الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (5) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: باب فضل الصوم - للمحدّث العلامة فوزي الأثري حفظه الله
2024-02-11
الجزء (5) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: باب فضل الصوم - للمحدّث العلامة فوزي الأثري حفظه الله
بَابُ فَضْلِ الصَّوْمِ.
(1894) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ».
«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ المِسْكِ».
«يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا».
الشرح:
الدرس الأول في الباب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فتكلمنا فيه الدرس الذي سلف، عن فرضية صوم رمضان، وتكلمنا عن الأحاديث وبينا الدلالة من هذه الأحاديث، ثم قال المؤلف بعد ذلك، «باب: فضل الصوم»، ثم ذكر حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «الصُّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ...» إلى آخر الحديث.
فقوله: «باب فضل الصوم»؛ قال القسطلاني في «إرشاد الساري شر صحيح البخاري» (ج4 ص500): (باب فضل الصوم، أعلم أن الصوم لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين). اهـ
* و«الفضل والفضيلة» الإحسان، ويُقال: ورجل مفضال وامرأة مفضالة على قومها إذا كانت ذات فضل سمحةً. انظر «مختار الصحاح» للرازي (ص482).
فإذًا معنى «الفضل»: الإحسان.
* فقوله: «باب: فضل الصوم»؛ أي: باب محاسن الصوم.
والصوم فيه كل خير، وهذا الباب ذكره أو ذكر الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ فيه حديث أبي هريرة مفرد كما عندكم في الكتاب، فذكر حديث أبي هريرة فقط من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وهو يشتمل على حديثين افردهما مالك في الموطأ كما سوف يأتي، فهذا الطريق عندكم هنا من طريق القعنبي هو عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رَضِيَ للَّهُ عَنْهُ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «الصيام جنة ... » إلى آخر الحديث.
وهذا الحديث كما ترون أدمج البخاري هذا الحديث فيه حديثان، فهذا الحديث الذي عندكم في الكتاب حديثان دمجهما البخاري رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ، وهذه الرواية رواية الإمام مالك كما في الكتاب لكن الإمام مالك في ((الموطأ)) رواية الليثي أفرد الحديثين، فأخرج الإمام مالك في «الموطأ» رواية الليثي (ج1 ص310) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتلة أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم».
فإذا عندكم الحديث الأول من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الصيام جنة» إلى «فليقل إني صائم مرتين» هذا حديث واحد، من رواية أبي هريرة، وبين هذا الإمام مالك في ((الموطأ)).
الحديث الثاني: أخرجه الإمام مالك في ((الموطأ)) (ج1 ص310) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «والذي نفسي بيده لخُلوف فم الصائم»، وبيأتي الكلام على لخُلوف في رواية لخَلوف بفتح الخاء لكنه ليس في الصحيح، الصحيح بضم الخاء لخُلوف، هكذا بياتي الكلام عليه بعد ذلك، «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، إنما يذر شهوته، وطعامه، وشرابه من أجلي فالصيام لي وأنا أجزي به كل حسنة بعشر أمثالها»، هنا زيادة «إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به».
فإذًا هذا الحديث الثاني، يكون من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «والذي نفسي بيده» إلى آخر الحديث «والحسنة بعشر أمثالها»، هذا الحديث الثاني، والقعنبي في صحيح البخاري؛ لأنه هو شيخ البخاري هنا دمج الروايتين، فالإمام البخاري دمج الروايتين أو الحديثين، وهما حديث الأول «الصيام جنة.. »، والحديث الثاني «والذي نفسي بيده.. »، وجمع بين الروايتين هكذا عند البخاري، يعني القعنبي.
وفي «الموطأ» للإمام مالك، رواية القعنبي أفردهما القعنبي (ص348)، أما في ((صحيح البخاري)) عندكم، لا دمج الروايتين، ووقع عند غير القعنبي من رواة الموطأ زيادة، في آخر الحديث الثاني، عندكم في ((صحيح البخاري))، وهي بعد قوله «وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها» زادوا في الموطأ «إلى سبعمائة ضعف»، ورواية «سبعمائة ضعف» غير موجودة في صحيح البخاري، رغم إنها من رواية الإمام مالك، لكن روايات الموطأ كالقعنبي، والزهري، وابن قاسم، والحدثاني، كل هؤلاء ذكروا هذه الزيادة «إلى سبعمائة ضعف».
