القائمة الرئيسة
الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (16) كتاب الصوم من صحيح البخاري: باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية

2024-02-28

صورة 1
الجزء (16) كتاب الصوم من صحيح البخاري: باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية

بَابُ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَنِيَّةً.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ».

(1901) حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

الشرح:

الدرس الأُوَّلُ فِي الباب:

الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه اجمعين.

 وانتهينا من الدرس الذي سلف، عن باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعًا، وبينا في آخر هذا الباب أحكام الرؤية رؤية الهلال، وفي هذا الباب يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ باب من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا ونية، وذكر حديث عائشة، وحديث ابي هريرة ويأتي الكلام إن شاء الله على ذلك.

* «باب من صام رمضان»: حال كون صيامه يعني حال صيام هذا العبد لرمضان.

*  «إيمانًا»: أي إيمانًا بالله سبحانه وتعالى، وتصديقًا واعتقادًا بوجوب هذا الشهر أي صيام شهر رمضان.

* «واحتسابًا»: طلبًا للأجر من الله تعالى، وطلبًا لثوابه سبحانه وتعالى.

* «ونية»: عطف على احتسابًا، ونيةً الواو عاطفة، ونية عطف على احتسابًا؛ لأن الصوم إنما يكون لأجل التقرب إلى الله تعالى.

والنية شرط في وقوعه قربةٌ، وانظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج4 ص512)، فهذا معنى الباب الذي ذكره المؤلف.

 فعلى العبد أن يخلص لله سبحانه وتعالى، ويحتسب الأجر لله سبحانه وتعالى في صيام شهر رمضان، لأن كما أسلفنا بأن هذا الشهر شهر عظيم، ويحتاج إلى نية صافية، وحسن قصد، وعزيمة صافية، وقوة في العبادة، فلابد أن يكون الصائم هكذا، والعبد يكون عنده قوةٌ أو قوةً في رمضان وفي غير رمضان للعبادة، والاخلاص في جميع العبادات، لكنه يتأكد بأنه يشمر في هذا الشهر الفضيل، وينشط في العبادة، ويحتسب الأجر لكن يشترط لذلك الاخلاص؛ لأن النية شرط في وقوعه؛ لان الصيام قربة الى الله سبحانه وتعالى وهي قربة عظيمة كما اسلفنا، فلابد أن يخلص العبد لله سبحانه وتعالى، والأصل بأن النية شرط في جميع العبادات.

 وكذلك «النية»: هي العزم والقصد، ويقال نوى ينوي نية، ونواة عزم وقصد، نوى ينوي نية ونواة عزم وقصد، وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص648).

 إذًا يتبين مما سلف بأن «الإيمان» الاعتقاد بحق فرضية صومه أي صوم رمضان، وبالاحتساب بطلب الثواب من الله تعالى، والعزيمة وحسن القصد في الصيام، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه، بطيب نفسه في ذلك.  وانظر «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص115).

فإذًا المؤلف ذكر هذا الباب؛ لأنه عظيم، بين فيه الصيام صيام رمضان، ثم بين الإيمان بفرضية هذا الصوم، ثم ذكر الاحتساب بالأجر عند الله سبحانه وتعالى، ثم ذكر الإخلاص فيه، فذكر في هذا الباب أمور عظيمة قل من يفهم ذلك، بل عند بعض الناس إذا دخل شهر رمضان صام، وإذا خرج أفطر، لكن  في الحقيقة لا يفهم أحكام الصيام، وكيف يصوم؟ وواجبات الصيام، وأركان الصيام، وشروط، وآداب الصيام، والمناهي في الصيام، والاحتساب والاخلاص، ولذلك ترى هؤلاء يمشون على العادات من السهر الكثير واللعب وإلى آخر ما لا يخفى عليكم.

 لكن هذا الكلام في الحقيقة قل من يفهمه ويعلمه، فتبويب الامام البخاري تبويبًا عظيمًا قل من يفهمه، فعلى طلبة العلم أن يتفطنوا لهذا الباب، وما ذكرناه من الأحاديث وكذلك ما يذكره المؤلف من حديث أبي هريرة.

 ثم ذكر المؤلف قال: وَقَالتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ».

