القائمة الرئيسة
الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (8) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة باب فضل الصوم - وشرح باب الصوم كفارة

2024-02-11

صورة 1
الجزء (8) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة باب فضل الصوم - وشرح باب الصوم كفارة

بَابٌ: الصَّوْمُ كَفَّارَةٌ.

(1895) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا جَامِعٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَنْ يَحْفَظُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الفِتْنَةِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ»، قَالَ: لَيْسَ أَسْأَلُ عَنْ ذِهِ، إِنَّمَا أَسْأَلُ عَنِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ البَحْرُ، قَالَ: وَإِنَّ دُونَ ذَلِكَ بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: فَيُفْتَحُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ، قَالَ: ذَاكَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ يُغْلَقَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ البَابُ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: نَعَمْ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ.

الشرح:

الدرس الثاني في الباب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وقبل الدخول في هذا الباب لعل نكمل ما تبقى من فضل الصوم، وتكلمنا في الدرس الذي سلف، عن أقوال أهل العلم في الاستطابة بالمسك وبينا بأن الحديث على ظاهرة وحقيقته في «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك»، وبينا القول الصحيح في هذا وأن الاستطابة هنا ليس كاستطابة المخلوقين، فنترك الحديث على ظاهرة كبقية الصفات.

 والذي قال بأنه الثناء وإلى آخره كما سوف نعيده باختصار هذا التأويل ليس بصحيح، وعندنا حديث هنا ننبه عليه حديث جابر يقال كثيرًا عند الوعاظ وهو أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قال: (أعطيت أو أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسًا..)؛  فذكر الحديث وقال فيه «فإنهم يمشون وريح أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك».

 هذا الحديث أخرجه الحسن بن سفيان في «الأربعين»، وابن شاهين في «فضائل رمضان»، والبيهقي في «فضائل الأوقات»، وغيرهم وفي إسناده زيد العمي وهو ضعيف.

 وله شاهد من حديث أبي هريرة: أخرجه أحمد في «المسند»، وابن أبي الدنيا في «فضائل رمضان»، وابن شاهين في «فضائل رمضان»، وغيرهم، وإسناده فيه هشام بن أبي هشام وهو متروك الحديث كما في التقريب، وكذلك زيد انظر «التقريب» لابن حجر، فهذا الحديث حديث ضعيف لا يصح.

 ويتبين من أقوالهم هذه التي نقلناها لكم بأن المراد ذلك في حق الملائكة يعني من قال بأن «أطيب عند الله من ريح المسك» بأن ذلك في حق الملائكة وهذا بينا ليس بصحيح، وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك، وقيل: المعنى أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ما عندهم.

 وقيل: المراد أن الله يجزيه في الآخرة، فتكون نكهته أطيب من ريح المسك، وهذا بيناه له وجه، هذا الوجه الثالث.

 وقيل: المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك، وبينا بأن هذا التأويل بالاستطابة بالثواب ليس بصحيح هذا من قول الأشاعرة.

 وقيل: إن الطاعات يوم القيامة ريحًا تفوح وهذا التأويل ليس بصح كذلك.

 وقيل: بأن الثناء على الصائم والرضا بفعله، وكل هذه الشروحات والتأويلات ليست بصحيحة كما بينا وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص 106).

وتبين بأنها غير صحيحة ولم يرد فيها أي دليل من الكتاب والسنة ولا لغة العرب، بل بينا بأن الحديث يترك على ظاهرة وعلى حقيقته، وأن الاستطابة لله لا كاستطابة المخلوقين، ليس كمثله شيء، فنثبت لله سبحانه وتعالى الاستطابة لكن كيف ذلك الله أعلم.

*  وقوله بعد ذلك «يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي»، وفي رواية عند أحمد في «المسند» يقول الله عز وجل «إنما يذر شهوته»، والمراد ((بالشهوة)) في الحديث: شهوة الجماع، لعطفها على الطعام والشراب.

 فإذًا المراد بالشهوة هنا «يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي»: أي شهوة الجماع.

 وفي رواية لابن خزيمة «يدع الطعام والشراب من أجلي»، ورواية سمويه في «فوائده»:  ((يترك شهوته من الطعام والشراب والجماع من أجلي)).

 وانظر «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص106).

فإذًا الشهوة هنا الجماع ويدخل فيها الملذات، والطعام والشراب فيها من الشهوة شهوة البطن، والجماع شهوة الفرج، فالصائم يترك ذلك من أجل الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى.

 قال القسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص502): (يترك الصائم طعامه وشرابه وشهوته: أي شهوة الجماع لعطفها على الطعام والشراب، أو من عطف العام على الخاص، لأن الشهوة لفظ عام، والشهوة يدخل فيها الجماع والطعام والشراب والملذات والى آخره فهذا عام، الطعام والشراب خاص، هذا لفظ خاص بالطعام والشراب، وهو من عطف العام على الخاص). اهـ

* وقوله: «الصيام لي وأنا أجزي به»، وفي رواية «الموطأ» لمالك رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، «فالصيام» بزيادة فاء وهي السببية فاء السببية، فالصيام لي بسبب الصيام.

 وفي رواية «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به»، والحديث في فضل الصوم ظاهر، وأنه من العبادات العظيمة عند الله تعالى لقوله: «الصيام لي وأنا أجزي به».

* وقوله: «والحسنة بعشر أمثالها» فيضاعف الأجر للصائم، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله كما بينا في رواية الإمام مالك فيما سلف من الدروس، فيضاعف أجر الصائم، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله.

 لكن هذا بالنسبة للعبادات، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف بعدد، أما بالنسبة للصوم فليس له عدد معين في الحسنة والأجر، فالله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى يجازي الصائم على صومه جزاء كثيرًا من غير تعيين لمقداره، أما بقية العبادات فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، أما الصوم فهو فوق ذلك، ليس له مقدار فالله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى يجازي هذا الصائم الحسنات الكثيرة بدون تعيين وبدون مقدار.

 وهذا يتبين عظم الصوم ومن هنا يجب على العبد أن يهتم في صومه، كما أسلفنا ولا يجرح صومه بأي شيء من الشركيات، أو من البدع، أو من المحرمات، ولا يعتدي على الناس، ولا يغتاب وغير ذلك مما ذكرنا؛ لأن فيه أجور عظيمة، ما يتصورها العبد، فلابد أن يحافظ على صومه ويكون صومه صفة صوم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن أحرى بالقبول وأن يجزى هذا الأجر العظيم الذي ليس له مقدار وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص107).

قال الخطابي في «أعلام الحديث» (ج2 ص940): (قوله: ((الصوم لي وأنا أجزي به)): فيه تفضيل الصوم لما فيه... لا يستولي عليه الرياء والسمعة، لأنه عمل أو عمل سر ليس كسائر الأعمال التي يطلع عليها الخلق، فهذا السر في هذا الصوم، لأن فيه من الإخلاص ولا يطلع على هذا إلا الله سبحانه وتعالى والخلق لا يعلمون فلذلك الصوم لي وأنا أجزي به لما فيه من الإخلاص لله سبحانه وتعالى، وقوله وأنا أجزي به ومعلوم أن الله تعالى هو الذي يجزي بالأعمال الصالحة دون غيره والمعنى مضاعفة الجزاء من غير عدد ولا حساب، كقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وقوله على أثره ((والحسنة بعشر أمثالها)): وإنما أعقبه ذلك به إعلامًا، أن الصوم مستثنى من هذا الحكم، وإنما هو في سائر الطاعات عمومًا، دون الصوم المخصوص بهذا الحكم). اهـ

 فإذًا يتبين من ذلك بأن الصوم أمره عظيم، والصائم أمره كذلك عظيم، لما فيه من الإخلاص وله الجزاء المطلق الذي ليس له عدد معين ولا أجر معين بل مطلق وما له من الجزاء من غير عدد ولا حساب كذلك، والصابرون في الآية يدخل فيه الصوم وغيره، الذين يصبرون على الصلاة، الذي يصبرون في الحج، الذي يصبرون في الدعوة، الذي يصبرون في طلب العلم، كل ذلك داخلون في الصابرون، فالصابرون في هذا الدين وعلى هذه الطاعات، لهم الأجر بغير حساب.

* «والحسنة بعشر أمثالها» هذا في الطاعات عمومًا إلى سبعمائة ضعف، أما بالنسبة للصوم فهذا الحكم لا يدخل فيه، بل هو ليس له حسنات معينة، وأجر معين بل بلا قدر ذكره الله سبحانه وتعالى، ويوفي الله سبحانه وتعالى هذا الصائم أجره بغير حساب؛ لما يحمله من الصوم.

 قال شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين في «المجالس» (ص9): (إن الله تعالى قال في الصوم ((وأنا أجزي به)) فأضاف الجزاء إلى نفسه الكريمة؛ لأن الأعمال الصالحة يضاعف أجرها بالعدد، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، أما الصوم فإن الله أضاف الجزاء إليه إلى نفسه من غير اعتبار عدد وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الاجودين والعطية بقدر معطيها فيكون أجر الصائم عظيمًا كثيرًا بلا حساب، والصيام صبر على طاعة الله). اهـ

 فلذلك «الحسنة بعشر أمثالها» هذا للعبادات عمومًا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أما الصوم فهذا خاص أجره، فهذا أجره خاص، فالله سبحانه وتعالى يعطي الصائم أجره مطلقًا بلا عدد.

* «وأنا أجزي به» لأن الصوم لله سبحانه وتعالى وهذا فيه الإخلاص لله سبحانه وتعالى.

 ثم بعد ذلك يقول المؤلف: بابٌ الصوم كفارةٌ، هكذا بتنوين باب... لعلنا نتكلم إن شاء الله الدرس القادم.

 سؤال:......

الجواب: على سبيل العموم استدل بعض أهل العلم على أن الصائم يصبر، فهو داخل في الصبر، كما أن صاحب الصلاة يصبر على الصلاة، يصبر الشخص على الدعوة، على طلب العلم، يصبر على الأمراض لله سبحانه وتعالى، فهو داخل في هذا، والشخص ما يكتفي بالصوم فقط، لا يصلي ولا يحج ولا يفعل شيئًا لكنه إذا أتى رمضان صام فهذا غير داخل هنا، فلابد أن يأتي بجميع الأعمال.

 سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan