الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (14) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ومن رأى كله واسعا
2024-02-20
الجزء (14) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ومن رأى كله واسعا
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وتكلمنا في الدرس الذي سلف، عن «باب: هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ ومن رأى كله واسعًا»، وبينا هذا ووصلنا إلى حديث ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ».
* فقوله: «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا» الضمير راجع إلى الهلال، هلال شهر رمضان، وإن لم يسبق له ذكر؛ لدلالة السياق عليه، فإذًا «إذا رأيتموه فصوموا» يعني الهلال، و «هاء» الضمير راجع إلى الهلال، فإذا رأت الأمة الهلال فيجب عليها أن تصوم، وبيأتي إن شاء الله تفصيل ذلك.
* وقوله: «فإن غم عليكم» غم بضم «الغين» المعجمة، وتشديد «الميم»، و «المعجمة» كل حرف منقط، وكذلك تسمى حروف الخط.
* و«الغم» واحد الغموم، تقول منه غمه فاغتم، وتقول غمه أي غطاه، فإن غم ويقال غُم الهلال على الناس إذا ستره عنهم غيم أو غيره فلم يُرى، والغمام السحاب، الواحدة غمامة، وقد أغمت السماء أي تغيمت، وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص459).
إذًا معنى «غم»: إذا غطاه غيم أي الهلال وستره غيم، فالغم التغطية والستر.
قال القسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص511): (قوله: ((فإن غم عليكم))؛ بضم الغين المعجمة وتشديد الميم مبنيًا للمفعول، من غممت الشيء إذا غطيته، وفيه ضمير الهلال أي غطي الهلال بغيم). اهـ
* وقوله «فاقدروا له»: بهمز وصل وضم الدال، ويجوز كسرها، أي اقدروا له تمام العدد ثلاثين، ثلاثين يومًا؛ لأنه من التقدير وبيأتي تفصيل هذا الآن.
* وقوله «لهلال رمضان»: عندكم في رواية الليث، قال حدثني عقيل ويونس «لهلال رمضان»: أي لهلال رمضان إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا.
ومراد الإمام البخاري في إتيان هذه الرواية، رواية عقيل ويونس أظهر ما كان مضمر؛ لأن عندنا الرواية الأولى «إذا رأيتموهم فصوموا» ولم يذكر الهلال، وهذه الرواية الأخرى «لهلال رمضان» فهنا ظاهر، ليس بمضمر، وانظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج4 ص51).
* فإذًا عندنا رؤية الهلال يثبت دخول شهر رمضان بواحد من أمرين:
الأول: رؤية هلاله: لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة:185]، فهذا العبد إذا شهد الشهر فيجب عليه أن يصوم، ودخول الشهر بماذا؟ برؤية الهلال كما عندكم في بعض الأحاديث التي تبين هذا الأمر، كحديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» وهذا الحديث في «صحيح البخاري»، وكذلك في «صحيح مسلم».
وكذلك الرواية الأخرى التي عندكم وبلفظ حديث ابن عمر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له»، وهذا الحديث كذلك أخرجه مسلم في «صحيحه».
* فقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تصوموا حتى تروا الهلال»، وهذا واضح بأن دخول شهر رمضان برؤية الهلال، فهنا يجب على الناس صيام رمضان.
وكذلك حديث ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قال: «تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه»
وهذا الحديث حديث صحيح، أخرجه أبو داود في «سننه»، والدارمي في «المسند»، وابن حبان في «صحيحه»، والدارقطني في «السنن»، والبيهقي في «السنن الكبرى»، والحاكم في «المستدرك»، والحديث صححه ابن حزم في «المحلى»، وكذلك ابن حجر في «التلخيص»، والنووي في «المجموع».
فهذا كذلك دليل على بأن شهر رمضان يدخل برؤية الهلال.
وكذلك عندنا حديث ابن عمر الذي عندكم لكنه فيه زيادة كذلك في صحيح البخاري، بيأتي الكلام عليه بعد ذلك «الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين»، وهذا الحديث كذلك أخرجه مسلم في «صحيحه».
فالشهر تسع وعشرون يومًا، فإما أن يرى الناس الهلال فيصوموا فيعتبر اليوم الواحد لشهر رمضان، أو يكملوا العدة ثلاثين إذا لم يروا الهلال «إذا غم عليكم» ستر وغطي عنكم بسبب الغيم أو غبار أو غير ذلك.
فإذًا عندنا الآن هذه الأحاديث يتبين عندنا يدخل الشهر ويجب على جميع الناس أن يصوموا شهر رمضان إذا رأوا الهلال، ومن لا يعلم لكن شهد الشهر، وعلم بأنه شهر رمضان أي دخل فيجب عليه أن يصوم.
وهنا كذلك حكم آخر بالنسبة لإحصاء عدة شعبان، فيتبين عندنا هنا إذا لم نرى الهلال، فإذا لم يرى الناس الهلال فعليهم أن يكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا، بدل تسع وعشرون يومًا، وهذه الأحاديث تبين بأن دخول شهر رمضان برؤية الهلال، فإذا لم يرى الناس الهلال فعليهم أن يكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا، ثم بعد ذلك يصومون.
وينبغي على الأمة الإسلامية أن تحصى عدة شعبان استعدادًا لرمضان؛ لأن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا ويكون ثلاثين يومًا، فتصوم إذا رأت الهلال فإن حال بينها وبين ذلك سحاب قدرت له وأكملت عدة شعبان ثلاثين يومًا؛ لأن الله سبحانه وتعالى بديع السماوات والأرض جعل الآهلة مواقيت للناس، وعدد السنين والحساب، والشهر لا يزيد عن ثلاثين يومًا.
فالأشهر العربية الشرعية تكون تسعة وعشرين يومًا وتكون ثلاثين يومًا، لا تنقص عن التسعة وعشرين ولا تزيد عن الثلاثين، وأما الكفرة، فممكن عندهم شهرًا يكون ثمانية وعشرين وبعض الأشهر تسعة وعشرين، وهذا التاريخ ليس له أصل في الإسلام، وهذه المواقيت التي عندهم ليس لها أصل في الإسلام، بل المواقيت الصحيحة والتاريخ الصحيح هو: التاريخ الهجري.
فإذًا إذا غم على الأمة برؤية الهلال فتكمل ثلاثين يومًا، ولعل ذكرنا لكم الأدلة على ذلك ولعل نعيد ذلك بسرعة، عندنا حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين»، وهذا في ((الصحيحين)).
وكذلك حديث ابن عمر «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه فإن غمي عليكم فاقدروا له»، وفي بعض الروايات «فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» وهذا حديث ابن عمر في ((الصحيحين)) كذلك.
ولعل ننقل لكم كلام الحافظ ابن القيم في هذا في «زاد المعاد» (ج2 ص38)، ويقول رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ: (وكان من هديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤيةٍ محققة أو بشهادة شاهد واحد، كما صام بشهادة ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) وبيأتي الكلام على مسألة الشهادة، وصام مرةً بشهادة أعرابي، لكن رواية الأعرابي ضعيفةً لا تصح.
أخرجها الترمذي في «سننه»، أبو داود في «سننه»، وكذلك النسائي في «سننه»، وابن ماجه في «سننه»، والحاكم في «المستدرك»، وهي من طريق سماك عن عكرمة عن بن عمر، قال: «جاء أعرابي إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال إني رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، قال: يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدًا»، وهذا الحديث ضعيف لا يصح؛ لأن من رواية سماك، ورواية سماك بن حرب عن عكرمة مضطربة، كما ذكر الحافظ ابن حجر في «التقريب»، وأما الصحيح حديث ابن عمر ومر عليكم، وهو حديث صحيح.
ثم يقول بعد ذلك: (فإن لم تكن رؤيا ولا شهادة أكمل عدة شعبان ثلاثين يومًا، وكان إذا حال ليلة الثلاثين دون منظر غيم أو سحاب أكمل عدة شعبان ثلاثين يومًا، ثم صامه، ولم يكن يصوم يوم الاغمام، ولا أمر به، بل أمر بأن تكمل عدة شعبان ثلاثين إذا غم وكان يفعل ذلك فهذا فعله وهذا أمره ولا يناقض هذا قوله فإن غم عليكم فاقدروا له فإن القدر هو الحساب المقدر والمراد به الإكمال كما قال فأكملوا العدة، والمراد بالإكمال إكمال عدة الشهر الذي غم كما قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري، فأكملوا عدة شعبان، وقال: ((لا تصوموا حتى تروا ولا تفطروا حتى تروه فإن غمي عليكم فأكملوا العدة»). اهـ وهذا بيناه.
فإذا عندنا الآن في هذا الحديث والأحاديث التي ذكرناها بأن دخول شهر رمضان برؤية الهلال، فإذا رأوا الناس الهلال ليلة ثلاثين، فعلى الناس أن يصوموا، للأمر الذي أمره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا لم يروه فعليهم أن يكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا، ثم يصومون بعد ذلك، وهذا واضح.
وبالنسبة عن إذا رأى الهلال واحد هل يكفي؟ فيكفي كما بين الحافظ ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ في «زاد المعاد»، فيقول: (بشهادة شاهد واحد)، يعني كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هديه يصوم بشهادة واحد كما صام بشهادة ابن عمر الذي مر علينا، فبين ابن عمر أنه قال: «تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه»، وبيناه بأنه حديث صحيح أخرجه أبو داود وغيره.
فإذا إذا شهد واحد من الناس يجب على ولي الأمر أن يأمر الناس بالصيام، ولا حاجة لنا إلى شاهدين، يعني لا يدخل رمضان إلا بشاهدين، بل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الناس بشهادة واحد وهو ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، ولا بأس كذلك أن يشهد شاهدان فلا بأس بذلك، أو يشهد واحد، فإن شهد واحد قبلنا، وإذا شهد اثنان كذلك، فإن شهد شاهدان كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فصوموا وأفطروا»
وهذا الحديث أخرجه النسائي في «سننه»، وأحمد في «المسند»، والدارقطني في «السنن» وإسناده حسن، وزاد أحمد «مسلمان» لابد أن يكون مسلم سواء واحد أو شاهدان، وزاد الدارقطني «ذوا عدل» وهذا ليس بشرط هذا أمر فيه إكمال وفائدة، إذا كان عدلاً فهو أفضل، وليس ذا على الشرط أن يكون بشرط، لكن مسلم هذا شرط، لكن لو لم يكن عدل يقبل شهادته.
وبالنسبة للحديث الثاني «فإن شهد شاهدًا فصوموا وأفطروا» فهذا على سبيل الإرشاد، وليس كذلك بشرط وهذا فيه أفضلية، لو شهد شاهدان هذا أفضل لنا كذلك، لكن لو شهد واحد قبل منه لحديث ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
سؤال:.....
الجواب: إذا كان الشاهد ثقة هذا أفضل، لكن مادام مسلم حتى لو كان غير عدل يقبل منه ما يشترط هذا، لكن المسلم يشترط.
سؤال: هذا بالنسبة للسؤال لديه زكاة مال من عدة أشخاص، فيبين يجوز أن يرسلها إلى الخارج للفقراء؟.
الجواب: فلا بأس بذلك، فلا بأس بذلك.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب اليك.