 فهذا الحديث كما ترون معلق، وحذف الإسناد لكن هذا الحديث ذكر فيه طرفًا من حديث وصله الامام البخاري، في أوائل ((كتاب البيوع))، فهو موصول وإن علقه هنا وبينا في مصطلح الحديث بأن الامام البخاري أحيانا يعلق الأحاديث وإن كانت موصولة للاختصار، وإلا ذكرها بتمامها في موضع آخر، فذكر هذا الحديث موصولا في أوائل كتاب البيوع من طريق نافع بن جبير عن عائشة، وأوله «يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم، ثم يبعثون على نياتهم»، يعني يوم القيامة.

 

 فهذا الحديث يبين لنا بأن دور الإخلاص مهم جدًا للعبد، فعلى العبد أن يخلص لله سبحانه وتعالى، النية في جميع العبادات من صلاة وصيام وحج وزكاة ودعوة وطلب علم وإلى آخره، وإذا أخلص بذلك فله أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى بإخلاصه لهذا الدين، ولإخلاصه لله سبحانه وتعالى.

 والعبد في الحقيقة لا يعلم ماذا يجري له في هذه الدنيا من الأحداث، وهذه الأحداث والقدر في الحقيقة يأتي للعبد فجأة ولا يدري فإذا هو ملاقي هذا الموت، في أحداث كثيرة ولذلك هؤلاء الذين أخلصوا النية صدفوا هذا الجيش، وهم مكرهون، أن يذهبوا مع هذا الجيش الظالم لهدم الكعبة، فاضطر هؤلاء إلى ان يذهبوا مع هذا الجيش لهدم الكعبة، وهم مكرهون، فعلى هذا فهؤلاء من المعذورين، يعتبرون من المعذورين، فالمكره إذا خسف به ومات فهذا ليس عليه شيء عند الله سبحانه وتعالى، ولا يؤثم، لكن الذي تابع واختار الهدم هدم الكعبة، فهذا هو المؤاخذ.

 فلذلك الاحتساب أمره عظيم هنا يتبين في جميع العبادات، وفي جميع هذا الدين لأن الشخص لا يدري لعله يكره على شيء، يكره على شيء محرم فيموت في هذا الأمر، فإذا كان غير مخلص ودائما يقول سوف أخلص لله بعد ذلك إلى أن أكبر إلى أن أصغر، وإلى آخره، وهؤلاء لا صغروا ولا كبروا، كله في المعاصي وفي الشرك، وفي البدع وإلى آخره كما لا يخفى عليكم.

 والأصل في ذلك الشخص لابد عليه أن يخلص لله سبحانه وتعالى فإذا جاءه الموت فينجو من عقاب الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى يعذره، فيقول هنا ابن حجر في «الفتح» (ج4 ص15): (ووجه الاستدلال منه هنا أن للنية تأثيرًا في العمل لاقتضاء الخبر أن في الجيش المذكوب المكره والمختار، فإنهم إذا بعثوا على نياتهم وقعت المؤاخذة على المختار دون المكره). اهـ

* فإذًا فتبويب الحافظ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ بهذا الحديث، هذا كذلك في فائدة كبيرة فعلى الشخص أن يستعد للموت، ويستعد لهذه الفتن والعياذ بالله تترى في الأمة إلى قيام الساعة لعل الشخص يصادف في هذه الفتنة، ويكون مخلص، فإذا خسف به أو عُقب جميع الناس في بلد أو في جزيرة أو إلى آخره كما لا يخفى عليكم فيبعث هذا على نيته، ولا يؤاخذ، بل الذي يؤاخذ الغير المخلص والمختار في الشرك أو البدع والمعاصي، أو في المحرمات، أو في المخالفات، فهذا هو المؤاخذ.

* فيقول الحافظ: (فإنهم إذا بعثوا على نياتهم وقعت المؤاخذة على المختار دون المكره)، فاستعد لهذه الأمور، ولذلك لا يخفى عليكم الجزر التي ذهبت من فترة، فالناس لا يحتسبون هذا الأمر ولم يتوقعوا هذا الأمر أن يصيبهم، فمن كان منهم مخلص فلا يؤاخذ، ومن كان غير ذلك لا يلومن إلا نفسه، فالعقاب يعم، فعلى الناس الإتباع والتمسك.

