الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (21) كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان
2024-02-28
الجزء (21) كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان
الدرس الثاني في الباب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وما زلنا في: باب أجود ما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكون في رمضان، وبينا معنى هذا الحديث جملةً وتفصيلًا، وبقيت بعض الفوائد في هذا الباب.
فقوله: «أجود بالخير من الريح المرسلة» والمرسلة: أي المطلقة -يعني أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الإسراع بالجود أسرع من الريح.
قلت: والإرسال: الإطلاق، يقال أرسلت الطائر من يدي إذا أطلقته، وانظر: «المصباح المنير» للفيومي (ج1 ص 119).
فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أسرع بالجود والخير والكرم من الريح المرسلة، والريح المرسلة سريعة كما لا يخفى، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسرع من الريح المرسلة في العطاء والكرم والبذل وإلى آخره، وخاصه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكون في رمضان.
فيجب علينا أن نقتدي بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك ونكون كرماء في الإنفاق والعطاء والبذل وبشرط كما بينا أن يكون لوجه الله سبحانه وتعالى، ويكون لمساعدة المحتاجين من اليتامى والأرامل والفقراء والمساكين، وبيأتي هذا الكلام إن شاء الله في يوم الخميس في شرح الزكاة.
وفي هذا الحديث من الفوائد، منها:
(1) الحث على الجود في كل وقت: فلا بد أن يكون المسلم هكذا في طوال السنة منفق على إخوانه المسلمين لا يريد أي شيء بل يريد وجه الله سبحانه وتعالى في ذلك؛ لينال الأجر من الله سبحانه وتعالى.
(2) الزيادة في رمضان: فإذا جاء رمضان لابد على المسلم أن يزداد من الخير ليس كما في غير رمضان فلابد أن يزداد من الخير، فالخير في رمضان ليس كغيره فكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجود ما يكون في رمضان، فعلينا بالاقتداء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وليحذر العبد أن يجعل نفسه أنه كريم وجواد ويساعد المحتاجين والمساكين لكن لأجل حزبه ولأجل نفسه كما يحصل من أهل البدع وأصحاب الأهواء فهؤلاء في الحقيقة ضيعوا أنفسهم في الآثام وضيعوا أتباعهم، فالعبد لابد أن يكون فعله لله سبحانه وتعالى، ففعله لله وقوله لله سبحانه وتعالى وهذا أصل في الإخلاص؛ ولذلك ترى أهل الإسلام يزدادون من الخير في رمضان، وانظر إلى كبار السن من الرجال والنساء يزدادون خيرًا والله سبحانه وتعالى وفقهم وكذلك بقية أهل الإسلام من أهل السنة والجماعة، بخلاف أهل البدع الذين ضيعوا أنفسهم في شهر رمضان وفي غيره كل ذلك لأجل الحزب.
(3) الاجتماع بأهل الصلاح: لأن جبريل عليه السلام كان يجتمع مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجتمع مع جبريل عليه السلام وهذا الحديث فيه فوائد أن تكون الاجتماعات والزيارات عند أهل الصلاح وإلى أهل الصلاح، بخلاف أهل المعاصي أو أهل البدع؛ يزورون أهل البدع أو أهل المعاصي، ولا تراهم يزورون أهل الصلاح خاصةً من علماء أهل السنة والجماعة علماء التوحيد والأثر والحديث فهؤلاء زهدوا في زيارة أهل الحديث، وهؤلاء محرومون بلا شك.
(4) زيارة الصلحاء وأهل الخير: وهذا من زيارة جبريل عليه السلام للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا بأس بتكرار الزيارة لأهل الصلاح إذا كان المزور لا يكره ذلك؛ لأن ممكن أن يكون هذا العالم أو هذا الصالح عنده أمور فلعل بتكرار الزيارة إليه يكره ذلك، فإذا كان لا يكره ذلك فلا بأس بتكرار الزيارة عليه، وإلا أصل الزيارة مندوبة كما لا يخفى.
(5) الاستحباب الإكثار من القراءة في شهر رمضان: أي تلاوة القرآن الكريم ففيه خير كثير للأمة في رمضان والله سبحانه وتعالى يضاعف لمن يشاء في الأجر، وأما ما ينتشر في كل رمضان بأن الأجر يضاعف بالنسبة للصلاة تكون صلاتين، وما شابه ذلك، لكن هذا ليس عليه أي دليل، لكن الله سبحانه وتعالى يضاعف لمن يشاء من الخير، لكن أن تضاعف الحسنات في رمضان فهذا ليس فيه دليل على ذلك.
وسمعت مرة بأن النوافل تكون بأجر الفرائض، من قال بذلك؟! فهذا كله اجتهاد لكن في الحقيقة لا يوجد أي دليل على هذا الأمر، والحسنات هي هي ولكن بالنسبة لتضاعف ذلك فهذا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، فيضاعف لمن يشاء في رمضان وفي غيره.
فإذًا استحباب الإكثار من القراءة في شهر رمضان كونها أفضل من سائر الأذكار المستحبة، إذ لو كان الذكر أفضل أو مساويًا لفعله جبريل مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن كان يدارسه القرآن وعندما اقتربت وفاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السنة الأخيرة فكان يدارسه مرتين فيعرضه على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين، وهذا الذي بينه النووي / في: «كتاب صحيح مسلم».
(6) وفي الحديث إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان: وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج1 ص 31)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج4 ص 22)، و«عمدة القاري» للعيني (ج1 ص 86).
(7) وفي الحديث تعظيم شهر رمضان وفضله: فهذا الحديث يبين فضل شهر رمضان، وبينا فضائل شهر رمضان في الدروس التي سلفت وهذا الحديث منها، فهذا الحديث في تعظيم لهذا الشهر وفضله.
قال القسطلاني / في «إرشاد الساري» (ج4 ص 514): (وفي هذا الحديث تعظيم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن ثم معارضة ما نزل منه فيه). اهـ
وقال ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص22): (وفيه -أي الحديث- بركة أعمال الخير وأن بعضها يفتح بعضًا ويعين على بعض، ألا ترى أن بركة الصيام ولقاء جبريل عليه السلام وعرضه القرآن عليه زاد في جود النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصدقه حتى كان أجود من الريح المرسلة). اهـ
في هذا الشهر بركة الأعمال الخيرية، وهذه الأعمال يجب فيها الإخلاص لله سبحانه وتعالى، لا ينتمي إلى أي جمعية فيها أو حزب أو جماعة بدعية أو إلخ.. فلابد أن تكون هذه الأعمال لله سبحانه وتعالى ويبشر العبد بالفوز في الدنيا وفي الآخرة، ويبشر بالبركة في أعماله جميعها.
وقال ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص 23): (وفيه –أي الحديث- أن المؤمن كلما أزداد عملا صالحًا وفتح له باب من الخير فإنه ينبغي له أن يطلب بابًا آخر وتكون عينه ممتدة في الخير إلى فوق عمله ويكون خائفا وجلا غير معجبا بعمله طالبا الارتقاء في درجات الزيادة). اهـ
فلا بد أن يكون المؤمن هكذا يزداد بعمله الصالح، وكلما أفتتح بابا للعمل فعليه أن يطلب غيره، ولا يكون مثل السطحيين من الرجال والنساء، إذا فعل شيئـا من الأعمال عظم هذا العمل وأوصل هذا العمل إلى فوق، ورأى نفسه أنه يعمل الأعمال الكثيرة فيتوقف من العمل، إلا الأمور التي تفرض عليه، وهذا غلط فلابد أن يفتح العبد بابًا آخر وهكذا في الأعمال الصالحة ولا يقتصر على عملًا.
وممكن المتبرجة مثلًا بعد هذا التبرج تلبس الغطاء على الرأس وتتحجب كما يقال تكتفي بهذا الأمر وتعظم هذا الأمر، فلابد من الزيادة.
وكذلك الذين ينفقون، ينفقون فقط في رمضان، وغير رمضان فلا، فلابد العبد إذا فتح بابًا من الأعمال الصالحة فعليه أن يفتح بابًا آخر للعمل الصالح وهكذا إلى أن يأتيه اليقين ويتوفى، هكذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن بعده الصحابة والأئمة والحفاظ من أهل السنة والجماعة والأثر والحديث كانوا هكذا، وكانوا خائفين.
ويحذر العبد من العجب بعمله، ففي الحقيقة فيه أناس يدخل عليهم الشيطان في عمله ويغتر بعمله، وممكن أن يُحقر الآخرين، خاصة إذا رزق شيئـا من العلم، وخاصة علم الحديث فيغتر العبد بهذا فيحقر الآخرين، ويعجب بعمله هذا، كما حصل لأناس قد ذكرهم الذهبي في «السير»، وكذلك في «الميزان» وبعض أهل العلم وبينوا هذا الأمر.
ودائمًا وأبدًا يكون طالبا للارتقاء في درجات الزيادة ولا يقتصر على شيء واحد، فيزداد هنا وهناك من الخير، وعليه كذلك هو لا يقتصر في عمله على خير فلابد أن يعمل هنا وهناك؛لأجل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
قلت: ونزول جبريل عليه السلام في رمضان للتلاوة دليل على عظم فضل التلاوة تلاوة القرآن فيه، وهذا أصل التلاوة للناس للقرآن في كل رمضان تأسيا به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومعنى مدارسة جبريل عليه السلام للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه: لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن كما نص الله تعالى وبينا هذا في الدروس التي سلفت، وانظر: «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج4 ص23)، و«عمدة القاري» للعيني (ج1 ص 86).
قال العيني / في «عمدة القاري» (ج1 ص 83): (وجه مناسبة إيراد هذا الحديث في هذا الباب هو أن فيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في رمضان). اهـ
فهذا وجه مناسبة ذكر هذا الحديث في هذا الباب، إشارةٌ إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في رمضان، وهذا أخر شرح هذا الحديث، ولعل إن شاء الله في الدرس القادم نتكلم عن الباب الآخر، فيه أي سؤال؟.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.