الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (6) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة (باب: فضل الصوم)
2024-02-11
الجزء (6) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة (باب: فضل الصوم)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وما زلنا في حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في «باب: فضل الصوم»، وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن كلمة «فضل وجنة» وبعض الفوائد ولعل نكمل شرح الحديث.
* وقوله: «فلا يرفَث أو يرفُث»: الرفث الفحش من القول، وقد «رفث، يرفث، رفثًا»، مثل: «طلب، يطلب، طلبًا»، وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص245).
فإذًا عندنا معنى «يرفث والرفث»: الفحش من القول؛ وعلى ذلك فيحرم على الصائم أن يرفث في صومه، فيشتم ويسب ويأتي بالأقاويل الفاحشة، فإن ذلك منهي عنه كما في هذا الحديث.
* وقوله: «ولا يجهل»: الجهل ضد العلم، وقد جهل من باب فهم وسلم، و«تجاهل»: أرى من نفسه ذلك وليس به يعني ليس به جهل، هذا التجاهل واستجهله عده جاهلاً واستخفه أيضًا والتجهيل النسبة إلى الجهل، والجهل عيب كما لا يخفى عليكم.
قال القسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص500): (قوله: ((فلا يرفث)): بالمثلثة وبالتثليث الفاء أي لا يفحش الصائم في الكلام، ((ولا يجهل)): أي لا يفعل فعل الجهال كالصياح والسخرية أو يسفه على أحدٍ). اهـ
قلت: ولا يجادل بالباطل ولا غيره، فهنا القسطلاني رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ يبين هذا الأمر لا يفحش الصائم في الكلام وفي القول، بل عليه بالكلام الطيب، وبالكلام الذي فيه كل خير، لا هو لغيره، ويجوز له أن يتكلم في المباحات من الكلام، لكن الأمور المخالفة للكتاب والسنة، والأمور المحرمة من الكلام فلا يجوز للصائم أن يتكلم.
وقال ابن بطال في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص8): (قوله: ((فلا يرفث)): فالرفس هنا الفحش، والخنا، يعني الفحش كذلك، الخناء الفحش والجهل ما لا يصلح من القول لا الفعل). اهـ
فإذا عندنا في «الرفث»: هو الفحش من الكلام، و«الجهل»: ما لا يصلح من القول والفعل.
فعلى الصائم أن يترك أقوال الجهال، من السخرية والكذب والسفه، وكذلك يترك أفعال الجهال، من المزاح المعروف، والأمور المحرمة، من الحركات فهذه أفعال السفهاء، فعلى الصائم يتنزه من ذلك؛ لكي لا يجرح صومه.
والصوم الموافق للكتاب والسنة مع ترك ما حرمه الشارع أحرى بالقبول، والأمر الآخر هو أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ شرع هذا الصيام؛ ليتدرب العبد على ترك المحرمات، والإقبال على الطاعات، فالصوم يمسك العبد من الرفث ومن الجهل ويصيب بذلك صفة صوم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا الصوم هو أحرى بالقبول.
أما الصوم الذي فيه الصياح والسخرية والسفه والكذب، والنظر إلى التلفاز وما فيه من منكرات، والنظر إلى النساء والى آخره كل ذلك يجرح الصيام ويقلل من الأجر، ومازال هذا العبد والعياذ بالله يأتي بهذه المحرمات والمنكرات ولعله لا يبالي في صومه في أمور كثيرة حتى لا يكون مقبولاً عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ، وهو لا يدري وهو لا يشعر فلابد من الالتزام بأحكام الصوم، وفي «الخنا» انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص191).
وقال الخطابي في «أعلام الحديث» (ج2 ص 940) وقوله: (فلا يرفث: الرفث الخنا والفحش، نهاه عن قول الرفث والفحش، لئلا يفسد صومه فيحرم أجره). اهـ
فلذلك فمازال هذا العبد والعياذ بالله يفعل المعاصي والمنكرات، والمخالفات فلعل هذا العبد يفسد عليه صومه، فيحرم الأجر، فعلى الناس الالتزام.
وقال أبو العباس القرطبي في «المفهم لما أشكل من صحيح مسلم» (ج3 ص214): (الرفث: الفحش من الكلام). اهـ
قلت: والحديث يدل على تحريم الرفث في الصوم، وذكر القرطبي في «المفهم» (ج3 ص214)؛ بأن الرفث ممنوع على الإطلاق؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكره هنا في الصوم للتأكيد بأن الفحش في القول منهي عنه، في غير الصوم، وفي الصوم آكد، ولا يلزم من ذلك بأن الكلام الفاحش في غير الصيام يجوز أو مباح لا، في الأصل كما قال القرطبي: (بأنه محرم شرعًا مطلقًا، لكن يؤاكد في تركه في الصوم). اهـ
* وقوله: «وإن امرؤ قاتله أو شاتمه»، قاتله: أي دافعه ونازعه ولاعنه وشاجره، انظر: «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج4 ص501)، و«فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص104)، فالمقاتلة هنا الدفع والمشاجرة، والملاعنة والنزاع، وهذا هو المراد من المقاتلة، ليس القتال المعروف بالسلاح لا.
* و«الشتم»: السب، و«المشاتمة»: المسابة، انظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص318).
فإذًا الشتم هنا السب، وان إمرون قاتله يعني نازعه أو لاعنه أو شاجره أو دافعه بالقول أو بالفعل، أو شاتمه أي سبه، فليقل: إني صائم.
قلت: والحديث يدل على تحريم الشتم في الصوم؛ لأنه آكد، قال القرطبي في «المفهم» (ج3 ص214): (لا يفهم من هذا أن غير يوم الصوم يباح فيه الرفث والصخب فإنهما ممنوعان على الإطلاق، وإنما تأكد منعهما بالنسبة إلى الصوم). اهـ
فإذا السب والشتم، والفحش في الكلام، في الصوم أكد النهي عنه.
* وقوله: «فليقل إني صائم مرتين»: أي يكرر ذلك مرتين، قال القسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص501): (قوله فليقل له: بلسانه كما رجحه النووي في الأذكار، أو بقلبه كما جزم به المتولي). اهـ
فإذًا يبين القسطلاني بأن فليقل يعني بلسانه إني صائم، فإذا شتمك رجل أو امرؤ، وسبك وأنت صائم فلا تبديه كما فعل وكما قال فدعه وقل إني صائم، وبعض أهل العلم قالوا باللسان، وبعض أهل العلم بالقلب، لكن الصحيح النبي بل بين فليقل، والقول لا يكون إلا برفع الصوت في هذا المقام، فليقل له بلسانه ويرفع صوته بذلك ولا بأس بذلك، فيقول له: إني صائم، ولا يتلفظ كما تلفظ، وإن فعل شيئًا لك فلا تفعل له، فدعه واثمه حتى يجرح صومه وعليه الإثم في الدنيا وفي الآخرة.
وقال القرطبي في «المفهم» (ج3 ص215): (وظاهره أن الصائم يقول ذلك القول، القول المأمور به للساب لسمعه وليعلمه اعتصامه بالصوم، فينكف عن سبه، ويحتمل أن يراد أنه يقول ذلك لنفسه مذكرًا لها بذلك، وزاجرًا عن السباب). اهـ
فإذًا كذلك هذا فيه أمر من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول له ذلك إني صائم ليسمع هذا الساب أو الشاتم أو المتعدي ليعلم هذا الساب وبذلك يعتصم بالصوم؛ لأن يحتمل إذا قلت للصائم أو قلت للساب إني صائم فينكف عنك، ويترك هذا السب، ويسكت، أو يستغفر فيتوب، لكن إن أبديت له بما أبداه هو من السب مثلاً أو إذا ضربك ضربته في الحقيقة لعله يزداد في ذلك، وتزداد أنت فيجرح هو صيامه وأنت كذلك، والأمر هذا ارفع أمره إلى ولاة الأمر، ولا تجرح صيامك بذلك، ولا تبديه بما بدأ.
قلت: والقول باللسان أقوى، ولو جمعها لكان حسنًا، فالقول باللسان إني صائم أقوى، وكذلك لو جمع ذلك في نفسه المشتوم وحاسب نفسه ألا يفعل كفعل هذا في نفسه وزاجرًا لنفسه عن السباب فكذلك لا بأس بذلك، لكن لابد أن يأتي ذلك بلسانه.
قال النووي في «الأذكار» (ص275): (قلت: قيل إنه يقول بلسانه ويُسمع الذي شاتمه لعله ينزجر، وقيل يقوله بقلبه لإن كف عن المسافهة، ويحافظ على صيانة صومه، والأول أظهر ومعنى شاتمه متعرضًا لمشاتمته). اهـ
فإذًا النووي يرجح باللسان والأول أظهر، وهذا هو الراجح، أن يقول بلسانه إني صائم ويرفع ذلك بصوته، وكذلك انظر: «المجموع» للنووي (ج6 ص356).
وقال النووي في «المجموع» (ج6 ص356): (والرفث: الفحش في الكلام، ومعنى شاتمه شتمه متعرضًا لمشاتمته، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليقل إني صائم، ذكر العلماء فيه تأويلين: أحدهما يقوله بلسانه ويسمعه لصاحبه لينزجر عن نفسه، والثاني وبه جزم المتولي يقوله في قلبه لا بلسانه بل يحدث نفسه بذلك وبذكرها أنه صائم، لا يليق به الجهل والمشاتمة والخوض مع الخائضين). اهـ
قلت: والحديث فيه استحباب القول بإني صائم مرتين إذا شاتمه أحد تحذيرًا وتهديدًا بالوعيد الموجه على من انتهك حرمة الصائم.
وذكر في «المهذب»: (وينبغي للصائم أن ينزه صومه عن الغيبة والشتم، فإن شُتم قال إني صائم، إني صائم، وإذا لم يكف الشاتم عن ذلك إذا قال له إني صائم أن يدفعه بالاخف فالاخف)، فمثلاً يقول له اتق الله، لا تجرح صيامك، خاف من الإثم والى آخره فالاخف بالأخف فإذا لم ينزجر فعلى المشتوم أن يتركه، ويعرض عنه لأنه جاهل والعياذ بالله، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وأعرض عن الجاهلين﴾ [الأعراف: 199].
وقال الخطابي في «أعلام الحديث» (ج2 ص940): (قوله: ((فليقل إني صائم)): يحتمل وجهين أحدهما أن يقول ذلك فيما بينه وبين نفسه لئلا تحمله النفس على مجازاة الشاتم فيفسد بذلك صومه، والآخر أن يقول ذلك بلسانه؛ ليمتنع الشاتم من شتمته إذا علم أنه معتصم بالصوم، فلا يؤذيه ولا يجهل عليه). اهـ
فهذا كذلك ذلك فيه وجهان، فأما هذا أن ينزجر الشاتم، والآخر يؤجر على ذلك، وممكن ويحتمل هذا الرجل من كثرة ما يفعله من المخالفات لعله يفسد عليه صومه، وعلى المشتوم أن يعتصم بالصوم ولا يبدي شيئًا من ذلك، وعليه الإعراض، الإعراض عن الجهال.
وهل إذا سب الصائم أحدًا يفسد صومه أو لا؟.
اختلف أهل العلم في ذلك:
القول الأول: قول الجمهور على أن ذلك ليس بمفسد للصوم لكنه يأثم، وهو الصحيح من أقوال أهل العلم، وذهب الأوزاعي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ إلى أن ذلك مفطر مفسد لصومه، والصحيح قول الجمهور أنه لا يفسد الصوم لكن صومه مجروح، ويأثم على ذلك.
قال القرطبي في «المفهم» (ج3 ص215): (واختلف إذا سب الصائم أحدًا أو اغتابه، فالجمهور على أن ذلك ليس بمفسد للصوم، وذهب الأوزاعي إلى أن ذلك مفطر مفسد، وبه قال الحسن فيما أحسب). اهـ
فإذا هذا قول الجمهور، لو سب امرؤ أحدًا من الصائمين فلا يفسد صومه، وفائدة قوله إني صائم أنه يمكن أن يكف عنه بذلك، فإن أصر دفعه بالاخف فالأخف، والمراد أنه لا يعامله بمثل عمله، بل يقتصر على قوله إني صائم، انظر «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص105): (إذا فائدة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني صائم، أنه يمكن أن يكف، هذا الشاتم عن هذا الصائم، فإن أصر فلا تدفعه بما قال، لكنه بالاخف فالأخف). اهـ
المراد بذلك ألا يعامل هذا الصائم هذا الرجل بمثل عمله، بل يقول إني صائم، بل يقتصر على قوله إني صائم، ولعلي إن شاء الله أتكلم عن خلوف فم الصائم الدرس القادم، نعم فيه أي سؤال؟.
سؤال: هذا فيه سؤال بالنسبة لو أخذ الطبيب عينة من الدم؟.
الجواب: فهذه العينة من الدم لا تفطر الصائم، ولا تبطل الوضوء، وبيأتي الكلام بأن الذي يفطر الصائم الأكل والشرب، هذا هو الذي عينه الشارع، بالإضافة إلى الجماع المعروف.
سؤال: هذه امرأة كبيرة في السن لا تستطيع الصوم؟.
الجواب: فيطعم عنها ثلاثين مسكينًا، ويجوز أن تدفع لثلاثين مسكينًا في يوم واحد، وممكن أن تقسم على عشرة أيام والأخرى كذلك عشرة أيام، وممكن كل يوم وممكن كل خمسة أيام مثلاً أناس وبعد ذلك أناس وهكذا، وأنس بن مالك رضي الله عنه عندما ضعف، في الصوم أطعم ثلاثين مسكينًا مرة واحدة ويجزئ ذلك، كما أخرج ذلك الدارقطني في «السنن»، وابن أبي شيبة في «المصنف» .
سؤال: ....
الجواب: الحجامة في الحقيقة لا تفطر على القول الصحيح ويأتي الكلام عليها.
سؤال:....
الجواب: البخاخ هذا ما يفطر كذلك ما يؤثر، بيأتي الكلام عليه كذلك، كالمضمضة والى آخره؛ لأن الفم هذا يعتبر خارج، والشارع لا يؤخذ إلا على الداخل من الأكل والشرب وهذا ليس أكلاً ولا شربًا.
سؤال:....
الجواب: في هذا لم أرى، لكن لو قالها الظاهر ما فيه بأس، والاقتصار على الحديث أفضل.
سؤال: البخور...؟
الجواب: البخور كذلك لا يفطر كما بين ابن تيمية رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ وبعض أهل العلم؛ لأنه ليس أكلاً ولا شربًا حتى لو تعمد الشخص أو حتى لو دخل فيه شيئًا، أو شيء فلا يفطر، ولا فيه أي دليل وبين شيخ الاسلام ابن تيمية ذلك.
سؤال:....
الجواب: العطر للطيب لا يفطر، ولا بأس باستخدامه، وهذا يستخدم في خارج، في الخارج.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.