 وحديث أبي هريرة الموصول عندكم وهذا كذلك أخرجه الامام مسلم، فقوله: «من قام ليلة القدر»: حال كون قيامه أي حال كونه قائم الليل يصلي.

* «وقدر الشيء»: مبلغه «وما قدروا الله»: أي: ما عظموه حق التعظيم، «والقَدر والقْدر» ما يقدره الله من القضاء، وقدر الشيء أي قدره من التقدير، وقدروا له أي اتموا ثلاثين كما بينا.

 

 * وسمي بليلة القدر؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقدر فيها كل شيء، وبيأتي مزيد من ذلك.

 إيمانًا بالله سبحانه وتعالى واحتسابا طلبا للاجر لا لقصد آخر من رياء وغيره، فيصوم رياءً لا احتسابًا لله عز وجل، والنية في القلب، والاحتساب في القلب.

* «غفر له ما تقدم من ذنبه»: أي غفر الله سبحانه وتعالى من ذنبه الذي تقدم من فعل المحرم، وبينا هذا بالنسبة للصغائر، والكبائر بينا لابد لها من توبة.

 وزاد أحمد في «المسند» من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة: «وما تأخر»، «غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر»، وزيادة: «وما تأخر»: هي زيادة منكرة لا تصح.

 وقد رواه أحمد كذلك في «المسند»  من طريق يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو بدون هذه الزيادة، ووقعت هذه الزيادة كذلك عند غيره كالنسائي في «سننه»  من رواية الزهري عن أبي سلمة، وهذه الزيادة استنكرها ابن عبد البر في «التمهيد»، وانظر «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص116)، وبيأتي تخريج هذا الحديث كلامًا شافيًا في الدرس القادم إن شاء الله، مع ذكر الطرق لكي يتبين لنا بأن هذه الزيادة لا تصح، وإن كان الحافظ ابن حجر أثبت هذه الزيادة، وهذه مخالفة لأصول الكتاب والسنة؛ لأن غفران الذنب ما تقدم وما تأخر هذا خاص بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يشاركه فيه أحد.

 

 وكذلك مخالف للسنة بأن غالب الثقات الذين ذكروا هذا الحديث لم يذكروا وما تأخر إلا القلة منهم ذكروا وما تأخر وبيأتي الكلام عليها إن شاء الله في الدرس القادم.

* و«الغفر»: التغطية والستر يقال استغفر الله لذنبه ومن ذنبه بمعنى غفر له، والمراد أن الله سبحانه وتعالى يستر الذنب، أي ستر ذنبه، وانظر «مختار الصحاح»  للرازي (ص 454).

فإذًا المغفرة بمعنى الستر، ستر الذنب، وتغطية الذنب فالله سبحانه وتعالى يستر على عباده الذين اخلصوا له، فعندكم في الكتاب «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا» هذه رواية، فهذه الرواية لليلة القدر، وفيه رواية أخرى كذلك عند مسلم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ في «صحيحه» عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: «كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة»، فكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرغب الناس، لكنه لم يأمرهم يقول أبو هريرة «بعزيمة»، ولم تكن هذه الصلاة صلاة الليل جماعة كما الآن.

* فيقول: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، يقول من قام رمضان، أما الحديث الذي عندكم «من قام ليلة القدر»، وهذا كذلك الحديث استدل به على قيام رمضان مطلقا، وهو ما يسمى بصلاة التراويح، وبيأتي الكلام عليه كذلك في الدروس التي سوف تأتي.

 ثم يقول أبو هريرة: «فتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وصدرًا من خلافة عمر على ذلك..»  ثم كما لا يخفى عليكم أحياها عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وبيأتي الكلام على  ذلك بعد.. هذا الكلام في الدرس القادم.

فهذا الحديث أخرجه مسلم في «صحيحه»  (ج3 ص 523) من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ولم يذكر الزيادة «وما تأخر».

 وأخرج هذا الحديث البخاري المرفوع فقط (ج4 ص250)، يعني أخرج البخاري الحديث المرفوع: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر ما تقدم من ذنبه»،  وهذا ما عندنا في هذا الدرس ولعل نكمل إن شاء الله في الدرس القادم.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan