الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (9) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة شرح باب الصوم كفارة
2024-02-20
الجزء (9) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة شرح باب الصوم كفارة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وذكرنا في الدرس الذي سلف، باب: الكفارة في الصوم.
فقال المؤلف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : (بابٌ الصوم كفارةٌ) هكذا بالتنوين، وذكر حديث حذيفة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال عمر - رضي الله عنه - من يحفظ حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة قال حذيفة: أنا سمعته يقول: «فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة» إلى آخر الحديث...
وهذا الحديث في الحقيقة حديث عظيم فيه التحذير من الفتن، ولا يخفى عليكم أحاديث الفتن التي ذكرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرة لا تحصى حتى أن بعض أهل العلم ألفوا كتبًا في الفتن خاصة أي بأحاديث الفتن وذلك لأهمية هذه الأحاديث للأمة، تحذيرًا من الوقوع فيها، وتحذير الأمة بأن سوف يصادمها فتن كثيرة، فكيف تكون الأمة موقفها من هذه الفتن، وكيف تعالج هذه الأمور؟ فبين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك، ولعل سمعتم أحاديث كثيرة في ذلك.
وهذا حديث حذيفة منها وهو حديث عظيم في التحذير من الفتن، والفتن في الحقيقة تترى في الناس ما تقف نهائيًا، ولعل الناس يقولون قد انتهت هذه الفتنة فلا تأتي أو لا يأتي غيرها، فإذا هم بفتنة أكبر من التي تقدمت، وهكذا كما ترون فلابد من الأخذ من الحيطة في الفتن لكي لا يقع العبد في شباك هذه الفتن، ومهالك هذه الفتن فيهلك، كما هلك كثير من الجهال، فلا تأتي فتنة إلا تأخذ كثير من الجهال فتهلكهم ويعاقبهم الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى في ذلك، بسبب بأن هؤلاء لم يتمسكوا بالكتاب والسنة، ولم يأخذوا بأخذ القرون الفاضلة، قرن الصحابة، وقرن التابعين، وقرن تابعي التابعين.
والذي أخذ كتاب الله وسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتمسك بهما في الفتن نجا فالله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى نجى العلماء وطلبة العلم واتباع السنة من فتن كثيرة تترى في الأمة ومازالت، وبين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن هذه الفتن تموج موج البحر، وهذه الفتن كبيرة؛ لأن شبهها بموج البحر، وموج البحر يكون مضطرب، وكبير، والذي يقع في هذه الأمواج، فبلا شك يهلك، ما يستطيع أن يقاوم، فهكذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شبه هذه الفتن.
فعلى طالب الحديث أن لا يدخل في هذه الفتن، في بلده أو في غير بلده ولا يخوض، وأقل الأمر إذا لا يوجد من يوجهه في الفتنة إن وقعت في البلد أو في غير ذلك فعليه بلزوم البيت، ولزوم السكوت، هذا أقل له؛ لكي ينجو، وألا إن خاض مع الخائضين والعياذ بالله هلك، وبيأتي الكلام أو شيئًا من ذلك إن شاء الله في هذا الحديث.
وهذا الحديث كما عندكم أخرجه البخاري في «صحيحه»، بل الإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أخرجه في مواضع عدة في كتاب الفتن مثلاً، وكذلك أخرجه مسلم في «صحيحه»، ونعيم بن حماد في «الفتن»، والداني في «السنن الواردة في الفتن».
* وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «بابٌ الصومُ كفارةٌ» هكذا في رواية أبي ذر والجمهور الذين رووا صحيح البخاري كما أسلفت لكم، بتنوين باب، فيكون «بابٌ» بتنوين باب؛ أي الصوم يقع كفارة للذنوب، فهذه الترجمة موافقة للحديث، فالصوم يقع كفارة للذنوب، وهو موافق الباب الصوم كفارة، فالصوم كفارة للذنوب، وهو باب كفارة الصوم، أي باب تكفير الصوم للذنوب، وهذا يقال هذا بابٌ الصوم كفارة.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص110)، و«إرشاد الساري» للقسطلاني (ج4 ص503).
فيكون هذا بابٌ الصوم كفارة، والكفارة هي التي تكفر الذنب، أي تغطية وتستره، فهذه الكفارة، تكفر ذنب العبد، فتغطية وتستره، بيأتي الكلام في أثناء الشرح عن التكفير والكفارة.
* و«الفتنة»: الاختبار والامتحان، والمفتون: أي ممتحن، والمفتون هو الذي يمتحن، و«الفَتن» الإحراق، فيطلق كذلك على الإحراق، كما قال الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ [الذاريات:13]، أي يُحرقون، يفتنون يحرقون، وكما قال الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [البروج:10]؛ أي أحرقوهم، أي الذين أحرقوا المؤمنين والمؤمنات، قصة الغلام المعروفة.
ويقال افتتن الرجل وفتن فهو مفتون، إذا إصابته فتنة، فذهب ماله أو عقله؛ ولذا إذا يقال كذلك اختبر، «افتتن» اختبر وكما قال الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ [طه:40]، فالله سبحانه وتعالى اختبر وامتحن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص468).
إذًا «الفتنة» بمعنى الاختبار، والامتحان، والابتلاء، ولذلك الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى يمتحن الناس في هذه الفتن ويتبين في هذه الفتن التي تموج موج البحر، يتبين من هو الصادق ومن هو الثابت ومن هو العالم بهذا الدين، ومن هو الصادق مع الله، ومن هو المحب لله ولرسوله، ومن هو الكاذب بأنه متدين أو داعية، أو يعلم الناس، فتراه في الابتلاءات والمحن والفتن نكص على رأسه، وارتمى مع أعداء الله، وأعداء الرسول؛ لكي يتطلع إلى المناصب، والمآكل، والجاه والمال، إلى آخره.
وهؤلاء المفتونون، في الحقيقة لا يرتمون مع المفتونين إلا لمصلحة، فاعلم ذلك لا بد أن تكون له مصلحة، فابتداءً ممكن أن يتقول بكتاب الله وسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا حصل على ما رماه، ومصلحته وهو الأثافي النفعي، ترك الدعوة، وترك قال الله، وقال الرسول، وقام يتقول بالآراء، وبالفتن، وتراه مرتمي مع هؤلاء المفتونين ومع هؤلاء ومع أهل البدع، وترى صور له في كل مكان، مع أخبث الناس، من الرافضة وغيرهم، فهذا مفتون لا تقربه، أشد من الكهرباء، لا تقربه، انظر إذا اقتربت إلى الكهرباء ماذا تفعل فيك؟ فهذا أشد هلاك يهلكك بسرعة أهواءً، تجري والعياذ بالله في دماء هؤلاء وفي أجسامهم، خطيرة، تفتك في المجتمعات.
ولذلك أكثر أهل الحديث بنقد هؤلاء خاصة؛ لأنهم أخطر الناس على الناس؛ لكي لا يقترب الناس، ولا يقترب الطيبون المتمسكون إليهم؛ لكي لا يسير هؤلاء من المبتدعين بعد ذلك، وكما ترى كم وقع أمام عينك في السنوات الأخيرة من الجهال ومن المفتونين مع المفتونين، فلذلك احذر المفتونين، واحذر الفتن وهي تترى وتأتي وسوف تنظر وترى فليس هذه الفتن التي ذهبت، لا فيه أمور أعظم بل في آخر هذه الدنيا أكبر الفتن، والناس يقولون انتهت هذه الفتن وسوف تنتهي، بل آخر الزمان من أكبر الفتن تأتي للناس، فكيف تنتهي؟! فتنة الدجال والفتن الكبرى الأخرى فتن كبيرة وعظيمة.
فلذلك على العبد أن يوطن نفسه للفتن بكتاب الله وسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعلم أهل الحديث فقط لا غير، فإذا تطلع هنا وهناك، عند المتعالمين والمفكرين والمثقفين، المفتونين أن يحصنوه من هذه الفتن فهذا في الحقيقة مثله كمثل الذي ينتظر عجوزًا تلد.
* وقوله: «فتنة الرجل في أهله وماله وجاره»: بأن يأتي بسببهم بغير جائز، من الإسراف والغلو في النفقة عليهن والشغل بأمورهن عن كثير من النوافل، فهذه فتنة الرجل في أهله، فيأتي بسبب أهله بأمور محرمة وبمعاصي مفتون في أهله، أما مفتون بجمالها، أو بمالها أو حسبها أو بأمور أخرى من الإسراف والغلو في النفقة عليهن كما هو حاصل من هؤلاء الناس الذين يسرفون في الثياب الكثيرة على الزوجة، وعلى الأولاد، وأمور كثيرة، يشترونها في الأسواق، ليس لها لازمة إلا الظواهر، ويتطلعون إلى فلانة وفلان، فهذه تنظر إلى فلان، وهذه غنية وهي ممكن أن لا يكون عندها أموال، فتتطلب من زوجها أن تكون مثل فلانه فتسرف في الملابس في أشياء كثيرة وهذا من الغلو في النفقة.
والاشتغال بأمور كثيرة بسبب الأهل، من ناحية الأولاد أو البيت، عن عبادة الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، وممكن بسبب ذلك يترك بعض الواجبات، هذا حرام وفتنة لهذا الزوج والعياذ بالله، فليحذر هذا الزوج من فتنة الأهل.
ولذلك ممكن أن يذهب بأهله وأولاده إلى السفر في الخارج، بزعمه لأجل النزهة، مفتون بأهله وأولاده فيقع في محرمات، ومنهم من يذهب إلى بلاد الكفر والعياذ بالله، والذهاب لأجل السياحة في بلاد الكفر لا يجوز حرام، وبين أهل العلم إن كان لعلاج أو لدعوة أو لدراسة لا توجد في بلاد المسلمين فلا بأس بذلك، أما غير ذلك كالسياحة فلا يجوز، فهذا فتنة الرجل في أهله.
* وقوله: «وماله»: أي فتنة الرجل في ماله، بأن يأخذه من غير حله، من المحرمات ويصرفه في غير مصرفه، يصرفه في محرمات وفي تبذير وإسراف، من الإسراف والتبذير وغير ذلك، فلعل عمله محرم فيتكسب منه فهذا ليس بحلال عليه، هذه فتنة له، ويصرف هذا المال في المحرمات، ويصرفه على زوجته مثلاً، بأمور محرمة من ملابس وتخرج به وخاصة إذا كانت متبرجة وإلى آخره، أو هو يصرفه في غير محله الشرعي، فمثلاً في السياحة في الخارج، في بلاد الكفر، فهذا مفتون بماله، ولذلك أكثر من الذين يقعون في هذا هم الأغنياء، الأغنياء مفتونون في مالهم.
وفي الحقيقة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين على العبد إلا يتطلع إلى هؤلاء الأغنياء، وهذا حال الناس، يتمنى أن يكون حال الأغنياء، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين بأن الشخص يتمنى أن يكون كهذا المتدين وهذا العالم، فالتمني في الدين ليس في الدنيا، ولذلك هؤلاء مفتونون في أموالهم، كما ترون، فالشخص لا يتمنى ذلك وإن تمنى يتمنى مالاً أن يصرفه في دين الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى ولأجل دعوة الله سبحانه وتعالى.
لكن إذا لم يحصل العبد على المال كمال الأغنياء، فلا يحزن، فيدعو الله سبحانه وتعالى أن يرزقه هذا الدين العظيم، والثبات عليه، والبركة في الرزق، والبركة في الدابة وفي الأهل وفي البيت والأولاد وفي المال، حتى لو كان قليلاً فهذه هي النعمة الكبيرة في الدنيا، فالشخص إذا وفق في الدنيا بشيء منها مع دين الله سبحانه وتعالى فهذه نعمة كبيرة، ما تعوض، فعليك بها ولا تنشغل بهؤلاء الأغنياء، وبمالهم من سيارات وبيوت وأموال والى آخره، وعليك أن تنشغل بدين الله سبحانه وتعالى، وبالآخرة فلذلك هذه فتنة الرجل في ماله كحال هؤلاء الأغنياء.
* «وجاره»: أي فتنة الرجل في جيرانه، أن يكون أكثر مالاً منه وحالاً فيتمنى مثل حالة أو يتمنى زوال ماله حاسد، فيفتتن بهذا الجار، وكم من جار فتن جار وخاصة هؤلاء البنات تفتتن في بنت جار خاصة من الأغنياء فتجرها إلى مصائب وبلاوى، وعلاقات محرمة؛ فلذلك هذه فتنة الرجل في جاره، وهو كذلك يفتتن، والناس يمتحنون ابتلاء من الله، والله سبحانه وتعالى ينظر إليهم من هو الصادق ومن هو الكاذب، فلذلك وممكن أن يفتتن والعياذ بالله الرجل في جار مبتدع فهذه كذلك من الفتن.
فعلى العبد أن ينتبه لهذا الأمر، وفي هذا يقول الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ [الفرقان:20]، فلذلك الله سبحانه وتعالى جعل بين الناس فتنة وابتلاءً وامتحان، من الذي ينجر مع المخالفين لله تعالى ولرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن الذي ينجر خلف من الموافقين لله تعالى ولرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن الذي ينجر في هذه الفتن فتن المظاهرات والجهلة، والاعتصامات، وينجر بما يسمى بالأسهم فتنة، وأمور أخرى كما لا تخفى عليكم، فتن فمن الذي يصبر على ذلك؟ ومن الذي يقبل على الفتن؟ الذي يقبل على الفتن فاعلم أنه هالك والعياذ بالله، فاحذر هذه الفتن.
يقول ابن بطال رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص16): (الفتنة: عند العرب الابتلاء والاختبار، وهي في هذا الحديث شدة حب الرجل لأهله، ومن فتنة الأهل الإسراف والغلو في النفقة عليهن، والشغل بأمورهن عن كثير من النوافل، وفتنته في ماله أن يشتد سروره به بالمال ويفرح ويطغى كذلك على عباد الله ثم يقول حتى يغلب عليه وهذا مذموم، وفتنته في جاره أن يكون أكثر مالاً منه وحالا، فيتمنى مثل حاله). اهـ
فلذلك هذا واضح من الحديث، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن أقبل صاحب هذا الفتنة وهذا المفتون على الصلاة والصيام والحج والصدقة والعبادات فتكفر هذه الأمور التي وقع فيها، لكن إن واصل والعياذ بالله فهلك، فهذه الأمور تكفرها الصلاة والصيام والصدقة.
سؤال: ما هو قول ابن بطال المذكور آنفاً فلو أعتدته فضيلتكم مشكوراً؟.
الجواب: يقول ابن بطال: الفتنة عند العرب الابتلاء والاختبار، وهي في هذا الحديث شدة حب الرجل لأهله، ومن فتنة الأهل الإسراف والغلو في النفقة عليهن، والشغل بأمورهن عن كثير من النوافل، وفتنته في ماله أن يشتد سروره به، حتى يغلب أو يغلب عليه وهذا مذموم، وفتنته في جاره أن يكون أكثر مالاً منه وحالا فيتمنى مثل حاله
سؤال: يقول السائل: ما صحة: ((من فطر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء))؟.
الجواب: حديث ((من فطر صائمًا..))؛ فهذا الحديث لا يصح، وهو حديث ضعيف وبينا في السنة الماضية ضعف هذا الحديث، فلذلك هذا الحديث يستدل به أصحاب الأعمال الخيرية لتفطير الصائم، وهو حديث ضعيف لا يصح، وإن حسنه بعض أهل العلم فهو حديث ضعيف لا يصح.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.