللعن وما شابه ذلك، فهذا الرجل الذي يتلفظ بذلك فهذا واقع في محرم، فأنت لا تقابله بذلك، فقل له إني صائم واعرض عنه، إلا في الأمور المستثناة كما بينت لكم.
فهذا أمر مطلوب، يريد أن يقتل، يريد أن يفعل أمرًا عظيم فكن رجلاً، أما وهذا نادر يكون، أما الأمور الغالبة هي مسألة السب والشتم وما شابه ذلك، الذي يقع من الناس، والمشاجر باللسان، فهذا هو الذي يدخل في الحديث.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.