الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (12) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة باب الريان للصائمين
2024-02-20
الجزء (12) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة باب الريان للصائمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فما زلنا في «بابٌ: الريان للصائمين» وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن الحديث الأول حديث سهل بن سعد، ولعل في هذا الدرس نكمل إن شاء الله حديث أبي هريرة وهو أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير, فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة». إلي آخر الحديث.
وفيه في قول أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ «فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال نعم، وأرجو أن تكون منهم».
فحديث أبي هريرة هذا كذلك: أخرجه مسلم في «صحيحه»، والترمذي في «سننه»، والنسائي في «سننه»، وغيرهم.
* وقوله: «من أنفق زوجين في سبيل الله»: يعني اثنين من أي شيء كان، صنفين، أو متشابهين، كبعيرين، فرسين ودرهمين ودينارين وإلى آخره، فهذا معنى من أنفق زوجين في سبيل الله يعني اثنين، من أي شيء كان صنفين أو متشابهين كبعيرين وفرسين ودرهمين، وشاتين وغير ذلك.
وفي رواية: «من ماله في سبيل الله»: من أنفق من ماله في سبيل الله عام في أنواع الخير، أو خاص بالجهاد، فهذا يشمل جميع أنواع الخير.
* وقوله: «نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير»: من الخيرات هذا من الخيرات.
* وقوله: «فمن كان من أهل الصلاة دعي من أبواب الصلاة»: المؤدين للفرائض، يعني المحافظين على الفرائض، المكثرين من النوافل، فالمحافظين على الفرائض والمكثرين من النوافل فهؤلاء أهل الصلاة، يدعون هؤلاء من باب الصلاة، فهذا كذلك عندنا اسم من أسماء أبواب الجنة، باب الصلاة؛ وهذا لأهل الصلاة المحافظين عليها المكثرين من النوافل.
ولابد أن تكون الصلاة هذه ليست أي صلاة، بل يجب أن تكون صفة صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلا كثير من الناس يصلون لكن لا يخفى عليكم لا يأتي بالأركان كما أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا الواجبات، ولا يعرف الشروط، ولا يعرف السنن سنن الصلاة، فلابد على العبد إذا أراد أن يكون من أهل الصلاة ويدعى من باب الصلاة فعليه بصفة صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما ثبت في حديث مالك بن الحويرث في صحيح البخاري «صلوا كما رأيتموني أصلي»، فإن مات على صفة صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبإذن الله سوف يكون من أهل الصلاة، ويدعى من باب الصلاة.
وباب الصلاة كما ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه خير، فالذي يحافظ على الفرائض ويكثر من النوافل على طريقة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلا بدع في الصلاة كما يفعل البعض، فلابد أن يعرف الشروط والواجبات والسنن، والأركان، ويعرف أحكام الصلاة، فبعد ذلك سوف يعرف صفة صلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
* وقوله: «ومن كان من أهل الجهاد دعي من أبواب الجهاد»: أي المكثرين من الجهاد، هذا لا جهاد ابن لادن، لا الجهاد الشرعي، الجهاد في سبيل الله، أما هؤلاء جهاد القائمين على جهاد ابن لادن هؤلاء كلاب من كلاب النار والعياذ بالله يوم القيامة كما ثبت في السنة ذلك وبينا كثيرًا، فهؤلاء ليس عندهم بيعة ولا سمع ولا طاعة وليس عندهم أمير، فهؤلاء كالسائبة والعياذ بالله.
ومن كان من أهل الجهاد دعي من أبواب الجهاد، فبين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سبيل الله، ليس في سبيل الشيطان ولا في سبيل الحزب، ولا في سبيل الرئاسة، أُجاهد لكي أكون حاكمًا مثلاً، أو لتكون لي دولة وإلى آخره كما لا يخفى عليكم من أهل البدع من الخوارج يجاهدون في سبيل الدنيا، لأجل مناصب، ولأجل الحكم ويفعلون الانقلاب على أنه جهاد، والى آخره، ومن كان من أهل الجهاد يعني المكثر من الجهاد، والجهاد الشرعي؛ لأن أهل البدع الخوارج يستدلون كأمثال هذه الأحاديث، ويستدلون بالآيات لكن في الحقيقة هؤلاء أهل البدع.
والجهاد بين شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين في «شرح الممتع»، وإن كان المراد هنا الجهاد بالسلاح والسيف، في المعارك لكنه يدخل جهاد النفس، والجهاد بالبيان، سواءً جهاد أهل الكفر بالبيان أو جهاد أهل البدع وإلى آخره، فالمجاهدون لهم كذلك بابًا اسمه باب الجهاد، يدخلون منه.
والذي ينفق في سبيل الله على الجهاد الشرعي، أو على جهاد أهل البدع وإلى آخره، فكذلك هذا يدخل أنه من المجاهدين، المجاهدين بالمال، والمجاهد بالنفس والمجاهد بالبيان وإلى آخره، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول ما أمر بالجهاد بالقرآن بالبيان والحجة كما بين ابن القيم في زاد المعاد، وهو وأفضل الجهاد.
* وقوله: «ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان»: أي الذي الغالب عليه الصيام كما بينا وأسلفنا وبينا هذا.
* وقوله: «ومن كان من أهل الصدقة دعي من أبواب الصدقة»: هذه كلها أبواب، أبواب الجنة لها أسماء، هذه أبواب الجنة، والمقصود المكثرين من الصدقة؛ الذين يؤدون الفريضة وهي الزكاة المعروفة، والمكثرين من الصدقات النوافل، فالذي يتصدق لله سبحانه وتعالى، يتصدق على طلبة العلم، يتصدق على الفقراء، يتصدق على المساكين، يتصدق على أشياء كثيرة للمساجد، للأوقاف الشرعية وإلى آخره، فهذا يكون من أهل الصدقة، ويدعى من أبواب الصدقة.
ولابد أن تكون هذه الصدقة وهذا الإنفاق لله سبحانه وتعالى، لا في جرائد ولا في صحف، ولا في كراسات، ولا في مجلات، ولا غير ذلك، تكون لله سبحانه وتعالى ليس فيها رياء ولا سمعة.
* وقوله: «فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم» وفيه بأن أبي بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من أهل هذه الأعمال كُلُها أو كُلِها، لقوله: «وأرجو أن تكون منهم» في هذا الحديث بأن أبا بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هو من أهل هذه الأعمال كلها.
فأبو بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من أهل الصلاة، ومن أهل الجهاد، ومن أهل الصدقة، ومن أهل الصيام، وأعماله كثيرة، وفضائله كثيرة، وهناك أدلة على ذلك، ومن هنا يتبين بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهد له بذلك، وأنه يدعى من جميع هذه الأبواب كما بين النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما سأله أبو بكر «هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم».
فالمكثر من الصلاة والصدقة والصيام والجهاد، على ما أمره الله سبحانه وتعالى وعلى قدر استطاعته، ولعل العبد يمتنع ويصيبه مانع مثلاً فيقلل من الصلاة مثلاً وهو يريد، أو ليس عنده مال فهو يريد أن ينفق ذلك ويريد أن يجاهد لكن الجهاد كما ترون فهذا يكتب له يكتب له ذلك؛ ولذلك كما ثبت في «مشكل الآثار» عن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كان لا يكثر من الصيام، ولا يصوم في المناسبات مثلاً في عاشوراء وغيره، ولم يكن يصوم إلا ثلاثة أيام من كل شهر، وبين رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لأن الصوم لا يقويه على الصلاة، ويضعفه عن أداء الصلاة، فهل ابن مسعود لا يكون من أهل الصيام ولا يدعى من باب الريان لا بلى، لكنه جعل الأهم فالأهم.
فإذا كانت نية العبد كذلك فله هذا الأجر العظيم، والشخص الذي لا يستطيع على ما بينا لابد أن تكون عنده نية صافية ولعله يقدم الأهم مثلاً يقدم طلب العلم على الصيام، فالله سبحانه وتعالى يعذره الله ويكتب له وهو مريد، ولذلك شيخنا كان لا يصوم إلا ثلاثة أيام من كل شهر، لكي يتفرغ للأمور المهمة في الدين، فننتبه لذلك.
وعلى العبد أن تكون له نية خالصة وصافية، وعلى قدر استطاعته يؤدي هذه العبادات، ولعله يقدم الأهم فالأهم فله، ويري الله سبحانه وتعالى ذلك، فالله سبحانه وتعالى يكتب له الأجر، فحتى أناس منعهم مانع من تأدية الأعمال فيموتون، كالذي قتل تسعة وتسعين نفس وأكمل بالمئة، دخل الجنة، ولم يعمل عمل لكنها كانت عنده نية صافية وعمل، يريد أن يعمل لكن منعه مانع، فالله سبحانه وتعالى كتب له الأجر، وهكذا في الذي قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُسلم ثم أقاتل أم أُقاتل ثم أسلم»، فبين له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنك تسلم ثم تقاتل، ثم قتل فدخل الجنة، ولم يعمل شيء إلا هذا الجهاد، فعمل قليلاً فأجر كثيرًا.
فعلى العبد أن تكون له النية الخالصة، ويؤدي هذه الأعمال، لكي يكون من أهل الصلاة ومن أهل الصدقة، ومن أهل الجهاد، ومن أهل الصيام والى ما ذكرنا، وأبو بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من هؤلاء؛ الذين يدعون من جميع هذه الأبواب.
وفي هذا الحديث فضيلة لأبي بكر وأنه من أهل الجنة، وهذا رد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم، الذين يتكلمون على أبي بكر ويكفرونه والعياذ بالله، وهذه شهادة من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، والذي سوف يأتي خصم لأبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يوم القيامة فلا تسأل عنه.
قلت: وفي الحديث أن أعمال البر كلها يجوز أن يقال فيها في سبيل الله، ولا يخص في ذلك الجهاد وحده.
وانظر: «إرشاد الساري» القسطلاني (ج4 ص506)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج4 ص14)، و «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص112).
وكذلك القسم الآخر، وفي الحديث أن الأعمال البر كلها يجوز أن يقال فيها في سبيل الله، ولا يخص بذلك الجهاد وحده. انظر: «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج4 ص91).
فإذًا جميع الأعمال العبادات يطلق عليها في سبيل الله، وهذا يرد زعم الخوارج الذي يقولون بأن الجهاد هو فقط في سبيل الله، بل جميع الأعمال البر من صلاة وصيام وحج وإلى آخره وطلب علم كل ذلك يقال عنه في سبيل الله ولا يخص بذلك الجهاد بالسيف.
والحديث يدل على فضل الصوم؛ لأن فيه «ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان».
* و«الصلاة» في اللغة: الدعاء، و«الصلاة» شرعًا: فهي التعبد لله تعالى بأقوال وأفعال معلومة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم.
*و«الجهاد» لغةً: يقال جاهد في سبيل الله مجاهدةً، وجهادًا والاجتهادُ والتجاهدُ بذل الوسع والمجهود، فالجهاد معناه لغة: بذل الوسع والمجهود.
* و «الجهاد» شرعًا: هو بذل الجهد في قتال العدو.
* و«الصدقة»: تجمع على صدقات، وهي العطية، فالصدقة العطية، يقال تصدقت بكذا أعطيته، والمتصدِق الذي يعطي الصدقة، والمتصدَق الذي يعطي الصدقة وهو الفاعل، المتصدَق هو الفاعل، ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ [يوسف:88].
وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص117، 347،355)، و«المصباح المنير» للفيومي (ص175).
الصدقة كذلك يطلق عليها الزكاة كما هو معروف والزكاة يطلق عليها صدقة، و«الزكاة»: هي النماء والزيادة لغةً.
* و«الزكاة» شرعًا: نصيب مقدر شرعًا في مالٍ معين يصرف لطائفة مخصوصة.
وانظر في هذه التعاريف: «الشرح الممتع» (ج1 ص 315)، و(ج2 ص550)، و(ج3 ص444).
وهذا شرح الحديث.
سؤال: تقول السائلة: هل العطر البخاخ....؟ .
الجواب: هذا البخاخ تكلمنا عنه في الدرس الذي سلف بأنه لا يفطر؛ لأن ليس له ضر وهو هوى، حتى لو يشعر بحلقه شيئًا منه أو في لسانه هذا كالماء فلا يفطر.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.