القائمة الرئيسة
الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (4) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة (باب: وجوب الصوم) وشرح أحاديث الباب

2024-02-11

صورة 1
الجزء (4) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: تتمة (باب: وجوب الصوم) وشرح أحاديث الباب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن الصوم لغة واصطلاحًا، وتكلمنا عن الترجمة «باب: وجوب صوم رمضان»، وقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٣]، وشرحنا ذلك.

 وفي هذا الدرس لعل نشرح الأحاديث عندنا حديث طلحة بن عبيد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هذا الحديث كذلك: أخرجه مسلم في «صحيحه»، ومالك في «الموطأ»، وأحمد في «المسند»، وأبو داود في «سننه»، والنسائي في «سننه»، وابن الجارود في «المنتقى».

* وقوله: «أن أعرابيًا»: هذا الأعرابي اسمه مبهم لا يعرف، وإن كان بعض العلماء قالوا هو ضمام بن ثعلبة، كما قال: ابن عبد البر، وابن حجر وغيرهما، لكن الصحيح كما قال القرطبي بأن هذا حديث آخر، بل هذا الأعرابي مبهم.

* وقوله: «ثائر الرأس»؛ منفتش الشعر الرأس وثائر الشعر، وأشعث الرأس.

 * وقوله: «من الصلاة»؛ بالإفراد، كما في قوله، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له عندما قال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة بالأفراد هكذا الصلاة، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلوات الخمس هكذا.

* وقوله: «إلا أن تطوع شيئًا»؛ بتشديد الطاء، ويجوز التخفيف إلا أن تطوع شيئًا، وأخبره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشرائع الإسلام الشاملة، من أحكام الزكاة، وأحكام الحج، وغير ذلك من شرائع الإسلام، فقال فأخبره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرائع الإسلام.

* وقوله: «أفلح»؛ أي: ظفر الدنيا والآخرة.

 وانظر في هذا «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج4 ص498).

والحديث هذا فيه دلالة على أنه لا فرض في الصوم إلا رمضان، وكما قال المؤلف وجوب صوم رمضان، فهذا الحديث يدل دلالة صريحة على أنه لا فرض في الصوم إلا رمضان، وكذلك فيه العبد لو اقتصر على الأصول والأركان وصدق في ذلك دخل الجنة، أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق، وهذا يكفي في الإسلام.

 لكن العبد الأفضل له كما بين أهل العلم أن يأتي بنوافل الأصول التي في الصلاة والصيام والحج والزكاة من الصدقات والى آخره، اقتداءً بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذه الأعمال هي التي أتى بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعلينا أن نقتدي بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، طاعة لله وطاعة للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء: 59]، وكما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر:7].

 فهذه النصوص تبين أن نأخذ بجميع ما جاء به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من الأصول الفروع وهذا أفضل للعبد من الاقتصار على الأصول؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ أمر بذلك، وكذلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وحديث ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أخرجه مسلم في «صحيحه»، وأبو داود في «سننه»، وأحمد في «المسند».

*  وقوله: «صام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاشوراء وأمر بصيامه» وعاشوراء هو اليوم العاشر من محرم، وعاشوراء ابتداءً كان فرضًا «صام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاشوراء وأمر بصيامه».

* وقوله: «فلما فرض رمضان ترك»؛ يعني: ترك صوم عاشوراء، واستدل به الحنفية على أنه كان فرضًا ثم نسخ بفرض رمضان، وهو وجه عند الشافعية.

*  وقوله: «وكان عبد الله»؛ يعني ابن عمر راوي الحديث «لا يصومه» كما عندكم «وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه» أي لا يصوم يوم عاشوراء.

 وذكر بعض أهل العلم منهم القسطلاني في «إرشاد الساري»، وكذلك ابن بطال في «شرح صحيح البخاري»؛ لأنه أي صوم يوم عاشوراء كانت قريش تصوم أيام الجاهلية، فخاف ابن عمر أن يصومه، وكذلك مخافة الظن بوجوبه، أو أن يعظم في الإسلام كالجاهلية.

وصوم يوم عاشوراء من المستحبات، حتى لو تركه عبد الله ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما فالسنة صومه، كما أجمع أهل العلم على ذلك.

* وقوله: «إلا أن يوافق صومه» الذي كان يعتاد في صومه على عادته لا لتنفله بعاشوراء، فإن وافق صوم ابن عمر لهذا اليوم صام لكنه ليس للتنفل بعاشوراء لأنه لا يصوم عاشوراء، كثلاثة أيام من كل شهر، فيصادف هذا فيصوم، أو الاثنين أو الخميس، لكنه أي ابن عمر ما كان يصوم عاشوراء.

 وانظر في هذا «إرشاد الساري» للقسطلاني (ج4 ص499)، و«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (ج4 ص7)، و«المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» لأبي العباس القرطبي (ج3 ص191).

ومن هذا يتبين بأن ابن عمر لم يصم عاشوراء، ولم يكن يفتي بذلك؛ لأن بعض أهل العلم بينوا بأنه ما كان يرى صوم يوم عاشوراء، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة أو من التابعين ومن العلماء، كما نرى في هذا الزمان عندما قلنا بعدم صوم يوم عرفة فلم نصومه، قامت دنيا أهل البدع علينا، فهذا ابن عمر لم يصم عاشوراء، فماذا يقولون هؤلاء؟! بل الإمام مالك كما ثبت في موطئه لم يصوم ستة شوال، ويكره ذلك، ويفتي بعدم صيام الستة من شوال رغم أن صيام ستة من شوال من السنة، ثابت فلم ينكر أحد على الإمام مالك من العلماء لكنهم بينوا بالطريقة العلمية، الإيجابية طريقة أهل الحديث، من غير تشويش ولا تهويش ولا تحريش فهذا هو الأصل.

 لكن ما بالكم في من أكل البغض قلبه على أهل الحديث؛ فلذلك على طلبة العلم أن ينتبهوا لذلك، فإن المحرشين والمشوشين، والمهوشين كثير يريدون إلقائك في شباكهم، فيأتون لك بهذه الطرق عن عرفة، والى آخره، وهذا ليس طريق أهل العلم كما بينا وهذا ابن عمر لم يرى صوم عاشوراء فلم ينكر عليه لكن أهل العلم بينوا بأن هذا من السنة، كذلك الإمام مالك لا يرى صيام ستة شوال، ولم ينكر عليه أحد، إلا بالطريقة العلمية، هذا هو الأصل.

حديث عائشة كذلك: أخرجه مسلم في «صحيحه»، وأحمد في «المسند»، والترمذي في «سننه».

* وقوله: «إن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية» وهذا يبين بأن الكفار يصومون هذا اليوم في الجاهلية، وانظر في هذا «فتح الباري» لابن حجر (ج4 ص245).

 والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندما رأى اليهود تصوم هذا اليوم فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صامه وأمر بصيامه، والدليل على ذلك حديث ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: «قدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فرعون فصامه موسى، قال أي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه» أخرجه البخاري في «صحيحه».

فهذا الحديث يبين بأن صيام عاشوراء قد أمر به الشارع، وكانت اليهود تصوم ذلك، فبلا شك نحن أحق بموسى منهم، فعلينا بصيام يوم عاشوراء، وهو الآن صومه مستحب، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتحرى هذا اليوم إذا اقترب، والدليل على ذلك حديث ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قال: «ما رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان» أخرجه البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه».

فإذا هذا الحديث كذلك يبين بأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتحرى صيام هذا اليوم ولم يذكر هنا صوم عرفة، فلو كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتحرى صوم يوم عرفة وكفارته في الحديث حديث أبي قتادة صحيح مسلم أعظم من كفارة يوم عاشوراء، فكفارة صوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية أما عاشوراء يكفر السنة الماضية فأين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك؟!  فهل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يترك كفارة سنتين، ويتحرى كفارة سنة؟! والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احرص منا على الخير، ولكي الأمة تقتدي به.

 فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يصوم يوم عرفة، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم حديث عائشة، وبينا في هذا الحديث وفي أحكامه في جزء عرفة جملةً وتفصيلاً، ولم نرى ردًا علميًا على هذه الأدلة خاصة الآثار، بل يأخذون كلمة وكلمات وحديث وكلام لأهل العلم فيردون، وبقية الأدلة وخاصة الآثار آثار الصحابة التي فيها عدم صوم يوم عرفة لم يتطرق إليها أحد، إلا بالتشويش، كذلك حديث ابن عباس من الأدلة على ذلك، فإذًا صوم يوم عاشوراء من السنة.

 ونختم بحديث ابن عمر في فرضية صوم شهر رمضان، في قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان».

وهذا الحديث أخرجه البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه»، والترمذي في «سننه»، والبغوي في «شرح السنة»، والبيهقي في «السنن الكبرى»، وأحمد في «المسند»، والنسائي في «سننه»، وابن منده في «الإيمان»، وغيرهم.

 فهذا الحديث يبين فرضية صوم شهر رمضان، ولعل إن شاء الله وننتقل إلى فضل الصيام الدرس القادم، نعم فيه أي سؤال؟

سؤال:.....؟

 الجواب: في الجاهلية أي كانوا في الجاهلية كفار قريش يصومونه كذلك اليهود في المدينة، هكذا قصدك؟

......؟

 لا ما فيه أي شيء؛ لأنه حتى الجاهلية يصومون ويتعبدون في بعض الأمور، كالصوم هذا صوم عاشوراء، وكذلك أمور من الحج مثلاً، يفعلون كذلك حتى اليهود، يفعلون بعض الأمور مثل صوم عاشوراء.

سؤال: .......؟

الجواب: لا بينا في الدرس الذي سلف بأن الأمم السالفة شرع الله لهم الصوم لكنه يختلف عن صومنا، من ناحية الوقت والقدر والصفة، لكن الكيفية هي هي في الصوم، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالىَ شرع لجميع الأمم السالفة الصوم لكنه يختلف عن صومنا الآن في الطريقة.

سؤال: يقول السائل في ليبيا: شيخنا بارك الله فيكم وأمد في عمركم، امرأة عليها دين من رمضان فتريد أن تقضي هذا الدين، فهل عليها كفارة مع الصيام؟.

الجواب: فهذه المرأة عليها أن تقضي ما عليها من رمضان الذي تقدم، وليس عليها أي إطعام، بل تصوم ما أفطرت فيه، يوم أو يومين أو ثلاثة، لكن إن لم تستطع على الصوم، من حمل أو إرضاع أو مرض الآن فهذه تطعم ولا تقضي بعد ذلك، على القول الصحيح من أقوال أهل العلم.

 سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan