الرئيسية / شرح كتاب الصيام من صحيح البخاري / الجزء (2) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: نبذة من ترجمة الإمام البخاري رحمه الله
2024-02-07
الجزء (2) شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري: نبذة من ترجمة الإمام البخاري رحمه الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن «مقدمة في كيفية التحصيل لطلب العلم»، ولعل نتبع هذه المقدمة بترجمة للإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ونذكر ذلك؛ للفائدة وسوف نتكلم عن «نبذة من ترجمة الإمام البخاري»، ولذلك نحن إذ نتكلم عن ترجمة الإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فلا نتكلم عن عالم غير معروف، بل كما لا يخفى عليكم هو مشهور، وبلغت شهرته الآفاق، وهو من علماء أهل الحديث.
ونقول في نبذة من ترجمته رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
* فاسمه ونسبه: هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة بن بردزبة أبو عبد الله الجعفي البخاري، واسم بردزبة هذا من أجداده، وذكروا بأنه مجوسيٌ ومات مجوسيًا، و«بردزبة» معناه بالبخارية الزُراع، وهذا اسم الإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
* مولده: ولد الإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بعد صلاة الجمعة لثالث عشر ليلة خلت من شهر شوال، سنة 194، قال النووي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: اتفقوا عليه.
* نشأته وطلبه للحديث: لا شك أن للبيئة التي نشأ فيها الإمام البخاري دور مهم في مسيرة نشأته؛ وذلك لكثرة الحفاظ، والعلماء في عهده، وفي بخارى فالمسلمون في زمان الإمام البخاري، وقبله كانوا قد اقبلوا على سماع الحديث، وطلبه وروايته، وتنافسوا في تكثير الشيوخ، والطرق والرواية، حتى لقد كان يحضر حلقة المحدث الواحد ما يقدر بالآلاف والمئات من الطلبة؛ وذلك لهمم الناس في هذه العهود؛ ولكثرة الحفاظ والشيوخ، وقوة علمُهم أو علمِهم، وكذلك كثرة الطلبة لعلم الحديث، وسماع الحديث.
والإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى له حفظ قوي، ومتقن لعلم الحديث بطرقه وعلله، ومعرفة صحيحه، ومعرفة ضعيفه، والإمام البخاري عنده قوة في الفقه كما يدل عليه كتابة الصحيح، وله ذاكرة قوية كما يدل ذلك كذلك صحيحه، والتاريخ الكبير، والأدب المفرد وغير ذلك من الكتب التي ألفها.
وأثنى عليه الإمام أحمد في العلم وفي الحفظ والإتقان، والإمام إسحاق بن رهوايه، والإمام ابن المديني وهذا الأمر معروف، وغير هؤلاء.
* معرفته علل الحديث: ومعرفة علل الأحاديث من أدق العلوم كما لا يخفى عليكم، متعلقة بمصطلح الحديث، وهي في الوقت ذاته من أصعب المباحث في علوم الحديث النبوي؛ إذ هي تستلزم الإحاطة بجمع الطرق، والبراعة الكاملة في معرفة مواليد الرواة ووفياتهم وسماعهم؛ ولذلك كان الموصوفون بمعرفة العلل الأفذاذ فالإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كان كذلك قوي في علل الحديث.
ولا يخفى عليكم الأئمة الأفذاذ في هذا العلم كالإمام أحمد، والإمام ابن المديني، والإمام أبي حاتم، والإمام أبي زرعة، الإمام والدارقطني وغيرهم، فكان الإمام البخاري كذلك، وهو معدود مع هؤلاء الحفاظ.
وإذا رأيت التواريخ التي ألفها الإمام البخاري «كالتاريخ الكبير والتاريخ الأوسط» فترى قوة الإمام البخاري في العلل.
* شيوخ الإمام البخاري: كثير؛ لأنه رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رحل في طلب الحديث، وسلك في طلبه مسلك المحدثين، أهل الحديث، أهل الأثر في التحصيل، وجمع الطرق، والعلو في إسناد الحديث، فالإمام البخاري أكثر الترحال في طلب الحديث، وهو صغير فقد خرج في سنة 210 للهجرية، وعمره 16سنة، 16سنة إلى الحج مع أمه وأخيه، فلما فرغ من الحج رجع أخوه مع أمه، وأما هو فبقي ينتقل في الحجاز، بلاد الحرمين، يتلقى من شيوخها.
ومن بين أولئك الذين تلقى عنهم الحديث في مكة عبد الله بن الزبير الحميدي؛ ولذلك روى الإمام البخاري في «صحيحه» عن شيخه الحميدي أحاديث كثيرة، وعبد الله بن يزيد، وإسماعيل بن سالم الصائغ وفي المدينة وكان وصلها سنة 212هجرية، وسمع من إبراهيم بن المنذر، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي.
ثم توجه إلى البصرة، واستفاد هناك من الإمام أبي عاصم النبيل، وصفوان بن عيسى، وحرمي ابن عمارة وغيرهم، ثم سافر إلى الكوفة وهناك التقى بعبيد الله بن موسى، وأبي نعيم أحمد بن يعقوب، وإسماعيل بن أبان وغيرهم، ثم ذهب إلى بغداد وقد كثرت بعد رحلته إلى الكوفة وبغداد؛ ولذلك ذكر الوراق عنه قوله: «ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد مع المحدثين»، فهذه الطريقة هي طريقة أهل الحديث في تلقي العلم الشرعي المنهجي؛ فلذلك أهل الحديث استفادوا كثيرًا وتبحروا في الدين وفي العلم، فنالوا الإمامة في الدين.
فيجب علينا نحن أن نفعل كما فعل هؤلاء على قدر الاستطاعة، والله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى يبارك في الجهود، فنقتدي بهؤلاء ونتشبه بهؤلاء، وكان الإمام البخاري قد وصل أيضًا في رحلاته إلى الشام، وأخذ هناك عن يوسف الفريابي الإمام المعروف، وآدم بن أبي إياس وأبي اليمان الحكم بن نافع، وابن شريح، ووصل كذلك مصر، وأخذ عن سعيد بن أبي مريم، وأحمد بن صالح، ويحيى بن عبد الله بن بكير وأقرانهم.
وسافر كذلك إلى الجزيرة، واستفاد من أحمد بن عبد الملك الحراني، وأحمد بن يزيد الحراني وغيرهم، وأما خراسان ونيسابور وبلاد المشرق الإسلامي فإن رحلاته إليها تعددت كذلك؛ نظرًا لأنها في طريق بلاده بخارى، ومن تلك المدن التي أكثر الترداد إليها مرو وبلخ وهراه وبلغ وهراة والري وسمرقند وغيرها.
وهذه الرحلات أثرت المادة العلمية التي يحملها الإمام البخاري، وبهذه الرحلات تمكن من جمع الأسانيد، ومعرفة الرجال، ومعرفة علل الحديث، وحصول علو الإسناد، ومعرفة فقه السنة، كذلك ما عليه في التفسير القرآن وإلى آخره.
* تلامذة الإمام البخاري: فاشتهر الإمام البخاري بعلم الكتاب والسنة، كما لا يخفى عليكم، فأراد الكثير من الطلبة الأخذ منه، فحرصوا على السماع منه، والأخذ عنه، فكان يحضر مجالسه الكثير من الناس، من جميع البلدان التي ذكرنا، والتي لم نذكرها، فمنهم إبراهيم بن إسحاق الحربي المحدث المشهور صاحب كتاب «غريب الحديث»، وهذا الكتاب مطبوع، وأبو بكر بن أبي عاصم، صاحب كتاب «السنة»، وزنجويه النيسابوري أحد راوي التاريخ الأوسط، وعبد الله بن أحمد الخفاف، الراوي الثاني للتاريخ الأوسط.
فالراوي الأول للتاريخ الأوسط زنجويه، والثاني الخفاف، وأخذ عنه أبو بكر ابن أبي داوود ابن صاحب سنن أبي داود المعروف، وأبو بكر ابن أبي الدنيا صاحب «الأجزاء» المشهورة المعروف، وأبو زرعة الرازي الحافظ المشهور أخذه عن الإمام البخاري، وأبو بشر الدولابي صاحب كتاب «الكنى» المعروف، وأبو حاتم الرازي الحافظ المشهور، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام المشهور، صاحب كتاب «صحيح ابن خزيمة»، وأبو أحمد محمد بن سليمان، وابن فارس راوي التاريخ الكبير عن الإمام البخاري، وأبو عيسى الترمذي صاحب «السنن» وله عن البخاري سؤالات كثيرة عن الأحاديث والعلل والأسماء.
وأخذ عنه كذلك محمد بن ناصر المروزي الفقيه صاحب «قيام الليل»، ومحمد بن يوسف راوي «صحيح البخاري»، ومسلم بن الحجاج المعروف، ويروي عن البخاري لكن في غير الصحيح، ويحيى بن محمد البغدادي الحافظ المشهور، وغير هؤلاء الحفاظ، فهؤلاء حفاظ لا يخفون عليكم، وأئمة وأصحاب علم، فهؤلاء التلاميذ فما بالك بالإمام البخاري كيف علمه؟.
* عقيدة الإمام البخاري: الإمام البخاري من أهل السنة والجماعة بلا خلاف، وقد سطر في الرد على المبتدعة مؤلفات ومصنفات تشهد بتمسكه بالعقيدة الصافية، عقيدة أهل السنة والجماعة، عقيدة أهل الحديث، فقد رد على أقوال الجهمية والمعتزلة القائلين بخلق القرآن، والقائلين بتجريد الله عن أسمائه وصفاته أو عنهما معًا، ورد على منكري القدر، وله ضمن جامعه الصحيح كتاب القدر، من أبوابه باب جف القلم على علم الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، وباب الله أعلم بما كانوا عاملين وغير ذلك من الأبواب.
ومن ضمن كتب الصحيح أيضًا كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، ومن أبوابه الغلو في الدين والبدع والتنازع في العلم، ومن ضمن الصحيح أيضًا كتاب التوحيد، وله أبواب كثيرة كما لا يخفى عليكم، كلها في إثبات توحيد الله عَزَّ وَجلَّ والرد على المبتدعة المخالفين لعقيدة السنة والجماعة، وله أيضًا كتب أخرى قرر فيها العقيدة الصحيحة منها جزء خلق أفعال العباد وغير ذلك من الكتب، فلذلك الإمام البخاري في العقيدة من أهل السنة والجماعة.
* وخُلق الإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: ضرب الإمام البخاري بحظ وافر من الأخلاق، والأخلاق العالية، والشمائل الكريمة، كما ذكر عنه الحافظ ابن حجر وكذلك الذهبي وغيرهما من الحفاظ والعلماء، والإمام البخاري صاحب ورع وزهد وعبادة، وكان الإمام البخاري عنده مال وكان ينفق في طلب العلم وعلى الطلبة وغير ذلك.
* مؤلفات الإمام البخاري: كما لا يخفى الإمام البخاري ألف كتبًا كثيرة، منها «الجامع الصحيح» ، الذي إن شاء الله سوف نشرح منه كتاب الصيام، وهو أعظم مؤلفات الإمام البخاري، بل هو أعظم ما ألف في الإسلام، واسمه الكامل الذي سماه به «الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسننه وأيامه»، فهذا هو اسم صحيح البخاري؛ ولذلك أهل العلم والناس اختصروه وسموه بصحيح البخاري، وإلا اسمه «الصحيح الجامع المسند من حديث رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسننه وأيامه»، فهو عنوان جميل لهذا الكتاب، معرفة الصحيح من المسند، من أحاديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسنن النبي وأيام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهو كتاب عظيم، جمع فيه بين الصحة والفقه الدقيق، الذي ينبئ عن ذكاء الإمام البخاري الفذ النادر فالإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جمع في هذا الكتاب الأحاديث الصحيحة، وفيه الفقه الدقيق، يدل على ذلك التراجم، تراجم الإمام البخاري في كتاب الطهارة، وفي كتاب الصلاة، وفي كتاب الزكاة، وفي كتاب الحج وفي كتاب الصيام، وغير ذلك من الأحكام الفقهية يتبين منه أنه عالي الفقه والذكاء.
وصحيح البخاري هذا هو أصح من كتاب الإمام مسلم، وهذا قول الجمهور كما بين ابن كثير رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وهو القول الراجح، كما ذكر الذهبي وابن حجر، وغيرهما من الحفاظ.
* فقه الإمام البخاري: كما بينا فقهه كثير، فيذكر رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الفقه في الترجمة، ثم يذكر الدليل على ذلك، وهذا هو الطريق الصحيح لتبيين أحكام الدين، كلام يسير مع الدليل، بدون تكثير، كما نرى من كتب الحركيين والحزبيين وأهل البدع؛ فلذلك لا ترى في كتبهم بركة، ولا يعكف على كتبهم إلا الهمج والرعاع، من الضالين والعياذ بالله.
لكن ترى أهل العلم من العلماء وطلبة العلم واتباع السنة، وعموم المسلمين دائمًا يعكفون على كتب أهل الحديث، قديمًا وحديثًا، وينقلون الحكم والدليل، وذكر الآثار وذكر أقوال أهل العلم هذا هو الطريق الصحيح، فكان الإمام البخاري كذلك؛ ولذلك عكف عليه كثير من الحفاظ والعلماء، فشرحوه كما لا يخفى، من ذلك «فتح الباري في شرح صحيح البخاري» لابن حجر وغير ذلك من الكتب.
فعلينا نحن أن نكون كذلك، ولا نطيل على الناس بكثرة الكلام إلى أن نصل إلى الحكم، لا الحكم مع الدليل؛ ولذلك ترى كتب أهل الرأي فيها أدلة قليلة لكنه كلام كثير وآراء الرجال، أما كتب أهل الحديث فلا؛ فلذلك فيها البركة.
* وأخيرًا نقول وفاة الإمام البخاري: دبر له رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مؤامرة بل مؤامرات ولم تنجح إلا هذه المؤامرة، وهذا شأن أهل العلم قديمًا وحديثًا، يدبر لهم أهل الأهواء، أو أهل الحسد، مؤامرات وكيد ليلاً ونهار فأحيانًا يصيبون وأحيانًا يخطئون؛ لأن ما أراد الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، ودبرها له أمير بخارى خالد بن أحمد الذهلي مع الفقيه حريث بن أبي الورقاء ومن معه، وهذه المؤامرة نجحت وطُرد من من بخارى، وأُخرج الإمام البخاري ظلمًا وعدوانًا من مسقط رأسه وبلد نشأته، وقصد رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سمرقند، وتوفى رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وقد اتفقوا على ذلك، توفي ليلة الفطر سنة 256، وعمره 62 سنة إلا 13يومًا، وهذا الذي بينه الحفاظ.
ومن أراد الإطالة في ترجمته، فلينتقل إلى كتب أهل الحديث التراجم كالسير للإمام الذهبي وكذلك مقدمة فتح الباري لابن حجر، وطريق بغداد، وكثير من الكتب، وهذه الترجمة باختصار.
سؤال: يقول السائل: هل علينا كطلاب علم مبتدئين حفظ أسماء من التقى معهم الإمام البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؟.
الجواب: إذا أراد فلا بأس بحفظ شيوخ الإمام البخاري وهؤلاء التقوا مع الإمام البخاري وتلامذة الإمام البخاري وشيئًا من ترجمته فلا بأس بذلك، من أراد.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.