القائمة الرئيسة
الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (18) كتاب الصوم من صحيح البخاري: هدي النبي في قيام رمضان ومسألة أفضليته جماعة أو فرادى بالبيوت

2024-02-28

صورة 1
الجزء (18) كتاب الصوم من صحيح البخاري: هدي النبي في قيام رمضان ومسألة أفضليته جماعة أو فرادى بالبيوت

الدرس الثالث فِي الباب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 وما زلنا في «باب: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ونيةً»، ولعل في هذا الدرس نتكلم عن هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قيام رمضان، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما بينا حث الناس على قيام رمضان من غير إيجاباً فكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رمضان أنه كان يحيي ليلته بالقيام، ويرغب أصحابه في ذلك ويحثهم عليه والدليل على ذلك عندكم في الكتاب حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه».

 وهذا الحديث بيناه، قسم المرفوع أخرجه البخاري عندكم، وكذلك أخرجه مسلم في «صحيحه»، وأبو داود في «سننه»، والترمذي في «سننه»، والنسائي في «سننه»، ولم يكن من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجمع على صلاة القيام في رمضان والدليل على ذلك حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعوني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم».

 وذلك في رمضان وهذا الحديث أخرجه البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه» وأبو داود في «سننه»، والنسائي في «سننه»، من طريق مالك عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة به.

 فإذًا يتبين من هذا بأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يجمع الناس على قيام الليل إلا في ليالي يسيرة، ثم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امتنع عندما كثر الناس وإن كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امتنع لكن الجماعة في قيام الليل مشروعةً بيأتي الكلام عليها.

 وأما التفضيل بين القيام في جماعة في المسجد، وبين القيام فرادى في البيوت فاختلف العلماء في ذلك إلى قولين:

 القول الأول: أن القيام في البيوت بانفراد أفضل من الجماعة واستدل أهل العلم بذلك بحديث زيد بن ثابت رَضِيَ اللهُ عَنْهُ «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتخذ حجرة من حصير في رمضان فصلى فيها ليالي فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم فقال قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»

 وهذا الحديث أخرجه البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه»، وأبو داود في «سننه»، والترمذي في «سننه»، والنسائي في «سننه»، فإذًا هذا الحديث استدل به أهل العلم بأن قيام الليل يكون أفضل في البيوت فرادى كل واحد بمفرده، المرأة بمفردها، والرجل والى ما ذكرنا.

 والقول الثاني: إن القيام بالجماعة في المساجد أفضل واستدل أصحاب هذا القول بحديث أبي ذر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: «صمنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم يصل بنا حتى بقي سبع من الشهر فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ثم لم يقم بنا السادسة وقام بنا في الخامسة حتى فذهب شطر الليل، فقلنا له: يا رسول الله لو تنفلتنا بقية ليلتنا هذه، فقال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر، وصلى بنا في الثالثة ودعا أهله ونساءه فقام بنا حتى الفلاح يعني السحور».

وهذا الحديث أخرجه أبو داود في «سننه»، والترمذي في «سننه»، والنسائي في «سننه»، وابن ماجه في «سننه»، لكن هذا الحديث حديث ضعيف لا يصح.

وأما بالنسبة للدليل الآخر استدلوا بفعل عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وهو ما رواه عبد الرحمن بن عبدالقاري أنه قال: «خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد، فإذا الناسُ أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي رجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر والله إني لآراني لو جمعت هؤلاء على قاريء واحد لكان أمثل، فجمعهم على أبي بن كعب، قال ثم خرجت معه ليلةٍ أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نعمة البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يعني آخر الليل وكان الناس يقومون أوله».

وهذا الأثر أخرجه مالك في «الموطأ»، وكذلك البخاري في «صحيحه»، فإذًا عندنا هذه الأقوال، فالدليل واضح بأن صلاة النافلة في البيت أفضل، ولا بأس أن يجمع أهله وأولاده يصلي بهم في البيت كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ابن عباس في الصحيحين صلى في بيت انس ابن مالك وصلى ابن عباس وكذلك صلت معهم الرميصاء خلفهم ومع انس يتيم فهذا أن يصلي الناس في بيوتهم فرادى ولا بأس أحيانًا مع أهله.

 والأفضل في ذلك أن القيام في البيوت بانفراد أفضل، والجماعة في قيام الليل مشروعةً وعلى العبد أن يحرص على الإمام صاحب سنة في قيام رمضان من ناحية الاطمئنان في صلاته وقراءته ومعرفته بأحكام سجود السهو ومعرفته بصفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكذلك يعرف متى يقنت ومتى يترك، وترك المبتدعة والجهال وعدم الحرص على الصلاة السريعة كما حال بعض المساجد خاصةً كبار السن ولا يقرأ إلا من قصار السور المعروفة أو مثلاً بدعته مكفرة من أصحاب وحدة الوجود وغير ذلك فهذا لا يصلى خلفه بل إذا كان هناك مسجدًا حتى لو كان بعيدًا فعلى الناس أن يخرجوا إلى هذا المسجد وألا يصلون في بيوتهم فيصلون في بيوتهم فرادى أو مع أهليهم.

 لكن إذا كان الإمام من عامة المسلمين ويحسن القراءة؛ لأن عوام المسلمين يتعلمون التجويد وغير ذلك ويحسن الصلاة ويطمئن في صلاته فيوجد من الأئمة من عامة المسلمين من يكون هكذا، وإذا كان هناك صاحب سنة فالأفضل الذهاب إليه، لابد الحرص على صاحب سنة في الفريضة وفي النفل كقيام الليل جماعة.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan