الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (10) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: متابعة شرح باب الصوم كفارة
2024-02-20
الجزء (10) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: متابعة شرح باب الصوم كفارة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وما زلنا في باب الصوم كفارة، وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، وبعد ذلك نقول في قوله: «تكفرها» تسترها، يقال: كفرته إذا غطيته وسترته، فعندنا قوله: «تكفرها» تسترها، وكفر الله عنه الذنب محاه، ومنه الكفارة؛ لأنها تكفر الذنب، وكفر عن يمينه إذا فعل الكفارة، انظر: «المصباح المنير» للفيومي (ص276).
فإذًا قوله: «تكفرها» تسترها، فيقال كفرته إذا غطيته وسترته، وكفر الله عنه الذنب محاه، وستره، وهذا معنى تكفرها، أو معنى الكفارة.
قال النووي في «تحرير ألفاظ التنبيه» (ص125): (الكفارة: أصلها من الكفر، بفتح الكاف، وهو الساتر؛ لأنها تستر الذنب وتذهبه هذا أصلها، ثم استعملت فيما وجد فيه صورة مخالفة أو انتهاك، وإن لم يكن فيه إثم، كالقاتل خطأ وغيره). اهـ
فهذا أصل الكفارة من الكفر بفتح الكاف وهو الستر، فالكفارة تستر الذنب، وإذا فعل العبد الكفارة بسبب ذنب الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى يستر عليه، ويمحو ذنبه، ويذهب بذنبه، وإلى آخر ما ذكرنا من المعاني.
قلت: وهي تكفير الذنوب.
* وقوله: «إنما اسأل عن التي تموج كما يموج البحر»: أي اسأل عن الفتنة الكبرى التي تضطرب كاضطراب البحر، يعني الفتن التي تترى في الناس، هذا هو السؤال عن الفتنة الكبرى التي تضطرب كاضطراب البحر بالناس، كما ذكرنا.
وهذا فيه التحذير من الفتن فالعبد إذا يقرأ كأمثال هذه الأحاديث وهذا الكلام ويسمع هذا الشرح فهذا العبد لابد أن يأخذ الحيطة في ذلك، ويحذر من الوقوع في الفتن؛ لأن الفتن كثيرة تعرض على الناس عودًا عودًا، فأي عبد يقع فيها سوف يهلك، ويكون مفتون.
* وقوله: «وإن دون ذلك بابًا مغلقًا»، بالنصب، صفة لباب، «وإن دون ذلك بابا مغلقًا» أي لا يخرج شيء من الفتن في حياتك، يعني في حياة عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فالفتن التي تترى في الأمة من بعد فتنة عثمان إلى يومنا هذا، لا توجد في عهد عمر أو في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إن دون ذلك بابا مغلقًا يعني الفتن غير موجودة ولا تخرج كالباب المغلق عليها في عهد عمر بن الخطاب في حياته، ولذلك ما وجدنا فتنًا ولم نسمع بفتن قد خرجت الفتن التي تموج كما موج البحر، لم تخرج هذه الفتن الكبيرة في عهد عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ومن هنا يتبين بأن وجود العلم، وانتشار العلم، وانتشار السنة، وشدة الناس في تمسكهم بالسنة يمنع هذه الفتن، أو يقلل من هذه الفتن، أو يكشف الله سبحانه وتعالى أمر المفتونين، وأمر أهل الفتن، وهذا هو المراد، أما أن تمتنع، هذه الفتن أو تقلل أو ينكشف أمرها ويبين أمرها ويبين أهل الفتن، فأهل الفتن معروفون، وأهل السنة معروفون، وهذا هو المراد؛ لكي يستبين العبد سبيل المبتدعين، وسبيل المفتونين، وهذه إن وفق فيها الله سبحانه وتعالى الناس في أي بلد فهي نعمة عظيمة، أن يعرف العبد عدوه، الذي يريد أن يضره، ويضر المسلمين، ويضر بهذا الدين، ويضر البلد، وهذه نعمة كبيرة فعلى الناس أن يشكروا هذه النعمة، إن وجدت في بلدهم ويعضوا عليها بالنواجذ ويتمسكوا بها والثبات عليها في كشف سبيل الحزبيين وسبيل المجرمين في كل مكان.
لكن إن لم يوفقوا أهل البلد بمعرفة سبيل المجرمين؛ فهذا هو الهلاك المبين، فيقع الناس في مهالك، وفي فتن ومصائب وبلاوي كما ترون، ويظن الناس أنهم في تسبيح وفي تكبير وفي قراءة وفي تحميد فيظن الناس هكذا، فإذا وقع أحدهم بعد ذلك عرف أنه على باطل وفي هلاك، فإذا ولت الفتن قالوا أي والله فتنة كبيرة، ما فائدة ذلك؟! فالفتن يعرفها أهل العلم ابتداءً فإذا ولت عرفوها الجهال.
لكن في الحقيقة لا فائدة من ذلك فلابد علينا من نشر العلم في الناس، ونشر السنة، وقمع أهل الباطل، ورد باطلهم مهما يكون الثمن، حتى لو كانت حياة العبد، كما فعل الأنبياء والرسل، ماذا ضحوا لأجل دحض الباطل ودعاة الشرك بكل نفيس، من أولاد وأهل وأموال، وأشياء كثيرة، بل وحياة الأنبياء منهم من قتل ودنياه ذهبت ومنهم من سجن، ومنهم من طرد إلى آخره وهذه سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه لدحض دعاة الفتن قديمًا وحديثًا، فلابد من الصبر على ذلك، وأعلم العاقبة للمتقين، ولابد أن الله سبحانه وتعالى يميز بين الخبيث والطيب بجهادك الأكبر على أهل الكفر في الخارج، وأهل البدع في الداخل من البيان والتوضيح بهذا كذلك يستبين سبيل الطيبين وسبيل المجرمين، دعاة الدنيا، ودعاة المناصب، والمراكز ودعاة الجاه والأموال، فإذا حصل دعاة الفتن على مراكزهم وأموالهم إنزووا إلى أمورهم وإلى دنياهم، لأن هذا هو مرادهم.
فلذلك كن لهؤلاء كالمجاهد، في كشف أمرهم للناس وهذا الأمر لابد له من فائدة، لكن لابد من التضحية فلذلك عندما كانت السنة منتشرة، والعلم وإلى آخره ولم يكن هناك من يوافق المنافقين والكفار، فلم تخرج الفتن، وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كان هو كل شيء، من الشدة في السنة، وقمع البدعة والباطل، والتمسك بالعلم ونشر العلم، وهو عالم وسلطان قائم على كتاب الله وسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فلذلك لم تخرج الفتن ولم تخرج الأحزاب، ولم يوافق المنافقون في أي شيء؛ فلذلك لم تخرج الفتن في حياته.
* «قال عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فيفتح الباب أو يكسر؟ قال حذيفة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يكسر»: قال عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذاك أي الكسر أجدر أولى من الفتح، فعمر بن الخطاب هو ذاك الباب الذي يكسر فإذا كسر هذا الباب خرجت الفتن على هذه الأمة تترى.
فعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يعلم أنه ذاك الباب، لكنه يريد أن يعلم الأمة، ويوضح للأمة هذا الأمر فيفتح الباب أو يكسر قال حذيفة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يكسر فلذلك عندما قتل أمير المؤمنين عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كانت هناك فتن كثيرة من بعده رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
قال عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذاك أي الكسر أجدر أولى من الفتح، وفي رواية: «ألا يغلق إلى يوم القيامة»؛ أي إذا وقعت الفتنة فالظاهر أنها لا تسكن قط، فلذلك عندما قتل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لم يغلق هذا الباب إلى قيام الساعة، ووقعت الفتنة، فالظاهر أنها لا تسكن قط.
وخرجت فتن كما لا يخفى عليكم كثيرة، كفتنة السبئية اتباع ابن سبأ عندما قتلوا عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وخرجت الخوارج على علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وقتل الحسين وجرت فتن كثيرة كما لا يخفى عليكم إلى يومنا هذا، وهذه عندنا فتنة ابن لادن، وغيره من أهل الفتن، ودعاة الفتن، للإسلام ولهذه الأمة.
قلت: وكان عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هو الباب، وكانت الفتنة بقتل عثمان، وإنخرق بسببها ما لا يغلق إلى يوم القيامة، وانظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج4 ص504).
فلذلك عندما قتل عثمان فانفتح هذا الباب ولم يغلق، فلذلك على العبد ألا يكون من المفتونين، ولا يكون مع أهل الفتن، ويحذر كل الحذر من أهل الفتن من فتن الخوارج، وفتن الإرهابيين، وفتن السروريين والقطبيين، وفتن الحزبيين، وفتن المذبذبين، وفتن المرجئيين، وفتن أهل المعاصي، وفتنة أهل التبرج، وفتنة النساء فتنة كبيرة فلا يقع العبد في ذلك فليحذر، وفتنة القبوريين والصوفيين دعاة القبور أهل الشرك فهذه فتنة كبيرة فانظر الكم الهائل من الناس الذين يذهبون إلى أهل القبور، فيستغيثون بهم، كأنه حج عند قبره، فهذه فتنة كبيرة للناس فلابد أن ينتبه أهل الإسلام في هذا الأمر.
فلذلك فليحذر العبد من هذه الفتن؛ لأنها لا تغلق إلى قيام الساعة، ولذلك الدجال سوف يكون رأس لأصحاب الأهواء وفتن أصحاب الأهواء تترى كما لا يخفى عليكم، إلى أن يستلمهم الدجال، من الكفار ومن أهل البدع، كما بين بعض السلف وبين بعض أهل العلم فهي سلسلة والعياذ بالله خبيثة، لكن عليك بالتمسك بالسلسلة الذهبية، سلسلة الطائفة المنصورة أهل الحديث، الذين سوف ويستلمهم المهدي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وهو أمامهم فكن من هذه السلسلة.
فالسلسلة الخبيثة سوف يستلمهم الدجال، والسلسلة هذه الذهبية الطيبة سوف يستلمها المهدي، والكل له اتباع، والكل لهم مؤيدون وفي فرق بين المؤيدين لأهل الأهواء، والمؤيدين لأهل السنة، فهؤلاء من الرعاع والهمج، أخس الناس كما ترون، أما اتباع أهل السنة فهم القائمين على السنة والأثر والحديث، والعلم ونشر السنة؛ فلذلك على العبد أن يحذر من الفتن.
فإذًا عندنا هنا مسألة وهي المسألة الأخيرة فالأعمال المحرمة من الصغائر فدونها تكفرها أعمال البر، من الصيام والصلاة والزكاة وغير ذلك، ومصداق ذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [سورة هود:114]، فالحسنات العبادات، وبعض أهل التفسير قالوا الصلوات الخمس، ولا بأس بحمل هذا وذاك، والسيئات الصغائر من الذنوب، فالعبادات من الصيام والصلاة والزكاة والى آخره، فهذه تكفر الصغائر من الذنوب.
وأما بالنسبة للكبائر فلابد لها من توبة لكي تكفر ثم لا يعود، وهذا القول هو القول الراجح من أقوال أهل العلم.
قال ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص14): (فهذه الأنواع وما شابهها مما يكون من الصغائر فدونها تكفرها أعمال البر، ومصداق ذلك في قوله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [سورة هود:114] قال أهل التفسير الحسنات ها هنا الصلوات الخمس، والسيئات الصغائر). اهـ
وهذا واضح فإذًا الصلاة والصيام والحج يكفر صغائر الذنوب، أما بالنسبة للكبائر فلابد لها من توبة لكي تكفر ولا يعود وللتوبة لها شروط معروفة.
والحديث هذا يدل على فضل الصوم.
ولعل في الدرس القادم ندخل في الريان الصائمين.
سؤال:....
الجواب:، هذا قول حذيفة أن دون ذلك بابا مغلقًا، قول حذيفة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
سؤال: ما الفرق بين الخوارج والبغاة؟.
الجواب: ففي الحقيقة هم بغاة وخوارج هؤلاء، وإن كان بعض أهل العلم يفرق بين هؤلاء وهؤلاء، فالخوارج ظلمة في الأصل، وهؤلاء خرجوا على عثمان، وبين بعض أهل العلم في هذا الأمر.
سؤال: .....
الجواب: هذه الزيادة لا أعلم بها، لكن لعل أما الشق الأول فصحيح، وأما الزيادة هذه لعل ابحثها إن شاء الله .