الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (17) كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية
2024-02-28
الجزء (17) كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية
الدرس الثاني في الباب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن «باب: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ونيةً»، وذكر المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ فيه حديث أبي هريرة: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وشرحنا هذا الحديث ووعدناكم في تبيين زيادة: «وما متأخر» في تخريجها ولعل في هذا الدرس نتكلم عن هذه الزيادة ونخرجها ونبين نكارتها، فالصحيح في الحديث غفر له ما تقدم من ذنبه، في بعض الروايات «غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر»، ولعل ننبه على هذه الزيادة: «وما تأخر»، وهي منكرة.
وهذه الزيادة في حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «كان يأمرنا بقيام رمضان من غير أن يأمرنا فيه بعزيمة، ويقول: من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر».
وهذا الحديث وبهذه الزيادة أخرجه أحمد في «المسند»، كما في «الخصال المكفرة» لابن حجر (ص41) من طريق عثمان بن عمر، قال حدثنا مالك عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة به، قال ابن حجر: هكذا أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» يعني بزيادة «وما تأخر».
ورواه محمد بن يحيى الذهلي، ومحمد بن سلمة بن الوليد كلاهما عن عثمان بن عمر دون قوله: «وما تأخر»، فانتبه لهذه الطرق، ولهذه الزيادة وسوف نذكر من ذكرها ومن لم يذكرها.
فعندنا طريق الإمام أحمد من طريق عثمان بن عمر، فهذا الطريق ذكر فيها «وما تأخر»، عند الإمام أحمد في «المسند»، لكن رواه محمد الذهلي ومحمد بن مسلمة، كلاهما عن عثمان بن عمر المذكور عند أحمد دون قوله: «وما تأخر»، يعني الطريق الأول الزيادة مذكورة، الطريق الثاني الزيادة غير مذكورة.
وكذلك حدث به يعني بهذا الحديث ابن خزيمة في «صحيحه» من طريق عمرو بن علي الفلاس عن عثمان بن عمر وليس فيه «وما تأخر» هذا الآن عندنا الذهلي وابن مسلمة وعمرو الفلاس جميعهم عن عثمان بن عمر، ولم يذكروا «وما تأخر».
ورواية الإمام أحمد هي رواية الزهري عن أبي سلمه عن أبي هريرة، وأخرجه أبو داود في «سننه» عن الحسن بن علي، ومحمد بن المتوكل عن عبد الرزاق عن معمر، وزاد الحسن بن علي ومالك به دون الزيادة «وما تأخر»، يعني قرن الحسن بن علي مع مالك في هذا الإسناد دون ذكر الزيادة، رغم رواية الإمام أحمد من طريق الإمام مالك ذكرت هذه الزيادة لكن هنا لم تذكر.
وقد رواه عن مالك أيضًا ويحيى بن بكير، أخرجه أبو عوانة، وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» مقرونًا بحديث معمر بدون ذكرى الزيادة «وما تأخر».
إلى الآن هذه الطرق الكثيرة لم يذكرها الرواة، عندنا الطريق الأول مذكورة، وأخرجه مسلم في «صحيحه» من طريق يحيى بن يحيى، قال قرأت على مالك عن ابن شهاب يعني الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» بدون ذكر زيادة «وما تأخر».
وهو عند البخاري في «صحيحه» كما عندكم، بدون ذكر هذه الزيادة، وأبي داود في «سننه»، والنسائي في «سننه»، بدون ذكر هذه الزيادة.
ورواه عبد الله بن وهب عن مالك وجمع بين أبي سلمة وحميد في هذا الإسناد بين أبي سلمة وحميد عن أبي هريرة، أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» عن الربيع بن سليمان عنه، فهؤلاء لم يذكروا الزيادة «وما تأخر».
وهو في «الموطأ» (ج1 ص13- برواية يحيى بن يحيى) عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة دون الزيادة «وما تأخر».
وأخرجه أحمد في «المسند» من طريق عفان، قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر»، هكذا أخرجه أحمد إلا أنه قرنه بطريق آخر فقال في نفس «المسند» (ج2 ص385)، قال حماد وثابت عن الحسن عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم هكذا مرسلاً؛ لأن الحسن البصري تابعي لا يصل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فهو منقطع.
لكن الذي ذكر هذه الزيادة كذلك حماد بن سلمة، حماد بن سلمة ذكر هذه الزيادة «وما تقدم من ذنبه وما تأخر»، وحماد بن سلمة أخطأ ويخطأ أحيانًا في هذا وبيأتي من الذي خطأه، هم جمهور الثقات الذين رووا هذا الحديث.
ورواه الترمذي في «سننه» من طريق عبدة بن سليمان، وعبد الرحمن المحاربي كلاهما عن محمد بن عمرو وليس فيه «وما تأخر»، لأن عندنا رواية الإمام أحمد دائمًا يروي عن محمد بن عمرو، في ذكر هذه الزيادة، كذلك من طريق آخر من طريق بن سلمة فيها ذكر هذه الزيادة.
بنفس طريق محمد بن عمرو عند الترمذي من طريق عبدة والمحاربي ولم يذكرا هذه الزيادة «وما تأخر».
وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» من طريق قتيبة بن سعيد، ومحمد بن عبد الله، قالا حدثنا سفيان وهو ابن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «من قام رمضان» وفي رواية لقتيبة بن سعيد «شهر رمضان، إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وفي رواية قتيبة كذلك ابن سعيد «وما تأخر» يعني ذكر هذه الزيادة، «ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وفي حديث قتيبة بن سعيد «وما تأخر»، وهذه الرواية للنسائي من طريق قتيبة بن سعيد ذكر هذه الزيادة.
قال ابن حجر في «الخصال المكفرة» (ص45): (هكذا رواه النسائي عن قتيبة وتابعه حامد أو حامد بن يحيى). اهـ
فإذًا ابن حجر يشير؛ بأن قتيبة بن سعيد ذكر هذه الزيادة وتابعه على هذه الزيادة حامد بن يحيى، فالآن عندنا اثنين روي هذه الزيادة في حديث أحمد وفي حديث النسائي، وطريق حامد هذا أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (ج7 ص105) من هذا الوجه.
قال ابن عبد البر في «التمهيد» (ج7 ص105): (هكذا رواه حامد بن يحيى فأخطأ فيه فإنه قال قام، ولم يقل صام، وزاد وما تأخر، وهي زيادة منكرة). اهـ
فإذاً ابن عبد البر ينكر هذه الزيادة، ويبين بأنها منكرة، روى هو رواية حامد وضعفها، لكنه يقول الحافظ ابن حجر في «الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة» (ص45): (لم يصب ابن عبد البر في الحمل على البلخي، فإنه لم ينفرد بذلك كما تراه..) ثم يقول بعد ذلك: (وقد جمع محمد بن عبد الله المقرئ شيخ النسائي بين قوله: ((قام))، وبين قوله: ((صام)) ووافقه قتيبة وهو ابن سعيد وزاد فيه وما تأخر، فعلى هذا رواية قتيبة وحامد سيان، فما أدري كيف غفل ابن عبد البر عن ذلك وقد تابعهما أيضًا هشام وهو ابن عمار ويوسف بن يعقوب النجاحي نزيل مكة والحسين بن الحسن المروزي). اهـ
إذا عندنا خمسة من الرواة الذين رووا حديث أبي هريرة بزيادة: «ما تقدم من ذنبه وما تأخر»، يعني بزيادة: «وما تأخر»، فعندنا قتيبة وكذلك محمد المقرئ، وهشام والنجاحي والحسين المروزي هؤلاء خمسة رووا هذه الزيادة، فيقول ابن حجر فكيف يستنكر ابن عبد البر هذه الزيادة وهؤلاء خمسة رووا هذه الزيادة في هذه المتابعات.
* فيتبين لنا كذلك بأن الحافظ ابن حجر يصحح هذه الزيادة: «وما تأخر» ويثبتها وصرح بذلك في «فتح الباري» صححها وحسنها، من حديث كذلك عبادة بن الصامت ويأتي الكلام عليه.
قلت: بل أصاب ابن عبد البر في استنكاره لهذه الزيادة، كما سوف يأتي ذكره، فالمصيب هنا هو ابن عبد البر في استنكاره لهذه الزيادة، وهو كما قال بأن هذه الزيادة منكرة ولم تصح، وبيأتي الكلام عليها بالتفصيل.
فابن حجر أشار إلى رواية هشام بن عمار والنجاحي والحسين المروزي، فأما حديث هشام بن عمار فهو في «فوائده»، وأما حديث النجاحي في «فوائد ابن المقرئ»، وأما حديث الحسين المروزي ففي كتابه «الصيام»، كلهم ذكروا «وما تأخر»، وهؤلاء الرواة رووا هذه الزيادة عن سفيان بن عيينة، انتبه لهذا عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة به.
فهؤلاء الخمسة الذين ذكرناهم رووا هذه الزيادة عن ابن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فهؤلاء خمسة من ثقات أصحاب ابن عيينة، رووا هذه الزيادة، يقول ابن حجر: (يبعد غاية البعد أن يتواطؤوا على زيادة لم يحدثهم بها شيخهم) يعني ابن عيينة، ويوضح ابن حجر في ثبوت هذه الزيادة عنده في «الفتح الباري» (ج4 ص116)؛ فيقول: (ووقعت هذه الزيادة أيضًا في رواية الزهري عن أبي سلمة أخرجها النسائي عن قتيبة عن سفيان بن عيينة عن الزهري، وتابعه حامد الراوي الذي ذكرناه ابن يحيى عن سفيان، أخرجه ابن عبد البر في التمهيد واستنكره وليس بمنكر فقد تابعه قتيبة كما ترى) إلى أن قال: (والمشهور عن الزهري بدونها)، وهذه الفائدة هنا والمشهور عن الزهري بدونها، فأصل الحديث لا توجد هذه الزيادة، فكيف تصح عنده.
ثم يقول ابن حجر: (وقد وقعت هذه الزيادة أيضًا في حديث عبادة بن الصامت، عند الإمام أحمد من وجهين، وإسناده حسن وقد استوعبت الكلام على طرقه في كتاب ((الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة»).اهـ
فإذًا ابن حجر يثبت هذه الزيادة لكن الصحيح بأن هذه الزيادة منكرة، وأما حديث سفيان أو حديث عبادة بن الصامت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الذي أشار إليه الحافظ ابن حجر وحسنه وهو عند الإمام أحمد فيه نظر في تحسين هذا الحديث فيه نظر.
فالحديث أخرجه أحمد في «المسند» من طريق سعيد بن سلمة بن أبي الحسام قال حدثنا عبد الله بن محمد عن عقيل عن عمر بن عبد الرحمن عن عبادة بن الصامت وفيه، «في ليلة القدر في رمضان التمسوها في العشر الأواخر، فإنها في وتر في إحدى وعشرين أو ثلاثة وعشرين» إلى أن قال «أو في آخر ليلة» هذه الزيادة كذلك منكرة «وفي آخر ليلة»، الأحاديث الصحيحة ذكرت الوتر لم تذكر بأن ليلة القدر تكون في آخر ليلة، «فمن قامها ابتغائها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» هذا الحديث الذي أشار إليه الحافظ ابن حجر في «الفتح الباري» الشاهد «غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر»؛ فهذا شاهد عنده لحديث أبي هريرة، لكن هذا الحديث حديث ضعيف لا يصح بل منكر، وإسناده منكر فيه سعيد بن سلمة وهو ضعيف، وكذلك فيه عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف، وفيه كذلك عمرو بن عبد الرحمن لم يرو عنه غير ابن عقيل، وهذا عمرو ذكره البخاري في «التاريخ الكبير»، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، فهو في عداد المجهولين، فهو مجهول، وذكره ابن حبان في «الثقات» على قاعدته بتوثيق المجهولين، وهذا ليس بصحيح، فالحديث منكر بهذه الزيادة «أو في آخر ليلة» وبالزيادة الأخرى «وما تأخر»، فلا يحسن، ففيه ثلاث علل فكيف يحسن؟! فحديث عبادة ضعيف.
ثم نرجع إلى حديث أبي هريرة الذي فيه «وما تأخر»، قلت: قد رواه جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة، لأن ذكرنا خمسة من أصحاب سفيان من تلامذة سفيان رووا الحديث بزيادة «وما تأخر»، لكن نأتي إلى أكثر الرواة من أصحاب سفيان بن عيينة لم يذكروا عن الزيادة، فرواه جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة عنه عن الزهري يعني عن ابن عيينة عن الزهري، فلم يذكروا فيه «وما تأخر»، منهم ابن راهويه الإمام الحافظ في مسنده، وعمرو بن علي الفلاس وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وعبد الجبار بن العلاء، هذا عندنا ابن راهويه وعمرو وسعيد وعبد الجبار، هؤلاء أربعة.
وكذلك رواه من أصحاب الزهري، ليس فقط أصحاب ابن عيينة، بل أصحاب الزهري غير ابن عيينة رووا هذا الحديث بدون هذه الزيادة، وكذلك رواه من أصحاب الزهري عنه معمر ويونس بن يزيد وصالح بن كيسان كل هؤلاء ثقات وحفاظ، فمن أصحاب ابن عيينة لم يروا هذه الزيادة، وكذلك من أصحاب الزهري غير ابن عيينة يرون هذا الحديث بدون هذه الزيادة.
وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير، ويحيى بن سعيد الأنصاري هذا كل هؤلاء حفاظ كبار، ومحمد بن عمرو كلهم عن أبي سلمة عن أبي هريرة بتماميهم دون قوله «وما تأخر»؛ يعني فيه متابع لابن عيينة ومتابع للزهري كذلك، وكل هؤلاء حفاظ من أهل الحديث لم يذكروا هذه الزيادة، وسوف نسردهم لكم بعد ذلك سردًا لكي تعرفوا نكارة هذه الزيادة.
وكذلك رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة في ذكر ليلة القدر فقط وليس فيه «وما تأخر»؛ يعني كذلك فيه متابع لأبي سلمة الراوي عن أبي هريرة، والأعرج يروي عن أبي هريرة، هذه كلها متابعات، وهذه متابعات تامة كذلك، ليست ناقصة.
إذًا الذين رووه دون الزيادة هم الأكثر والأثبت والأحفظ فإذا أضيف إلى ذلك المتابعات الأخرى التي ذكرها الحافظ ترجح ولا شك عدم ثبوت هذه الزيادة، وتبين أنها زيادة شاذة وأن تتابع إليها خمسة من الثقات فلم يصيبوا هؤلاء لأن المعارضين لهم أكثر واحفظ وإنما الترجيح في هذا المقام يكون بالعدد والحفظ، كما هو معروف.
إذًا الذين رووه بدون هذه الزيادة «وما تأخر» أكثر واحفظ، وهم: علي بن المديني، أخرجه البخاري في «صحيحه»، والشافعي في «السنن المأثورة»، والحميدي في «المسند».
الثاني: مخلد بن خالد، أخرجه أبو داود في «سننه».
الثالث: محمد بن أحمد، أخرجه أبو داود في «سننه».
الرابع: ابن المقرئ، أخرجه ابن الجارود في «المنتقى».
الخامس: زهير بن حرب، أخرجه أبو يعلى في «المسند».
السادس: عمرو بن علي، أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه».
السابع: الحسن الصباح، أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى».
الثامن: على بن حرب، أخرجه البغوي في «شرح السنة».
والتاسع: الإمام الشافعي، أخرجه البيهقي في «المعرفة»، وغيرهم كذلك، كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، بدون زيادة: «وما تأخر».
إذًا رواية الجمهور أصحاب سفيان بن عيينة لم يذكروا هذه الزيادة: «وما تأخر»، وهم أكثر عددًا وأجود حفظًا، وكذلك المتابعات التي ذكرناها للزهري ولأبي سلمة، وكذلك بعض طرق من روى الزيادة عن سفيان بن عيينة فيه مقال وقد رواه جماعة أيضًا عن الزهري لم يذكروا أحد منهم قوله: «وما تأخر».
فقد أخرجه مختصرًا، في قيام رمضان فقط البخاري في «صحيحه»، والبيهقي في «السنن الكبرى» من طريق عقيل بن خالد، وأخرجه النسائي في «سننه» من طريق شعيب بن أبي حمزة، وأخرجه النسائي في «سننه»، وابن حبان في «صحيحه»، والبيهقي في «السنن الكبرى» من طريق يونس عن يزيد، وأخرجه النسائي في «سننه» من طريق صالح بن كيسان، وأخرجه النسائي في «السنن الكبرى» من طريق الأوزاعي، كلهم عن الزهري به دون قوله «وما تأخر».
فهؤلاء كلهم تبعوا ابن عيينة، في عدم ذكر: «وما تأخر» ومن هنا يتبين بأن هذه الزيادة منكرة، وأنا طولت في هذا لأن هذه الزيادة بوجودها في الحديث تؤثر على شيء وهو يعتقد الناس بأن الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى يغفر ذنوبهم المتقدمة والمتأخرة، ويتكلون ولعلهم يفعلون هذه العبادة على ذلك فيتكلون وهذه الزيادة أو هذه الرواية ضعيفة لا تصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وكما ذكرنا وهناك أحاديث مذكورة هذه الزيادة ليست فقط في صيام رمضان في الصلاة، وكذلك في صيام عرفة وإلى آخره.
جميع ما ذكر من هذه الزيادة في جميع الأحاديث منكرة لا تصح، وجميع الأحاديث هذه ضعيفة، وبينها الحافظ ابن حجر في «الخصال المكفرة»، فهو كتاب مهم في هذا الموضوع، لكن الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى كما بينا يكفر للناس ذنوبهم المتقدمة فقط هذا هو الثابت، أما بالنسبة لتكفير الذنوب المتقدمة والمتأخرة فهذا خاص بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يشاركه أحد من الناس.
* فإذا فذكر هذه الزيادة في هذا الباب زيادة شاذة، وهذا الحكم كذلك يتبين من ذلك بأن هذه الزيادة منكرة؛ لأن هذا الحكم خاص بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يشاركه أحد من بني آدم، لا جزئيًا ولا كليًا، وانظر في هذا «مرشد المحتار إلى خصائص المختار» لابن طولون (ص394)، و«الخصائص الكبرى» للسيوطي (ج2 ص336)، وإليك الدليل، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأخر﴾ [الفتح:1] .
قال ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ في ((تفسيره)) (ج3 ص198): (هذا من خصائصه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم التي لا يشاركه فيها غيره وليس فيه حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره ((غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر))، وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم). اهـ
وهذا كلام واضح، فهذا الحكم العظيم خاص بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يشاركه به أحد، ولذلك ابن طولون ذكر هذا في الخصائص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، كذلك السيوطي في «الخصائص الكبرى للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم» فكيف هذه الزيادة تصح وهي كذلك؟!
فإذًا هذه الزيادة مخالفة لأصل من أصول الإسلام، يعني مخالفة للقرآن ومخالفة للسنة فلا تصح، وبين الحافظ ابن كثير في ((تفسيره)): (وليس فيه حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره ((غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر») يعني لا يوجد حديث صحيح، فلو رأيت حديثًا فيه الذكر «وما تأخر» فاعلم أنها منكرة ضعيفة شاذة.
وهذا آخر عندنا في هذا الدرس، نعم أي سؤال؟.
سؤال:.....
الجواب: لا بينا هذا في الدرس الذي سلف بأن الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى يكفر له الصغائر، أما الكبائر فلابد لها من توبة، وبينا بأن هذا القول الراجح وبينا ذلك بالأدلة.
سؤال: ما هي علامات ليلة القدر؟.
الجواب: بيأتي الكلام عليها إن شاء الله.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.