وقد أخرج الإمام البخاري في «صحيحه» هذا الطريق بعده بأبواب من طريق أبي صالح عن أبي هريرة وبين في أوله أنه من قول الله عَزَّ وَجلَّ كما سوف أبينه بعد ذلك، في نفس هذا الباب أو في نفس هذا الكتاب كتاب الصوم.
وهنا عندكم هذه الرواية ما ذكر أنه من قول الله سبحانه وتعالى، يعني ما ذكره من الأحاديث القدسية، بل هو مذكور من الأحاديث النبوية، لكن الرواية الأخرى وهي من طريق أبي صالح، أما هذه الرواية من طريق الأعرج عن أبي هريرة من الأحاديث النبوية من طريق أبي صالح عن أبي هريرة جعله الإمام البخاري في «صحيحه» من الأحاديث القدسية، يعني من قول الله عَزَّ وَجلَّ وبيأتي الكلام بعد ذلك.
وللفائدة انظر «الموطأ» للزهري (ج1 ص328)، و«موطأ» لابن قاسم (ص364)، و«الموطأ» للحدثاني (ص431).
وهذا الحديث كما لا يخفى عليكم في «صحيح البخاري»، وكذلك أخرجه مسلم في «صحيحه» من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد به.
وأخرجه كذلك الإمام أحمد في «المسند» (ج2 ص 273)، وأخرجه كذلك النسائي في «سننه» (ج4 ص162)، وغيرهم.
* وقوله: «الصيام جنة»؛ جُنة بضم «الجيم» أي وقاية وستر، أو سترة، فالصيام ستر للعبد، قيل ستر له من المعاصي؛ لأنه يكسر الشهوة، ويضعف الشهوة، ولذا قيل: «إنه لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين»، وقيل: جُنةٌ من النار، وقيل: جُنةٌ من الشهوات؛ التي تهلك العبد.
فإذًا عندنا الآن معنى «جنة» وقاية للعبد وستر للعبد، والعبد يستتر بهذا الصيام، من المعاصي لا يقع في المحرمات، ولا الشهوات، وكذلك ستر له من النار، ألا يدخل النار.
وانظر في هذا «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص104)، و«الاستذكار» لابن عبد البر (ج10 ص244).
قال ابن بطال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَىَ في «شرح صحيح البخاري» (ج4 ص8): (قوله الصيام جنة: أي ستر من النار، ومنه قيل للترس مجن؛ لأنه أو لأن صاحبه يستتر به). اهـ، والترس يستر المحارب عن العدو عن الضربات، فلذلك سمي الترس مجن.
وقال القسطلاني في «إرشاد الساري» (ج4 ص500): (الصيام جنة: بضم الجيم وتشديد النون أي وقاية وسترة)، فيكون وقاية وستر العبد، ثم يقول القسطلاني: (قيل من المعاصي؛ لأنه يكسر الشهوة ويضعفها، وقيل من النار لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات). اهـ
فإذًا عندنا «الصيام جنة» وقاية وستر، فيستتر العبد عن المعاصي وعن الشهوات ويكون كذلك له ستر من النار.
قال أبو العباس القرطبي في «المفهم» (ج3 ص216): (وقوله: ((الصيام جنة)) مادة هذه اللفظة التي هي الجيم والنون)، جنة فيها جيم ونون، (كيف ما دارت صورها بمعنى السترة)، فإذا وقعت هذه اللفظة الجيم والنون فمعنى هذه اللفظة أو معنى هذه الكلمة الستر والوقاية، في أي كلمةمن الكلمات التي في لغة العرب، فإذا رأيت في أي كلمة جيم ونون فاعلم بمعنى الستر، والوقاية، ثم يقول بعد ذلك القرطبي: (كالجن)، الجن فيها جيم ونون، والجن مستورون، ثم يقول: (والجنة) الجنة فيها ماذا؟ جيم ونون، وكذلك الجنة مستورة بالنخيل تحفها النخيل وتسترها فلذلك سميت جنة على ما فيها، ثم يقول: (الجنون) هذه الكلمة فيها جيم ونون والجنون يستر ماذا؟ يستر العقل، ثم يقول: بعد ذلك (والمجن)، المجن فيه جيم ونون، والمجن الترس، يسترك عن الضربات، والرماح، والنبال وإلى آخره، ثم يقول: (فمعناه أن الصوم سترة). اهـ
إذًا هذه اللفظة «جُنة» فيها جيم ونون، فأي كلمة من لغة العرب فيها جيم ونون فاعلم بمعنى الستر والسترة، ولم يذكر هنا «الجنين» الجنين لم يذكره هنا، والجنين فيه ماذا؟ فيه جيم ونون، لماذا سمي جنين؟ لأنه مستور في بطن أمه، فاذكر هذه الزيادة.
فإذا عندنا الآن «الصيام جنة» بمعنى الستر والوقاية، وقوله: «الصيام جنة» زاد سعيد بن منصور؛ كما في «الفتح» (ج4 ص104): عن المغيرة بن الرحمن عن أبي الزناد «جنة من النار»، وللنسائي في «سننه» (ج4 ص 163) من حديث عائشة «جنة من النار»، فرواية سعيد بن منصور من رواية أبي هريرة فيها رواية «جنة من النار»، أما عندكم في صحيح البخاري فلا توجد هذه الزيادة، بل «الصيام جنة»، عن ماذا؟ فسرت رواية سعيد بن منصور «جنة من النار»، ورواية عائشة في «سنن النسائي» تفسر رواية كذلك البخاري بأن «جنة من النار» وهذه كلها أحاديث مرفوعة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإسناد النسائي: حسن.
وقد تبين بهذه الروايات متعلق هذا الشيء وأنه من النار، يعني هذا الصيام يستتر به بإذن الله سبحانه وتعالى من النار ومن الدخول إلى النار، وبهذا جزم ابن عبد البر كما نقلت لكم في «الاستذكار»، وانظر كذلك «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص104).
فإذًا بين أهل العلم ما معنى الصيام جنة، فمنهم من قال جنة من المعاصي، ومن الشهوات ومن النار والصحيح أن يكون الصيام جنة من النار؛ لأن النبي فسر هذا الأمر في الروايات الأخرى، لكنه لا يمنع من ذلك أن يكون كذلك الصيام جنة من المعاصي للعبد، وألا يقع كذلك في الشهوات، فتدخل هذه التفاسير كذلك، لكن الأصل بأن الصيام جنة من النار، ولعله إن شاء الله نكمل الحديث الدرس القادم إن شاء الله، فيه أي سؤال؟
سؤال: شيخنا رواية سعيد بن منصور هذه......؟
الجواب: لا هذه في الفتح ذكرها ابن حجر، وهي صحيحة، في السنن.
سؤال:.........
الجواب: لخُلوف بيأتي الكلام عليه، كل الأحاديث... هذا الكلام الآن في جنة.
هذا كله سوف نأتي إليه المسألة هذه.
سؤال: السؤال عن حديث «اللهم إني لك صمت وعلى رزقك أفطرت».
الجواب: هذا حديث ضعيف بيأتي الكلام عليه وتخريجه كذلك.
وهذا كذلك بالنسبة إذا كان الصائم جنبًا ثم نام ثم استيقظ فصومه باقي وعليه أن يغتسل ويواصل وبيأتي الكلام على هذا.
سؤال: شيخنا سؤال من ليبيا تسأل عن السواك المعطر بالمواد الصناعية هل يفطر أم يدخل تحت السواك الطبيعي بعدم تفطير الصائم؟.
الجواب:
بالنسبة للسواك المعطر هذا فلا يضر هذا، كما أن الماء لا يضر كذلك وجوده في الفم والصائم يتمضمض خمس مرات أو أكثر للصلوات ولغير ذلك، كذلك بياتي الكلام على بالنسبة للدم في الفم، وبعض الأمور التي توضع الطبية للحرارة أو بعض الأمور، فهذه لا تفطر، أو مثلاً الإبرة لتبنيج الضرس، فهذه لا تضر كذلك على الصيام، فكذلك هذا السواك المعطر لا يضر.
سؤال: كيف يكون الجنون يستر العقل.....؟.
الجواب:
بالنسبة عن الجنون الآن إذا كان الرجل يعقل ليس بمجنون ثم جُن هذا العاقل فيقولون أهل العلم بأن هذا الجنون ستر عقله، وغطى عقله فليس له عقل، فليس له عقل، بل هذا مجنون يطلق عليه؛ لأن الجنون يستر العقل ويغطيه فيجن.
سؤال: يقول السائل فضيلة الشيخ هل يجوز إطعام خمسة مساكين، وكسوة خمسة أخرى لكفارة اليمين؟.
الجواب: بالنسبة عن الإطعام يطعم خمسة مساكين ويكسو خمسة مساكين، فظاهر النص فيجب عليه أن يطعم عشرة مساكين أو يكسو عشرة مساكين في اليمين، كفارة اليمين.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.